عملت ميليشيا “حزب الله” التي يبلغ قوامها 30,000 عنصر على حشد قوات برية على طول الحدود مع إسرائيل، الأمر الذي منع الإسرائيليين الذين تم إجلاؤهم من العودة إلى ديارهم، مما زاد من خطر اندلاع حرب يفضل الجانبان تأجيلها في الوقت الحالي.
بعد مرور ما يقرب من عشرة أشهر من الهجمات المستمرة بالصواريخ والطائرات بدون طيار عبر الحدود بين إسرائيل ولبنان، تقف إسرائيل و”حزب الله” على حافة حرب واسعة النطاق للمرة الأولى منذ عام 2006. لكن التهديد الأكبر من الترسانة الصاروخية لـ “حزب الله” هو احتمال قيام الحزب بتوغل بري داخل إسرائيل على غرار ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
لقد كانت الأزمة الحالية نتاج ما يقوله المسؤولون الإسرائيليون بأنه هجوم صاروخي شنه “حزب الله” (على هضبة الجولان) أدى إلى مقتل 12 شاباً درزياً إسرائيلياً. فمنذ اليوم الذي أعقب المجزرة التي ارتكبتها “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ظل “حزب الله” يطلق الصواريخ على إسرائيل بشكل شبه يومي. وبينما استخدمت غالبية الضربات صواريخ موجهة مضادة للدبابات، استخدم الحزب أيضاً ذخائر أطول مدى وأكثر قوة زودتها إيران. وكان هذا هو الحال على ما يبدو في 27 تموز/يوليو، عندما اتُهم “حزب الله” بإطلاق صاروخ إيراني من طراز “فلق-1” نحو هضبة الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل أدى إلى ضرب ملعب لكرة قدم وساحة ألعاب في بلدة مجدل شمس الدرزية. (وعلى الرغم من إصدار إسرائيل بيانات حول الصاروخ ومساره الذي تربطه بـ “حزب الله”، إلّا أن الحزب أصدر نفياً نادراً عن مسؤوليته عن الهجوم).
وبعد ثلاثة أيام من ذلك الحادث، اغتيل القائد العسكري لـ”حزب الله” فؤاد شكر في غارة جوية إسرائيلية في بيروت. وفي اليوم التالي، أدى انفجار نُسب على نطاق واسع إلى إسرائيل إلى مقتل زعيم “حماس” إسماعيل هنية في دار ضيافة في طهران. وتعيش المنطقة الآن حالة ترقب وانتظار ردود أفعال انتقامية من إيران و”حزب الله” وربما جماعات أخرى تعمل بالوكالة عن إيران، مما يعرّضها لخطر التصعيد ونشوب حرب أوسع نطاقاً.
ومع ذلك، هناك أمل في وقف التصعيد. فالعوامل التي منعت “حزب الله” من فتح جبهة ثانية شاملة ضد إسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر لا تزال قائمة. ولا يزال لبنان يعاني من أزمة اقتصادية (وسياسية) مدمرة، ومعظم مواطنيه لا يريدون أن يجر “حزب الله” البلاد إلى حرب من المحتمل أن تكون مدمرة للغاية. وبينما يسرّ إيران القتال حتى آخر وكيل عربي، فإن قادتها لا يريدون أن تنتقل الحرب إلى حدودهم.
لكن من السابق لأوانه الاعتماد على الشخصيات الأكثر عقلانية. فزعيم “حزب الله” حسن نصر الله تعهد بمواصلة إطلاق الصواريخ على إسرائيل إلى حين توقف القتال في غزة. وحتى إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتوقف إطلاق الصواريخ، إلّا أن أكثر من 60 ألف مدني إسرائيلي كانوا قد نزحوا من منازلهم على طول الحدود مع لبنان لن يعودوا إلى ديارهم إلا بعد القضاء على التهديد الذي تشكله القوات البرية لـ “حزب الله”. وأوضحت زيارتي الأخيرة إلى حدود إسرائيل الشمالية التي تم إخلاؤها مدى خوف سكان المنطقة من حدوث هجوم على غرار ذلك الذي وقع في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وعدم ثقتهم في الضمانات الأمنية التي يقدمها قادتهم، وسيقاومون العودة إلى منازلهم دون الحصول على إجابة أكثر إقناعاً على التهديد.
ولديهم سبب وجيه للقلق. فقد توافقت مجزرة “حماس” مباشرةً مع قواعد اللعبة الخاصة بـ”حزب الله”. فالجيش الإسرائيلي يتدرب بنشاط منذ سنوات لمواجهة خطة “حزب الله” لاجتياح المجتمعات الإسرائيلية، وقتل المدنيين واختطافهم، وتقويض شعور إسرائيل بالأمان. أما الجزء الذي لم يكن متوقعاً في السابع من تشرين الأول/أكتوبر فهو وقوع الهجوم على الحدود الجنوبية وليس الشمالية. بالإضافة إلى ذلك، بعد حرب “حزب الله” مع إسرائيل عام 2006، بنى الحزب ترسانة مؤلفة من حوالي 150,000 صاروخ، ونشر قواته في جميع أنحاء جنوب لبنان، وانتهك قرار مجلس الأمن الدولي الذي يهدف إلى تفادي المزيد من النزاعات.
وقد بدأ الإسرائيليون الذين نزحوا من شمال البلاد يدركون إلى أي مدى كانوا على وشك الوقوع في كارثة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. فبينما كان إرهابيو “حماس” يتدفقون عبر الحدود الجنوبية في ذلك اليوم، لم تكن هناك سوى كتيبتين إسرائيليتين قوامهما حوالي 600 فرد تغطيان الحدود الشمالية بأكملها. أما اليوم فتدافع حوالي 40 كتيبة عن تلك الحدود، ولكن من الصعب الإبقاء على مثل هذا الانتشار على المدى الطويل.
ويتعرض المسؤولون الإسرائيليون لضغوط هائلة لإعادة مواطنيهم إلى الأراضي ذات السيادة التي أخلاها “حزب الله” فعلياً لأغلب العام. وقد أفادوا أنه إذا لم يوافق “حزب الله” على الانسحاب من الحدود، ستقوم إسرائيل بطرده منها بالقوة.
وركزت الجهود الدبلوماسية الأمريكية على دفع “حزب الله” إلى سحب جميع قواته إلى مسافة 10 كيلومترات على الأقل من الحدود. وهذا من شأنه أن يضع معظم صواريخه خارج مداها ويقلل إلى حد كبير من احتمال شن هجوم مفاجئ على غرار 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ويدعو البعض داخل الجيش الإسرائيلي إلى تحييد التهديد المتمثل بـ”حزب الله” حالياً، بينما تتمركز حصة صغيرة نسبياً من قوات الحزب الضخمة على الحدود، وتنتشر القوات الإسرائيلية بالكامل في شمال البلاد، وتم تهجير المدنيين أساساً من المنطقة. ولكن معظم المسؤولين الإسرائيليين يدركون أن الحرب اليوم مع “حزب الله” لن تكون مثل أي حرب خاضتها إسرائيل من قبل. وهم يفضلون إنهاء الحرب الحالية، وإرسال جنود الاحتياط المنهكين إلى منازلهم، والسماح للعائلات النازحة بمغادرة غرف الفنادق التي عاشوا فيها لعدة أشهر، وتكريس بضع سنوات لإعادة تخزين الذخائر والتخطيط لحرب مع “حزب الله”. ولكن إذا لم يتمكن المدنيون الإسرائيليون من العودة إلى منازلهم قريباً، فقد تقع الحرب في وقت أقرب بكثير مما يأملون.
ويتفق الإسرائيليون، عبر مختلف أنحاء البلاد وطيفها السياسي، على أنه لم يعُد بوسعهم العيش بعد الآن تحت تهديد السلاح، لا من الجنوب ولا من الشمال. ففكرة السماح لأعداء أقسموا على تدميرهم بتكديس ترسانات ضخمة من الأسلحة على حدودهم لم تعد مقبولة. ويعني ذلك أن إسرائيل ستضطر في النهاية إلى التصدي لكل من مخزون صواريخ “حزب الله” وميليشياته التي يبلغ قوامها 30,000 عنصر. ومن المرجح أن يجر الخيار الأخير إسرائيل إلى حرب لا يريدها معظم الإسرائيليين واللبنانيين.
ماثيو ليفيت هو “زميل فرومر-ويكسلر الأقدم” ومدير “برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن ومنشئ البودكاست «كسر القاعدة الذهبية لـ “حزب الله”». وقد نُشرت هذه المقالة في الأصل على موقع “لوس أنجلوس تايمز”.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
أذرع ملالي طهران تسير ضمن أجندة رأس الأفعى بطهران، الذي يستخدم الأحداث لخدمة أجندته بإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية، لذلك سلاح حزب الله اللبناني هي قوة ردع ضد اللبنانيين لتنفيذ أجندة طهران، وليس لمحاربة إSرائيل وتحرير القدس،