قراءة في كتاب: روجآفا سقوط الخديعة ٣/

أحمد العربي

عن دار نرد للنشر والتوزيع صدر كتاب روجآفا سقوط الخديعة – قراءة في محطات السقوط…

الكاتب حسين جلبي كردي سوري ينتمي للثورة السورية. له العديد من الكتابات التي تتعلق بحالة الأكراد السوريين في سورية وتطور أوضاعهم. يكاد يكون مرجعا في ذلك…

قرأت له سابقا كتابه المؤسس : روجآفا خديعة الاسد الكبرى. كما قرأت له حديثا كتابه أكراد في السجون الكردية ، و رواية العبور من الجحيم، وكتبت عنهم كلهم…

كتاب حسين جلبي الجديد: روجآفا سقوط الخديعة – قراءة في محطات السقوط ، يعتبر بمثابة الجزء الثاني المكمل لكتاب روجآفا خديعة الاسد الكبرى. وهو يتابع تدوين واقع ومآلات روجآفا في عشر سنوات من بداية الثورة السورية التي حصلت في ربيع عام ٢٠١١م…

سنعتمد في قراءتنا للكتاب على تناوله كما طرحه الكاتب حسين جلبي بتركيز شديد. وننهي القراءة بتعقيب نطرح به وجهة نظرنا…

الفصل الأول : ضرب الحاضنة الخاصة واستنزافها.

لابد لنا أن نبدأ من واقع حال الشعب السوري عموما صبيحة الربيع السوري ربيع ٢٠١١م. ووقوعه ضحية الاستبداد والاستغلال والقهر والمحسوبية والتسلط لعقود بدءا من عهد الاسد الاب واستمرار ذلك في عهد الابن…

زيادة على ذلك يعاني الأكراد السوريين من عدم اعتراف بهويتهم القومية الكردية مجتمعيا وثقافيا ولغويا. مع مظلومية طالت المحرومين من الجنسية وكانوا مثل بقية السوريين ممنوعين من النشاط السياسي والتحزب. كانت لهم أحزاب سريّة معارضة مطاردة ومعتقل بعض ناشطيها…

لقد كان الأسد الأب سياسة معتمدة تجاه الأكراد السوريين. فقد تعامل معهم على انهم مهجرين من تركيا. وعمل لخلق تنظيم سياسي عسكري جند به الكرد السوريين ليكونوا اداته في الصراع مع تركيا في لعبة التضارب بالمصالح. لذلك رعى تشكيل حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك بقيادة عبد الله اوجلان في ثمانينات القرن الماضي. وخلق له معسكرات ومناطق تدريب ومده بالسلاح والمال ومن ثم استخدمه في عمليات إرهابية في تركيا. واستمر ذلك الى نهاية الألفية الثانية حيث هددت تركيا باجتياح سورية. مما أدى لترحيل أوجلان من سورية وتسليمه لتركيا. وطرد كوادر الحزب خارج سورية حيث استقرت في جبال قنديل…

وما أن بدأت الثورة السورية عام ٢٠١١م . حتى أعاد النظام السوري الاعتبار لكوادر حزب العمال الكردستاني ب ك ك واستدعاهم من جبال قنديل ليكونوا أدواته التي يستخدمها في مناطق التواجد الكردي ضد ثورة الأكراد السوريين في مناطقهم…

تحرك الشباب الكردي السوري بخلفية المظلومية القومية والمجتمعية وتصدر الحراك الكثير من المثقفين والنشطاء وكذلك كوادر الكثير من الأحزاب الكردية المعارضة للنظام السوري. والتي التحقت بالشعب و ناصرت الثورة السورية. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د  بقيادة صالح مسلم  كان امتدادا لخط أوجلان وحزب ال ب ك ك في سورية فقد كان الاداة المباشرة التي اعتمدها النظام لضرب ثورة الاكراد السوريين في مناطقهم…

لقد اعتمد النظام السوري على العنف المسلح بكل الوسائل في كل سورية لمحاربة الثوار و حاضنتهم الاجتماعية. وعندما توسعت الثورة السورية. قرر النظام السوري تسليم مناطق الأكراد السوريين الثائرين المطالبين بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. وانصاف المكون الكردي السوري. لذلك سلم زمام السيطرة على المناطق الكردية السورية لحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك. والاثنان واحد في البنية الفكرية والتنظيمية والأدوار الممارسة على الأرض…

سرعان ما ظهر مقاتلي الحزبين ال ب ك ك ، وال  ب ي د، في المناطق الكردية السورية بعمل مسلح تحت نظر النظام ورضاه والتنسيق معه وسيطروا على تلك المناطق تحت دعوى أنهم حرروا مناطقهم من سيطرة النظام وأطلقوا على الكيان الذي أعلنوه روجآفا. الغرب الكردي. واسسوا به ثلاث كانتونات – مقاطعات الجزيرة وعفرين وعين العرب – كوباني…

كان لا بد من تشكيل قوة عسكرية كبيرة تستطيع ان تقوم بدور شبه دولة يقوم بها حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د وخلفه ب ك ك. لذلك اعتمد على التجنيد الإجباري للأكراد. واعتمد على خطف الأطفال من الإناث والذكور دون ١٨ سنة والحقهم بقواته العسكرية. رغما عن عائلاتهم . وهذا انعكس على عدم استمرار العملية التعليمية. والأسوأ من ذلك. كان زرع أفكار زعيم الحزب عبدالله أوجلان و صوره وتماثيله ومقولاته وتعميمه إلى درجة العبادة. وتم خلق عقلية منتمية لحزب ب ك ك وحزب ب ي د بديلا عن الولاء القومي الكردي والوطني السوري. وخلق نمط تعليمي غير معترف به دوليا. بحيث تم خلق جيل امّي. وانعكس ذلك على الشباب الأكراد بالهروب الى اقليم كردستان العراق او خارج سورية. هروبا من الموت الذي ينتظرهم في معارك روجآفا وقواتها المسلحة…

كما عملت اجهزة روجآفا على الاستنزاف المادي للأكراد السوريين في مناطقهم. سواء بالضرائب المبتدعة. والتبرعات الملزمة. ومقاسمة الناس أرزاقهم ومنتجاتهم. بحيث راكم المسؤولين الأموال الطائلة…

كل ذلك انعكس مجتمعيا على خلق بنية نفسية وسلوكية صراعية بين الأكراد أنفسهم الذين وجدوا أنفسهم ضحية أبناء جلدتهم ال ب ي د، وال ب ك ك يستنزفونهم و يستغلونهم ويسرقون منهم أبناءهم  و يسوقونهم مقاتلين إلى الموت وهم اطفال…

الفصل الثاني : الانشغال بقمع الكرد عن الأخطار المحدقة بالمنطقة.

يركز حسين جلبي في هذا الفصل على واقع ممارسة حكّام روجآفا حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك، وحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د على تثبيت سلطتهم والتوسع في بنيتهم العسكرية وقهر الناس وقواهم السياسية والمجتمعية وجعلهم أدوات منفذة للمطلوب منهم من قبل المسؤولين تحت القمع والتهديد والاعتقال والقتل أحيانا…

حيث اعتمدت على خطف الاطفال للتجنيد في قواتهم العسكرية. وعدم الاستجابة لمطالب الناس وذوي الأطفال والحاقهم بالكتائب المقاتلة على جبهات صراع روجآفا المتنوعة…

ويؤكد على نشر افكار اوجلان وتعليمها وتحويلها لنموذج يجب أن يتبع. وكذلك فرض الاتاوات والاستغلال المالي للناس في كل أعمالها ومصالحها…

ولكي يمنع مسؤولي روجآفا اي شكل من أشكال المعارضة فقد اعتمدوا على خطف واعتقال الناشطين الكرد المختلفين معهم والاعتداء عليهم في كثير من الأحيان…

كذلك اعتمد مسؤولي روجآفا على محاربة مكونات الأحزاب السياسية المعارضة التي انضوت تحت مسمى المجلس الوطني الكردي. اعتقلت الكثير من قياداتهم. وأغلقت مكاتبها و أحرقت بعضها. ومنعتها من النشاط العلني مما دفعها للعودة إلى العمل السري…

كذلك عمل مسؤولي ال ب ك ك . وال ب ي د على محاربة أي نشاط مجتمعي ذي طابع قومي كردي مثل عيد النوروز حيث منعت فعالياته بكل الوسائل وعدم تعليم اللغة الكردية في المدارس .…

الفصل الثالث : عدم الاعتراف بإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي ومخرجاتها.

بداية لا بد من التنويه أن استدعاء النظام السوري  لكوادر حزب العمال الكردستاني الـ ب ك ك من قنديل وإعطاء سلطة الأمر الواقع الإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د في المناطق الكردية السورية. لم يأخذ صفة الشرعية العلنية بالرضى عنهم من قبل النظام السوري. وهم ادعوا بالبداية أنهم جاؤوا مع الثورة وحرروا مناطق الأكراد في سورية من سيطرة النظام. رغم أن واقع الحال ان النظام مازال موجود بالمراكز الأمنية والسيادية في مراكز المدن حيث هو دون أن يقترب منه أي طرف معادي. وان التنسيق كان بين ال ب ي د وإدارته الذاتية مع النظام كل الوقت وعلى كل المستويات…

لم يتقبل الاكراد السوريين في مناطق سيطرة الادارة الذاتية لل ب ي د واقع هذه السلطة مع ما صاحبها من اعتداءات على القوى السياسية وخطف الأطفال وسوقهم للتجنيد بالقوة. كذلك الضرائب والنهب الاقتصادي. والادلجة لحزب العمال الكردستاني وزعيمه اوجلان. كل ذلك جعل بين الاكراد والادارة الذاتية روجآفا عداء مبطن ومعلن احيانا…

كذلك لا بد من المرور على واقع الموقف الصراعي العدائي بين ال ب ك ك ، وحزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د من اقليم كردستان العراق. حيث يمثلان توجهات سياسية مختلفة متناقضة منذ عقود. وهذا انعكس على الاكراد السوريين الذين كانوا ضحية منع سفر او احتجاز او مساءلة حول علاقتهم مع حكام اقليم كردستان العراق. وكانوا يغلقون الجسر النهري على دجلة الواصل بين الاقليم والمناطق السورية. ورغم مساعدة اقليم كردستان الأكراد السوريين الهاربين من ظلم النظام وظلم ال ب ي د ، واستقرارهم في مخيمات عديدة في الإقليم. دعم الاقليم لهم ومساعدتهم اغاثيا…

كذلك تم منع مجئ قوات البشمركة الكردية السورية التي بنيت لتكون بمثابة الجيش الحر الكردي في الثورة السورية. تم منعهم. وطردهم ان جاؤوا. وهكذا استفرد حزب ال ب ي د وال ب ك ك بالواقع الكردي السوري سياسيا وعسكريا وعلى كل المستويات…

كذلك تحدث حسين جلبي عن محاولة حزب الاتحاد الديمقراطي أن يلعب لعبة المعارضة وان يحاول الالتحاق بمؤسساتها الرسمية مثل الائتلاف. لكنهم رفضوا قبوله واخبروه انهم من أدوات النظام. ثم التحقوا بمعارضة الداخل واصبحوا جزء منه. مع ما يكتنف معارضة الداخل من إشارات استفهام كثيرة. عن حقيقة دورها ودرجة مصداقيتها…

لقد كانت عقدة حزب الاتحاد الديمقراطي ب ي د وخلفه ال ب ك ك. هو عدم حصوله على اعتراف من طرف دولي او اقليمي ليحصل على مشروعية سلطته التي تمددت على مناطق التواجد الكردي السوري. التي قسمها الى ثلاث كانتونات. عفرين وعين العرب – كوباني والجزيرة… واستمر يستثمر الدور الذي رسمه له النظام السوري. ثم بعد ذلك التحالف الدولي ضد داعش…

الفصل الرابع: نهاية تنظيم داعش.

  للحديث عن داعش لا بد من العودة إلى ماقبل الثورة السورية. حيث كان النظام السوري قد اعتقل الكثير من تنظيم القاعدة. بعد عودتهم من أفغانستان والعراق قبل وبعد والاحتلال الأمريكي له عام ٢٠٠٣م. وكيف اخترقهم النظام السوري داخل سجونه معتقلاته. حيث اطلق سراحهم في الأشهر الأولى من الثورة السورية ليشكلوا تنظيمات إسلامية جهادية. منها القاعدة والنصرة وبعد ذلك ولد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش. الذي كان له دور كبير في مسار الثورة السورية…

كان لتطور الصراع المسلح بين النظام السوري والجيش الحر في السنوات الاولى انهزام للنظام في اغلب مناطق سورية وأصبح سقوط النظام وشيكا رغم حضور الميليشيات الطائفية حزب الله وغيره وايران على الأرض ولم يعتدل ميزان الصراع بين النظام والمعارضة المسلحة الا بحضور القصف الروسي الذي تعامل مع سورية وشعبها كأرض محروقة…

كانت المناطق الكردية السورية في حالة استقرار تحت العنف العاري لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د في جميع المناطق الكردية السورية. لكن داعش الذي أطلقها النظام من سجونه واصبحت تعتمد الأعمال الاجرامية بطريقة استعراضية متوحشة. واستطاعت ان تتواجد وتتمدد بسرعة قياسية داخل العراق وسورية. تميزت بعنفها وانها لم تحارب النظام في سورية بل حاربت قوى الثورة السورية وبدأت تتمدد على كامل الجغرافيا السورية. ووصلت بتوسعها الى منطقة كوباني – عين العرب. حيث قررت أمريكا وحلفاؤها التدخل لمحاربة داعش. وأعلنت ما اسمته تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش. وكانت قوات روجآفا ال ب ي د . هي القوات المهيأة لتقوم بالدور عسكريا على الأرض ضد داعش. وهكذا أصبحت ال ب ي د معتمدة من امريكا. تدعمها بالسلاح والمال لتحارب داعش. وهكذا استطاعت قوات ال ب ي د هزيمة داعش بمساعدة التحالف الدولي …

لقد كان للدور الذي أنيط بال ب ي د لمحاربة داعش حتى القضاء على آخر معاقلها في الباغوز. شكل ذلك أملا لدى قياداته أن ينتقل من تحت الوصاية السورية إلى الوصاية الأمريكية. بحيث يستطيعوا أن يحققوا حلم إقليم كردي سوري. لكن الأمريكيين كانوا واضحين بأنهم لا يرون بحزب الاتحاد الديمقراطي ال ب ي د الا قوة عسكرية تقوم بمهمة قتالية على الأرض. لكن ذلك لم يأتي هكذا مباشرة بل بتدرج وعبر تلاعب وتسويف اقترن مع الادارات الامريكية المتعاقبة التي استمرت تستثمر بال ب ي د كل الوقت…

انتهى الأمر بحزب الاتحاد الديمقراطي الـ ب ي د فرع حزب العمال الكردستاني في سورية  في متابعة شأن داعش.  حيث تم بناء مخيم الهول الذي يحتجز به مقاتلي داعش وعائلاتهم.  برعاية امريكية…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى