من الظواهر التي تستدعي الانتباه والوقوف أمامها كثيرًا ظاهرة كتابة المذكرات، التي تملأ رفوف المكتبات وتحتل مساحات من أرصفة الشوارع وأحيانًا أركان المقاهي.
جولة سريعة أو كشف ظاهري على المعروض عند بائعي الصحف أو في المكتبات، تجد مئات المؤلفات التي تحمل عناوين مذكرات، بعضها لقادة سابقين وسياسيين، وكثير منها لمشاهير في الفن والرياضة، بالإضافة إلى شخصياتٍ لم تسمع عنها من قبل، لكنها قررت أن تكتب عن نفسها أو مولت من يكتب عنها، دون تمييز بينها وبين الذكريات أو حكايات قبل النوم والشهادة في المحكمة.
أمام السيل الجارف من المطبوعات والمصفوف بعناية على رفوف المكتبات أو أرصفة الشوارع بشكل مثير وخاطف للعين، لا بد أن يتبادر للذهن سؤال مشروع حول المادة التي تحتويها هذه المذكرات أو القيمة التي تضفيها هذه المذكرات لذاكرة الوطن والمواطن. وذلك بعد وضعها تحت مجهر قواعد التحليل والبحث والتدقيق والتوثيق للوصول إلى الحد الفاصل بين المذكرات والذكريات، خاصة وأن المسافة بين المذكرات والذكريات بعيدة كبعد السماء عن الأرض.
الملفت للنظر أن كاتب المذكرات أو الذكريات أو راوي الحكاية لابد أن يكون دوره في النهاية دور البطل وما عدا ذلك من شخصيات تكون مجرد خدمات معاونة أو كومبارس في عرضه التاريخي.
على سبيل المثال، تجد مئات أو آلاف المؤلفات التي كتبت عن ثورة يوليو 1952، بعضها كتبه قادة مجلس الثورة، وبعضها آخر كتبه مؤلفون وكتاب ومؤرخون لم يعاصروها، والبعض الآخر لم يكن من المقربين أو لم يجلس كمحاضر لتدريس مادة التاريخ. نموذج ذلك ثلاث مذكرات عن ثورة يوليو كتبها اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر، وسمح بنشرها في عهد الرئيس السادات. وكل كتاب من الثلاثة يحتوي على مادة مختلفة ومتناقضة مع بعضها البعض، الأمر الذي أصاب المواطن بالشك والبلبلة حول الثورة ومنجزاتها.
نفس الأمر تكرر في عصر الرئيس مبارك، حيث سمح بالنشر لعدد من الشخصيات السياسية لكتابة مذكراتهم عن عصر السادات، وأفرزت المطابع مئات المذكرات استخدمت فيها كل أدوات الجراحة، وانقسم القراء ما بين مؤيدين ورافضين وكافرين بالتجربة.
وكانت النتيجة فقدان القارئ للثقة فيما نُشر وكتب، ويرجع ذلك لعدة أسباب..
منها افتقار تراثنا لهذا النوع من الكتابة، أو بسبب الواقع الاجتماعي الذي يحول دون ازدهارها بسبب طبيعة هذه الكتابة التي تستلزم البوح الصريح إلى حد كبير وتجاوز الكثير من التابوهات، الأمر الذي يمثل عامل ضغط على عصب البوح والفضفضة خوفًا من آثار ما يكتبه على أسرته في ما بعد. لذلك، ليس غريبًا ولا مدهشًا أن تجد في أغلب كتب السيرة العربية قوائم وتواريخ تحيل السيرة إلى سجل حكومي وتاريخي للأحداث دون أن يتعمق كاتب السيرة في جوانب تحليلية للأحداث أو يقدم تفسيراته الذاتية وموقفه مما يجري. فتتحول السيرة إلى تقرير وظيفي عن حياة خارجية ممتدة أفقيًا دون الغوص في عمق نفسي أو اجتماعي، ويغلب الوصف السطحي والإطراء المجاني على الأفق الشخصي والقناعات الفكرية والهواجس والمخاوف. وكأننا أمام تقرير إخباري عن شخصية أخرى غير الكاتب الذي نتوق لمعرفة مواقفه.
المصدر: القاهرة
المذكرات تكتب للتوثيق ونقل الحقائق ولا تكون مسيسة لأغراض وأهداف ممولي هذه المذكرات، للأسف أول رئيس منتخب بعد ثورة 23 يوليو/تموز اللواء محمد نجيب وجدت له ثلاث مذكرات متناقضة بسرد الأحداث والعديد من الأحداث مناقضة لحدوثها لخدمة جهات محددة، كما تم أيضاً مذكرات لبعض أعضاء مجلس الثورة بذات المسار، لماذا هذا التشويه للأشخاص ومنجزات الثورة وقائدها؟؟!.