احمد خميس كاتب سوري متميز، ينتمي للثورة السورية، قرأت له سابقا رواية مسرح العمى وكتبت عنها.
قيامة اليتامى رواية أحمد الخميس تعتمد أسلوب السرد على لسان الراوي، وفي كثير من الأحيان ينتقل السرد الى لغة المتكلم على لسان أحد شخصيات الرواية المحورية.
تبدأ الرواية من يعرب الشاب السوري ابن مدينة الرقة الذي يعيش في باريس، حيث تسرد واقع حياته اليومية هناك. ومن خلال تتبع السرد لحياته، تسترجع الرواية ماضيه وماضي حياة الشبكة المحيطة به من اصدقائه الذين تعرف عليهم وتعايش معهم هناك، اصدقاؤه بشارة الفلسطيني وسلينا العراقية وبرناديت الفرنسية وغيرهم كثير.
يعيش يعرب حياته في فرنسا بعد طلبه اللجوء الى فرنسا وحصوله عليه بصفته أحد ناشطي الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م، كان من قادة الناشطين في المرحلة السلمية في مدينته الرقة، وعندما أصبحت الثورة مسلحة كان له دور مع ناشطي الثورة من الجيش الحر، وعندما انقلب العالم كله على الثورة السورية وبدأ ظهور الإسلاميين المتشددين مثل داعش أصبحت حياته في خطر من النظام المجرم ومن داعش، فما كان امامه الا الخروج من سوريا حيث استقر في باريس. تسير حياته وفق روتين محدد في بيته والمقهى ولقائه بالناشطين الهاربين من ديارهم من بطش المستعمر او الانظمة المستبدة. أحد أهم أصدقائه بشارة الفلسطيني ابن مدينة اريحا، الذي غادر فلسطين الى فرنسا حاملا معه جرح فلسطين النازف منذ عقود، فلسطين التي يحتل جزء منها الكيان الصهيوني والتي يعيش بعضها الباقي قضما صهيونيا مع بطش واعتقال وقتل شبه يومي. ماهر في العزف على الكمان، يقود فرقة موسيقية، أصبح له حضوره وأعماله المتميزة. العلاقة بين يعرب وبشارة حميمية جدا، فيها تواصل وجداني، ومشاعر الانتماء الى قضية رسالية: ثورة الشعب السوري وقضية فلسطين. أعاد يعرب رسم ماترسّب في نفسه من معاناة عاشها في الثورة وخاصة استشهاد اصدقائه في المظاهرات في مواجهة النظام، عبّر عن ذلك في لوحات كثيرة رسمها عبر عن ذاته وما عاشه. كما تعرّف يعرب على سلينا الفتاة العراقية التي تركت العراق مع زوجها الذي يكبرها بسنوات كثيرة، تزوجته في شروط عائلية سيئة والد متوفي وام ضعيفة ومغلوب على امرها، انتقلت للعيش معه في فرنسا. وهناك وبعد سنوات توفي الزوج وأصبحت سيلينا حرة في تصرفاتها ورثت بعض المال عن زوجها الثري. كانت تمتلك صوتا جميلا، شاركت بالغناء في فرقة بشارة الموسيقية، وكان ذلك مدخلا لحصول علاقة حميمة وحب بينهما.
عمل يعرب وبشارة وسيلينا بشكل مشترك لخدمة وتنوير مآسي بلدانهم الثلاث سوريا وفلسطين والعراق، عبر أعمالهم الموسيقية والغنائية والرسم ايضا. كما تعرف يعرب على برناديت الصحفية الفرنسية والتي تبنته وحصلت بينهما عواطف حب وود. مما جعل برناديت قريبة من نشاط يعرب وبشارة وسيلينا، تساعدهم وتدعمهم كل الوقت…
لم تسر امور هذه المجموعة في مناشطها بشكل سلس، لقد كانت الأقدار هناك حاضرة، حيث مرض بشارة بالسرطان، ولم يخبر أحد ممن حوله بذلك، وقاطع حبيبته سيلينا بطريقة فظة، حيث حاولت الانتحار، ولم تنجح، وبعد ذلك عادت الى العراق، خدمت أمها التي كانت في دار للمسنين، وخدمت من كان مع امها، ثم أحضرت بعض أموالها وساعدت الدار وجعلتها أقرب انسانيا لتلبية حاجة هؤلاء العجزة المقطوعين من الأهل والدعم المادي والنفسي. وعادت الى فرنسا مجددا باحثة عن حبيبها بشارة الذي علمت انه مصاب بالسرطان وانه يعاني سكرات الموت. ولتصل إلى هناك وتجده قد مات فعلا. وتعيد الارتباط بذكراه وأنها ستستمر على حبه والقيام بدورها الإنساني في دار المسنين…
أما ما حصل مع يعرب فقد عمل بداية مع بشارة وسيلينا واخرجوا حفلة فنية غنائية رائعة، ثم وبعد فراق سيلينا وبشارة، وعودة سيلينا الى العراق وذهاب بشارة الى منتجع وغيابه الكامل، والحقيقة أنه كان في مصح للمعالجة من السرطان، دون ان يخبر احدا…
عمل يعرب مع برناديت لعرض لوحاته التي تحكي قصة الثورة السورية في ذكراها السنوية الرابعة، ونجحوا بذلك، وأصبح يعرب من أهم الوجوه الفنية المعبرة عن الثورة السورية بصفاء وانتماء ومصداقية، وأصبح قبلة الصحافة والإعلام في فرنسا وأوروبا عموما. مما جعله تحت انظار الخلايا الامنية التابعة للنظام السوري التي تعمل على قتل الناشطين الثوريين في الخارج بشكل علني او سري، المهم التخلص منهم…
لقد صنع النظام شبكة قتل واسعة في أوروبا، اعتمد في ذلك على البرمجة الذهنية وغسل الدماغ ودفع العميل للإدمان على المخدرات و اعطائه المال وتوريطه مع شبكة للعاهرات، و جعله مصابا بمرض الايدز، والاهم دعمه بالمال والمخدرات عند كل عملية اغتيال او قتل. كان داود رأس شبكة تنفيذ المهام القذرة هذه في باريس، اعطي الامر له من سيدة ترتبط مباشرة مع المسؤول الدبلوماسي السوري الأول في فرنسا حيث تأخذ منه الأمر وتعطيه لداود الذي يقوم مع القتلة المأجورين بهذا العمل. كان لهم قائمة بالناشطين المطلوب قتلهم بالعشرات في فرنسا وأوروبا. وهكذا كان يعرب على رأس القائمة المستهدفة بالاغتيال في باريس، خاصة انه اصبح من انشط الثائرين المعبرين عن الثورة السورية والناجحين في ذلك. خطط المسؤول الدبلوماسي ونفذت السيدة العميلة عبر قتلة مأجورين حيث قُتل يعرب، وتم كشف العملية كلها عبر داوود نفسه الذي صحا ضميره اخيرا واعترف للأمن الفرنسي بكل شيء قبل موته بالإيدز الذي كان مصابا به.
تابعت برناديت الصحفية الفرنسية حبيبة يعرب وصديقته والتي أصبحت وكيلة اعماله ونشاطه، ملاحقة قضية اغتيال يعرب وقبض على المسؤول الدبلوماسي وعلى السيدة العميلة وعلى القتلة، وحوسبوا كلهم، وتم إبعاد المسؤول الدبلوماسي السوري وسجن الباقون…
في النهاية كانت برناديت قد دونت هذه الأحداث كلها منذ تعرفها على يعرب واصدرتها على شكل رواية…
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
لقد نجحت الرواية على طولها ٣٥٥ص ان تخوض عميقا في تلافيف العلاقات الانسانية بشكل شبكي يغوص عميقا في حالة كل شخصية على حدى: يعرب السوري والثورة السورية وبشارة الفلسطيني و الجرح الفلسطيني النازف، وسيلينا العراقية وجرح العراق الممتد الى عقود. بترابط جميل عبر الشخصيات دون اقحام و بسلاسة مقنعة…
كنا نجحت الرواية بالربط بين الشخصي الحميمي الوجداني والغوص في استقرائه وبين الانتماء العام لكل شخصية، وأن تجعل ذات كل شخصية حاضرة في الحب والعلاقات المحيطة وفي انتماءاتهم الاصيلة العميقة لقضايا بلادها الدامية…
لقد لفتت الرواية الى صمت العالم عما حصل في سوريا على يد النظام من قتل وتشريد واعتقال للشعب السوري وتدمير سوريا، وان الغرب يراقب كان محكوم بثلاثية لا ارى لا اتكلم لا اسمع، ورغم أن هناك تورط حكومي سوري في اغتيال ناشط سوري في فرنسا. تم إبعاد المسؤول فقط ؟!!. وان ذلك يُسحب على الصمت عن الدخول الروسي الايراني ثم تغول داعش في سوريا وتم تحويل أجندة العالم من دعم السوريين في مطالبهم العادلة في إسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية العادلة الى محاربة إرهاب داعش وترك الشعب السوري لمصيره الأسود تحت سلطة النظام المجرم وحلفائه… وهذا يعني أن الغرب قائد العالم راض عما حصل وان لم يباركه علنا…
نجحت الرواية في توثيق الحدث السوري وبالتبعية عليه الفلسطيني العراقي، وان الجرح واحد والعدو واحد واننا متوحدون في الهم والحل وفي الأمل وأن هذه الرواية وأمثالها من موجة الإنتاج الروائي العربي يجعلنا نقدم شهادتنا الذاتية – العامة واننا لم ولن ننسى، ولن نغفر، وهذه شهادتنا للتاريخ…
وان ثورتنا ثورة حق و انتصار للكرامة والحرية والعدالة والديمقراطية وأن مسؤوليتنا مستمرة في ثورتنا حتى اسقاط الاستبداد الظالم ومحاسبة القتلة المجرمين…
١٠ . ١٠ . ٢٠٢٢م.
رواية “قيامة اليتامى” للكاتب السوري “احمد خميس” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي”