ربيع فريد مرشد روائي سوري متميز. حكايات نجيع هو العمل الروائي الأول الذي أقرأه له .
نحن أمام رواية مختلفة، فهي تعتمد في بعض سردها لسان الراوي. كما تعتمد لغة المتكلم على لسان الكثير من شخصياتها المحورية. واهمهم سرجون وانانا. كما أن لا زمان سرد متتابع لحدث معين في الرواية. بل هي تغطي في استرجاعات السرد عقود من الزمن. واحيانا أجيال. كما أن لا حدث خاص تنصب عليه الرواية بل تكاد تكون فيه سورية زمن الثورة السورية عموما والسويداء بأهلها الموحدون الدروز خصوصا يشكلون موضوع الرواية. وتمتد استطالات الرواية لتصل الى فلسطين قبل الاحتلال الصهيوني وبعده ولبنان في امتداد التمدد الدرزي فيها من قبل ومن بعد…
كما أن تقنية الكتابة في الرواية اعتمدت على تقسيمها إلى ثلاث محطات مرقمة ١ و٢ و٣. لم أقل فصول لأن هذه المحطات الروائية تكاد تكون مكان يعاد إليه في الزمن وفي الذاكرة وعند حصول مستجدات في المسار الروائي. كما أن السرد الروائي يعتمد على مفاصل تتابع حدث ما ضمن السرد الروائي قد يكون صفحة وقد يمتد لصفحات يغطي سياق ما في الرواية. وينتقل الكاتب بفاصل ثلاث نجمات أفقية ليحدثنا عن موضوع آخر متصل – منفصل في السياق الروائي. بحيث تحتاج كقارئ إلى الوقت لقراءة صفحات كثيرة من الرواية لتلم بأطرافها. ولا تصل كل خيوط الرواية اليك كقارئ الا بعد ختامها…
ولكي لا أقع في مشكلة استرجاع شخصيات الرواية وحضورهم وتطورات مواقفهم بالحياة وخواتيم أوضاعهم خصوصا وضمن السياق السوري. فإني سأعتمد هنا التحدث عن مفاصل الرواية الأساسية بحيث اغطي قدر الامكان رسالتها التي حاولت توصيلها لنا كقرّاء…
بداية الرواية كانت من حادث سيارة كان يركبها سرجون ابن السويداء وصديقيّه. وادت الى نقلهم للمشفى ومن ثم دخول سرجون في حالة غيبوبة مديدة حيث تراقب روحه جسده واحتمال أن يموت. تنبئنا هذه الروح مسترجعة ما عاشته في سابق سنواتها الماضية. لا يخفى على القارئ المعتقد الدرزي حول الروح الخالدة. وأنها تنتقل من جسد فاني الى جسد وليد وهكذا في رحلة دائبة من جسد إلى جسد. حاول الكاتب أن يقنعنا بصحة المعتقد بأن ذلك ينصف هذه الروح من انعكاس أفعال الأجساد المتعاقبة عليها. بحيث تأخذ فرصتها من التجارب الممتدة للبشر التي تسكنهم هذه الروح تباعا. وفي هذا السياق تعود روح سرجون وهو في غيبوبته. ليتذكر أطوار حياته فهو من السويداء والدته توفيت وهو طفل. وهو درس في الجامعة بعد ذهابه للخدمة العسكرية الإجبارية. وتعرف على أنانا الحمصية وهي غير درزية. وحدثها عن حياته. واكتشف هو واكتشفت هي بأن هناك بينهما مشتركات لا تتعلق بالحياة المعاشة الآن بل بحيوات سابقة بحيث تلتقط رويدا رويدا حيث تكتشف في نهاية الرواية حقيقة أنها تحمل روح والدته. وذلك عندما زارته في بيته وتجولت به وهي على معرفة بكل تفاصيله.
أما عن انانا ذاتها وحياتها فهي ابنة حمص عائلتها مؤلفة من امها وابيها. واخوتها التوأم واخوها الاصغر. كان اخوتها التوأم قد تطوعوا في الجيش. وعبر واسطة قبلوا في الجيش وفي أيام الثورة السورية اختلف الاخوة الضباط أحدهم مع الثورة السورية وحق الشعب بالمطالبة بحقوقه السياسية والاجتماعية وعلى كل المستويات. والآخر كان مع رؤية النظام عن المؤامرة والارهابيين واستهداف سوريا ونظامها المقاوم. سنتعرف ضمن السياق على حال الثورة السورية وتطورات الصراع بين النظام والثورة التي انتجت الجيش الحر. وسيلتقي الاخين في مواجهة بين النظام والجيش الحر الذي التحق به احد الاخوين ويقتل احد الاخوين الاخر ويجنّ اثر ذلك. ليس فقط هذا بل سيشارك الاخ الاصغر مع الثوار في ساحة الساعة في حمص. ويعتصمون وتهاجمهم قوات النظام وتقتل البعض وتعتقل البعض. ومنهم اخ انانا ويتم تسليمه لوالده بعد مقتله في المعتقل.
وضمن سياق الثورة توضح الرواية اتخاذ اهل السويداء موقف الحياد تجاه الثورة السورية. ضمن معادلة الحفاظ على الطائفة في ظروف قد تجعلها ضحية وهي غير قادرة على دفع الثمن. هكذا ترى الرواية. رغم أن تطورات واقع الحال في السويداء بعد سنوات عن صدور الرواية عام ٢٠١٨م. تقول غير ذلك…
نتحدث عن ذلك في التعقيب…
تتابع الرواية حكاية الفرس الأصيل في زمن سابق التي وصل صيتها لاحد اكبر الملاك في السويداء والذي قرر شراء الفرس بأي ثمن. ثم رفض صاحبها بيعها. وكيف سرقها ذلك الشخص بمساعدة آخر. وكيف لاحقه صاحبها الى بيته وكيف غدر به السارق وقتله. وكيف حزنت الفرس عليه وماتت بجواره. وتدور الأيام ويخرج طفلا يواجه القاتل بحقيقة فعله. وأنه يحمل روح المقتول صاحب الفرس. و كيف يتم شراء صمت الأهل عبر المال ويرحلوا بالطفل بعيدا عن القاتل تغطية على الحكاية…
وهناك مسار آخر تابعته الرواية. وهو اتفاق الأخوين بتزويج ابنة أحدهم من ابن الاخر منذ الولادة. ومتابعة ذلك حتى زوجوهم من بعضهما. لم تنجح المرأة بالإنجاب كانت تسقط حملها قبل اكتماله بحكم القرابة بينهما. هي دميمة وتفكر بأن تنجب لزوجها حتى لا يتزوج عليها ويتخلى عنها. لذلك تفكر ان تجامع آخر بالحرام لتنجب منه طفلا يحميها في حياتها. تتفق مع زوج انانا الانتهازي بعد أن سكنوا بجوارهم في السويداء بعد ان هربوا من واقع الحرب من حمص وبعد موت اخوتها. حصل الجماع وأنجب الطفل… لكن الطفل لم يعش لان شبكة من أطباء وممرضين اتفقوا مع طبيبة على قتل الطفل والاستئثار بالزوج لأجل ثروته. اما ثروته. فهي نتاج أموال كنوز اكتشفها في ارضه. هذه الكنوز كانت قد طمرت في الارض من ايام العثمانيين حيث اوقع بقافلة من حاملي أموال الدولة العثمانية وتم قتلهم وطمر المال ، حيث حصل عليه ذلك الزوج…
الطفل يموت وأمه تموت قبله أثناء الولادة. والطبيبة القاتلة ومن معها لا تعاقب فهي تحت حماية الاجهزة الامنية…
تدخل الرواية على القضية الفلسطينية من خلال العودة الى ايام الحرب مع الصهاينة قبل إعلان دولة الصهاينة ومعركة القسطل. والتداخل بين دروز فلسطين ولبنان والسويداء. ستكون ام سرجون من اصل فلسطيني.
ستتجول الرواية عبر روح سرجون تنتقل من زمان لزمان ومن حدث لحدث ومن طفل كانت ستعيش به لكنه قُتل . لتعود الى سرجون الذي يعود للحياة بعد الغيبوبة الطويلة. سنتعرف على حياة مديدة ومتنوعة عاشتها روح سرجون خارج جسده…
تنتهي الرواية عندما قررت انانا بعد ان استقرت وعائلتها في السويداء أن تلتقي بسرجون وتوضح له ما لم تخبره عنه في حياتها السابقة وإنها امه في جيل سابق. مع احتمال أن ينتصر حبها وسرجون وقد يتزوجا…
في التعقيب على الرواية اقول:
اعترف ان هذه الرواية الاولى التي اقرأها وفيها هذه الكثافة في الموضوعات المطروقة في ذات الوقت. كذلك طريقة الانتقال من مسار إلى مسار آخر مختلف في الحدث الروائي دون أي ضابط إلا ما يراه الكاتب. حيث تكتمل صورة الرواية وما تريد ايصاله اخيرا.
اعترف اني قرأت كتب عن الدروز. و روايات لكتاب منهم مروا على موضوع اعتقاداتهم ومنها التقمص. لكن ما يطرحه الكاتب هنا يبدو مختلفا. سواء في التنظير له ومحاولة إقناع ضمني للقارئ بصحة هذا الاعتقاد. وكذلك خلق حياة يندمج فيها عالم الروح المنفصل عن صاحبه مع عالم البشر المتوحدين مع أرواحهم. مع الترحال في الزمان والمكان كذلك داخل النفس البشرية. بحيث يظهر وكأنه لا شيء يمنع تلك الروح السائحة من ان تصل الى كل ما تريد…
في لحظة ما يود أحدنا أن يجرب حياة من هذا النوع هل حقا ممكنة…
كما أن الرواية تنتصر للثورة السورية. وتقدم مبرر ابتعاد الدروز عنها في السنوات الاولى. ولكن تدور الأيام وتصبح الثورة السورية حاضرة في السويداء في أنقى صورها بمطالبها الشعبية إسقاط الاستبداد بالأساليب السلمية وتحقيق بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل.
حصل ذلك عندما اكتشف الدروز كما كل السوريين منذ أكثر من عقد أن لا إمكانية للعيش بحده الادنى لقمة عيش وفرصة عمل وحرية وكرامة والحد الأدنى من الخدمات والمطالب الضرورية للحياة. دون ثورة في سورية، ناهيك عن المطالبة بكل استحقاقات الحياة من حياة افضل وفرص عيش مرفّه وكريم…لذلك التحق أهلنا في السويداء بالثورة السورية. لا حل لسورية غير ذلك.مازالت جذوة الثورة متقدة…
رواية “حكايات نجيع” للروائي السوري “ربيع فريد مرشد” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “أحمد العربي”