كثيرا ما يستخدم تعبير ” الحفاظ على الاستقرار ” في اللغة الديبلوماسية كتعبير يوحي بالسلام والطمأنينة والأمن، لكن الحال ليس كذلك بالنسبة لسورية، فأخطر ما تواجهه سورية اليوم هو استقرار الوضع القائم.
وضع لا يحتمله أي شعب في هذا العالم، في الداخل الذي يسيطر عليه النظام أصبح أكثر من 85% من الشعب تحت خط الفقر، وعجلة الاقتصاد شبه متوقفة، الفساد والفوضى وافتقاد القانون في كل مناحي الحياة، لا أمل للجيل الجديد سوى بالهجرة خارج سورية، وفوق ذلك كله يجثم الكابوس الأمني كوحش من خارج التاريخ فوق الجميع .
حتى نافذة الهجرة تكاد تغلق , لم تعد البحار تستقبل المغامرين الذينن يتحدون أقدراهم بالبحث عن حياة خارج سورية بين أشباح الموتى الذين ابتلعهم البحر , انتفضت أوربة ضد ماتبقى من نوافذ ضيقة يتسرب منها هؤلاء التعساء وأقامت حواجز الموت لمن لايبتلعه البحر . لا أحد يريد أن يرى السوريين على البر الأوربي حتى لو كلف ذلك تغيير قوانين اللجوء التي أنتجتها الحضارة الانسانية في ردها على فظاعات الحرب العالمية الثانية .
لا أحد …ولا عتب على الغريب حين يقفل القريب الأبواب والنوافذ , ويعامل السوري كطريد للعدالة أو كعبد آبق .
ومن تحمل السوريين كمهاجرين باعتباره هو من الأنصار ضاق ذرعا وأصبح السوري بالنسبة إليه مسؤولا عن أية مصيبة ربما ماعدا الزلازل والبراكين .
أربعة ملايين في تركيا تعيش في خوف وهي إن أمنت يومها فلاتأمن الغد , وثلاثة ملايين في الشمال السوري وادلب لايكاد يرتاحون من قصف المدافع والطائرات هنا وهناك حتى تطلع عليهم مخاطر التطبيع بين تركيا والنظام الذي ينظر إليهم إما كإرهابيين أو كبيئة تحتضن الارهاب في أفضل الأحوال .
فأين يذهبون إن سارت قافلة التطبيع ؟ قسد والنظام من ورائهم والجدار الأمني التركي المحمي جيدا أمامهم , فحالهم كحال جيش طارق بن زياد حين أغرقت السفن التي أقلته للبرالاسباني .
المهاجرون الأفضل حالا في أوربة يعيشون أيضا في أصعب الظروف وتتهددهم النزعات العنصرية عميقة الجذور بل بدأت بعض الحكومات الأوربية حملات لإعادة تقييم الأوضاع في سورية وإلغاء إقامة اللاجئين السوريين باعتبار أن الأوضاع مستقرة ضمن ذلك الجزء من سورية الذي هاجر منه السوري حتى لو كان مدينة صغيرة تحتل الميليشيات الأجنبية محيطها بالكامل .
لا أمل حتى في بعض الانفراج الذي توقعه البعض باعتبار أن الحرب انتهت ليكتشف الجميع أنهم عاشوا أيام الحرب أفضل من أيام “السلم” الحالي.
حاربت أوربة في الحرب العالمية من العام 1939 وحتى 1945 وبعد الحرب نسي الجميع ماكان وانصرفوا نحو البناء أما سورية فيراد لها الحياة في أجواء حرب لا نهاية لها فأي استقرار هذا ؟
تسير الولايات المتحدة على خطين متوازيين في سياستها السورية , فهي من جهة تظهر التعاطف مع محنة الشعب السوري واستنكار ممارسات النظام بل والاستعداد لفرض العقوبات عليه وتشديدها بين الحين والآخر .
وهي من جهة أخرى تعمل لإدامة التوازنات ” الستاتيكو ” الحالي الذي يبقي سورية ممزقة ويبقي النظام ولكن ضعيفا غير قادر على تغيير تلك التوازنات .
وعلى خطا السياسة الأمريكية تسير السياسة الأوربية مع هامش محدود لايصنع فارقا يذكر .
في المقلب الآخر فايران مرتاحة لاستقرار الوضع , فاستقراره يتيح لها استكمال مشروعها في سورية بهدوء .
روسيا أيضا مرتاحة لاستقرار الستاتيكو السوري ربما مع تعديلات طفيفة .
أما تركيا فرغم كونها غير مرتاحة لكن سياستها تبدو مترددة وهي تنظر في عيون الولايات المتحدة قائدتها في حلف الناتو وروسيا عدوها التاريخي القوي الذي أصبحت أسيرة علاقاتها الجديدة معه، وهي العلاقات التي توازن بها تركيا علاقاتها مع الغرب.
تركيا غير مرتاحة للستاتيكو السوري لكنها حذرة جدا وتريد ضمان موافقة كل من الولايات المتحدة وروسيا على أية خطوة لها لتغيير ذلك الستاتيكو , وهكذا انتهى بها الأمر للدخول من بوابة النظام السوري بهدوء لكن تلك البوابة مازالت مغلقة أمامها .
استقرار مميت سوف يطيح استمراره بما تبقى من سورية ولا يبقي للسوريين من أمل.
ماذا بقي؟ بقي أن تتحد إرادة السوريين في لحظة الخطر الكبير وينتفضوا على عوامل التمزق كيلا يخرجوا من التاريخ.
أين ” الحفاظ على الاستقرار ” مع ميرة التطبيع بين أنقرة ودمشق، هل هناك إستقرار بوضع شعبنا بمناطق النزوح بالشمال السوري؟ أين الإسنقرار لوضع شعبنا اللاجئ بتركيا؟ هل هناك إستقرار يتطلب تحقيقه من خلال تطبيع النظامين؟ إنها الكذبة لتبرير أجندة ومصالح الأنظمة بالبلدين والراعي الروسي فقط.