قراءة في رواية: فصول من سيرة صاحب الكرامة – (أبي صابر حامل الاسفار ومؤنس الزوار)

أحمد العربي

حسام سفان (حسام رشاد الأحمد) كاتب سوري متميز. حائز على كثير من  الجوائز على انتاجه الادبي، ينتمي للثورة السورية، قرأت له رواية خطوة واحدة فقط وكتبت عنها…

رواية: فصول من سيرة صاحب الكرامة (ابو صابر حامل الاسفار ومؤنس الزوار) للكاتب حسام سفان تعتمد السرد على لسان الراوي. كما أنها تخلط بين سرد الراوي ولغة المتكلم حسب السياق الروائي على لسان بعض شخصيات الرواية الكثيرين…

كما جاءت الرواية على شكل فصول مرقمة غير متسلسلة من البداية الى النهاية. فصول متداخلة بشكل عشوائي يعطي تصورا متكاملا بعد ذلك يوصل القارئ الى الحدث الروائي الذي يبدو من خلال فصوله المتعددة . بحيث تجعل القارئ يلتقط خيوط الحدث الروائي ويتابعه بترقب وشغف . خاصة وأن الرواية تعتمد الاثارة سواء بنوع أحداثها التي تتابعها. أو بما يظهر من تنوع سلوكيات شخصيات الرواية …

 الحدث العام واحد. وأهل قرية ام السعادين جميعا في قلب الحدث. ينعكس على كل منهم بشكل مختلف. فلكل منهما حياته وماضيه وطموحاته . كما يختلف الانطباع والتصرف بين الرجال والنساء وحسب الواقع الحياتي لكل منهم، كل على حدى…

زمان الحدث الروائي سبعينيات القرن الماضي. ومكانه قرية ام السعادين التي تقع قرب نهر الفرات و محاذية البوادي المجاورة له في الجزيرة السورية…

تبدأ الرواية من حدث مفصلي في قرية أم السعادين الا وهو اختفاء رئيس بلدية القرية. الذي افتقدته زوجته بداية حيث تعرفه بكل تفاصيل حياته بعد زواج دام لعشرات السنين. عاشوا فيها الحب ووهمه. الخلاف والاتفاق. كل ما مرّ عليهم ، تعايشهم وتقبلهم لبعضهم بعد هذا العمر المشترك. تفكر الزوجة باحتمال أن يكون زوجها قد ذهب إلى تلك المرأة الغريبة التي جاءت منذ سنوات مع زوجها. الذي كانت تزوجته خطيفة ليعيش معها حوالي الشهر ثم يتركها ويذهب باحثا عن عمل ولا يعود. تلك المرأة الجميلة التي ليس لها أحد. تخاف زوجة رئيس البلدية أن تخطف منها زوجها. لكن زوجها لم يكن عند تلك المرأة.  وصل الخبر لأهل البلدة الذين بدؤوا يبتدعون اسبابا على هواهم . كما وصل الى المجلس البلدي الذي سرعان ما اجتمع وبدأ يفكر بكيفية حل مشكلة غياب رئيس البلدية، وتحولت هذه المشكلة إلى جدول أعمال القرية وبلديتها وناسها. تم فتح تبرعات لصالح تجنيد الكثير من شباب القرية للبحث. ومن ثم تم تصفية صندوق التبرعات وسرقة محتواه من المجلس البلدي وتم تقرير فرض ضريبة على أهل القرية لأجل تمويل البحث عن رئيس البلدية المفقود. تكاثرت الأقاويل عن غيابه. اختلط فيها الحقيقي مع المتوهم مع الكثير من اختراعات أهل القرية وما تجود بها قريحتهم…

لا بد من التعريج على وجود قصر اثري قديم جدا مجاور لقرية ام السعادين. إلى درجة تسميتها أم القصر احيانا. قصر يمثل المخزون الخرافي والمتوهم والمدعى عنه. وأنه مبني من الجان ومنذ ملايين السنين ، لقد توسعت الرواية في التحدث عنه. ضمن سخرية مرة وكأنها تتناوله كبحث علمي تاريخي.

لكن لسنا متأكدين هل القصر موجود فعلا ام هو من اختراع خيال أهل القرية منذ القديم للآن.؟!!. لأنه يظهر ويختفي كل حين…

تطورت تفاعلات اختفاء رئيس البلدية وأهمها أن المجلس البلدي بدأ يفكر بشكل جماعي، وكل من اعضائه على حدى بضرورة اختيار رئيس بلدية جديد. لكي لا يحدث “فراغ في السلطة”. وكل من اعضاء البلدية يرى به الأهلية ليكون هو الرئيس الجديد. حصلت المنافسة. وحصل صراع الاستحواذ على المنصب.

على مستوى أهل القرية ظهر تيار يرفض أن يكون مصير قيادة شؤون القرية من اختصاص المجلس البلدي الذي يفكر كل من أعضائه بمصالحه الخاصة فقط. لذلك نشأ تيار شعبي بدأ يفكر بمن يكون الاكفأ لمصلحة اهل القرية وتوافقوا على أن ينتخبوا ويختاروا “الأخوين التوأمين” رجال الله الصالحين اللذين يحرسان مزار ابو صابر القريب من القرية والذي يلجأون إليه لحل مشاكلهم من أي نوع كانت…

ما هي قصة المزار و الأخوين التوأمين الصالحين ؟…

في زمان سابق لعقود كان هناك رجل يعمل بالتجارة الجوالة بين قرية واخرى وكان لديه مال كثير وبضاعة وكان ثريا ولديه ولد لم يتعلم من خصال والده. بل كان نموذجا للشاب المبذر الغير حريص. توفي الوالد الثري المجدّ. وبدأ ابنه بالتبذير بأموال والده. تزوج وأنجبت زوجته طفلين توأمين وسرعان ما ماتت زوجته. تزوج أخرى. وهي رعت الطفلين وكأنهما اولادها. ومات الأب ولم يترك لأولاده إلا البضاعة المتراكمة من زمن ابيه والحمار الذي كان يستخدمه في التنقل من قرية لاخرى يتاجر بما معه من بضائع متنوعة…

كبر الطفلين في الزريبة المتبقية من مال أبيهم مع الحمار و البضاعة المتراكمة تحت رعاية زوجة والدهم. جاء من نصحهما بعد أن أصبحا في سن الشباب بأن يستفيدوا من الحمار والبضاعة ويتاجرون بين القرى المتناثرة في الجوار. وضع الشابين بضاعتهم على الحمار وقادوه في رحلة الى قرية ام السعادين المجاورة. لكن سوء تدبيرهم. جعل الحمار يموت من الجوع. قرروا دفن الحمار لكي لا تهاجمهم الوحوش المفترسة على أثر رائحة جيفته. وضعوا على قبره شاهدة كتبوا عليها قبر أبو ضرار بعد تأنيب ضميرهم من موت الحمار جوعا. بقي أحدهم بجوار البضاعة. وذهب الآخر إلى قرية ام السعادين ليبيع بعض البضاعة ويؤمن له ولأخيه ما يؤمن لقمة عيشهم. وهكذا ومع مرور الايام اشتهر الإخوان انهما يسكنان بجوار مزار الولي أبو ضرار. حيث بنوا له مزارا وأصبحوا يستقبلون أصحاب الحاجات والمشاكل التي تحتاج إلى حل. وأصبح المزار منبع مال لأن الزيارة مأجورة وكذلك نوع الطلبات. وأصبح الأخوين من رجال الله الصالحين حراس المزار والقائمين عليه…

لكنهم ليسوا من اهل الكرامات لكنهم استثمروا ما حصل معهم وأصبحوا يعيشون حياتهم بالخفاء يمارسون كل الموبقات وبالعلن هم اتقياء انقياء..

هذين الأخوين هما الذين قرر أهل القرية المتمردين على المجلس البلدي وأعضائه الانتهازيين. ان يختاروا رئيسا للبلدية بديلا عن رئيس البلدية المختفي أو الطائر او الذي اختطفه الجان. أو الذي صعد الى السماء…

توجه اهل القرية الى المزار حيث يتواجد الأخوين حتى يدعوهما لكي يستلما أمانة رئاسة البلدية. وهناك وجدوهما وهما في حالة من السكر. استغرب البعض. و زاود البعض أن سكرهم من عمق ايمانهم. لكن الأخوين أدركوا أن طريقهما ينتهي هنا في هذه المنطقة ومن واستثمار مزار ابو ضرار. بعد أن كُشفت حقيقتهما، وقررا الهرب بما جمعاه من مال وجواهر ونفائس…

كان جمع أهل القرية  ينتظر قرارهم حول قبولهم رئاسة البلدية. وهم يحملون ما جنوه ويذهبون هاربين بعيدا…

قال أحد الاخوين للآخر وماذا عن مزار أبو ضرار.؟. يجيبه الآخر أي مزار؟. انه قبر الحمار الذي دفناه سوية…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

لا بد من التنويه على قوة السبك اللغوي للكاتب حسام سفان مع اقترانه بأسلوب السخرية المرّة. مع استخدام الخرافة والتاريخ والاسطورة والعمق الثقافي المعرفي للكاتب شعرا ونثرا. في خلط ممتع وناجح جعل الصياغة تزرع في نفس وعقل القارئ انبهار وافتتان…

هذا غير الرسائل الكثيرة التي أرادت رواية مكونة من ١٤٦ صفحة يعني قصيرة نسبيا، أن توصلها إلينا نحن القراء.

أجواء القرية السورية قبل نصف قرن و عالمها المغلق وانكفائها على ذاتها. وصغر مساحة العيش فيها. وعمق حضور الذات الإنسانية كل على حدى. كل يشكل كونا قائما بذاته ذكورا واناثا. ببساطته وهواجسه وغرائزه. أوهامه وآماله ومخاوفه وأحلامه. هو الانسان سيد الحياة وضحيتها كل الوقت…

سيطرة الموروث المجتمعي الاعتقادي الخليط من بقايا موروث ديني و تخلف و تفاوت اجتماعي وانعزال في بيئة شبه صحراوية. مع حاجة لوجود المعنى في الحياة والاجابة على تساؤلات الوجود والحياة مع غياب شبه كامل عمّا وصلت إليه الدنيا من تقدم علمي ومعلوماتي في فهم الكون والدنيا والحياة والإنسان …

لذلك كان طبيعيا أن يلتمس الإنسان حل مشاكله من مزار لا يبيعه إلا الوهم. وأن يستغل الآخرين من أبناء الجهل والسلطة واقع الحال يسيطروا على الناس ويستثمرونهم بجهلهم وتخلفهم واحتياجاتهم…

كما لا تخفى الرسالة السياسية التي تقدمها الرواية. فمن هو رئيس البلدية. إنه رأس استغلال حاجات الناس ليثرى من خلال استغلال هذه الحاجات. وحتى مجلسه البلدي الذي يقوم بنفس الدور. ومن خلفهم الشرطة التي تنتظر حصتها لتأتيها دون تعب. وخلفهم دولة ، هم في القرية نموذج صغير عنها…

يقول أحد المزايدين في حمأة اختيار رئيس جديد للبلدية لأحد مرشحيها: “سيدي انت نجم  ورؤساء البلديات كواكب” . يذكرنا ذلك بأحدهم من مجلس الشعب في بلادنا للأسد الابن في إحدى الجلسات.” سيدي انت تصلح رئيسا للعالم وليس لسوريا فقط”…

نعم مجالس الأغنام والمصالح الضيقة والشعوب الضحايا…

لن نغوص كثيرا في الأبعاد السياسية المستنتجة من الرواية. لكن رسالة الرواية الأساسية برأيي أن البنية المجتمعية الاميّة ، مع السياسية المستبدة والظالمة من قبل النظام بحق الشعب، جعلت واقعها على أسوأ مايكون. مفتقدة للحرية وحس الكرامة وغياب العدالة وانعدام الديمقراطية. جعلها تنتفض لتصنع ثورتها في ربيع عام ٢٠١١م ، وتدخل سورية وشعبها بعد ذلك في عصر جديد مازال مخاض تشكله مستمرا…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “فصول من سيرة صاحب الكرامة” – (أبي صابر حامل الاسفار ومؤنس الزوار) للروائي والكاتب السوري “حسام سفان” (حسام رشاد الأحمد) الرواية على شكل فصول مرقمة غير متسلسلة من البداية الى النهاية، معتمدة الاثارة سواء بنوع أحداثها التي تتابعها. أو بما يظهر من تنوع سلوكيات شخصيات الرواية.

زر الذهاب إلى الأعلى