قراءة في رواية: شجرة الكاكا

أحمد العربي

د محمد الدفراوي روائي متميز، شجرة الكاكا اول عمل أدبي اقرؤه له…تعتمد رواية شجرة الكاكا السرد بلغة المتكلم على لسان “رولا” الشخصية المحورية في الرواية، حيث لا تاريخ محدد لأحداثها . ولا بلد محدد تجري به هذه الأحداث…

تبدأ الرواية من رولا التي تتذكر طفولتها حيث تسكن مع والدها ووالدتها في جبل تكسوه الثلوج لأشهر طويلة. تتذكر شجرة الكاكا التي نصب لها عليها والدها ارجوحة وكانت تتأرجح بها وتعانق الفضاء تسبح به سعيدة…

كبرت في حضن عائلتها فهي وحيدة والدها ووالدتها. والدها يعمل في الأرض ويؤمّن أسباب العيش. ووالدتها تتحمل شؤون البيت، راضون عن حياتهم…

كبرت رولا والتحقت بالمدرسة، كانت متفوقة. درست واجتهدت لتبقى متفوقة وعند الامتحان كانت الأولى في صفها. لكن المدرسة جعلت التفوق من نصيب “سامي” الطالب الذي يليها في الترتيب. و السبب انه ذكر وهي انثى. كانت هذه الحادثة أول خبرة عرفت رولا من خلالها أن هناك تمييزا وعدم تساوي بين الجنسين وأن الانثى درجة ثانية في الأهمية في الحياة. مع ذلك لم يمنع هذا من ولادة مشاعر ود من رولا تجاه سامي تطورت الى حب ، وهو يبادلها المشاعر والحب ايضا…

كبرت رولا ودخلت في سن المراهقة واكتشفت جسدها. ونضجها وأنها امرأة مسؤولة عن استمرار الوجود عبر التزاوج والتوالد. وزادت علاقتها مع سامي حميمية حتى صارحها بحبه. وهي بالمقابل بادلته ذات المشاعر…

اكتشفت رولا ان حياتها في البلدة حيث هي تسكن تنتهي بحدود معارفها البسيطة ودرجة تعلم متواضعة. و لأنها اكتشفت أهمية التعلم والمعرفة. وأنها شاركت في نشاطات الثقافية في المدرسة. واكتشفت عالم الكتاب وبدأت القراءة وداومت على الاطلاع والغرف من صنوف المعرفة. لذلك ولانها ترفض ان تنتهي حياتها في حدود قريتها المتواضعة في حضن ذلك الجبل. وفي ظلال شجرة الكاكا رفيقة طفولتها. قررت أن تنتقل الى المدينة لتوسيع معارفها و تخوض في غمار الحياة…

ذهبت إلى المدينة كما ذهب سامي حبيبها. وهناك عملت في فرن للخبز والمعجنات وحصلت على سكن وبدأت حياتها هناك، تعرفت على أخريات وصنعت شبكة صديقات. وهناك تأكدت من مشاعر حبها تجاه سامي وهو أيضا. لذلك بادر سامي بطلبها للزواج. كانت تنتظر ذلك، وقبلت بعدما استوثقت من حب سامي لها وأنهما سيعيشان حياتهما إلى آخر العمر بحب وود وتفاهم…

تزوجت دون معرفة أهلها. لأنه لسبب لم نعرفه كان أهلها يرفضون هذا الزواج…؟!!.

بدأت الحياة الزوجية لرولا وسامي جميلة ممتعة. غرفوا من الحب الذي يعمر قلبيهما. وعاشا الإشباع الجسدي الذي كانا بحاجة له…

لم تستمر الحياة على صفوها بالنسبة لرولا وسامي. حيث بدأ سامي يتأخر بالغياب والسهر خارج البيت. وقد يكون مخمورا. وعندما تحاول معرفة سبب ذلك كان يعاملها بجفاء وقسوة. ثم علمت أنه يتردد على أحد بيوت الدعارة. وبدأت حياتهما تدخل في حالة ضياع وتنابذ ونفور…

حاولت رولا عبر تواجدها في نادي ثقافي أن تنتصر للمرأة وتدعو لرفع الظلم عنها. ضمن حركة النسوية العامة التي أصبحت ظاهرة حاضرة بقوة…

سامي كان يتردد على بيت الدعارة الذي يحوي الكثير من النساء. لنكتشف أنهنّ مظلومات ووصلن إلى هذه المهنة تحت تأثير ظلم اجتماعي. هذه مات زوجها ولا معيل لها. وتلك اعتدى عليها أحدهم وظهر حملها. هربت خوفا من قتلها بسبب “عارها”…

كان سامي يستمع لحكايا هؤلاء النساء. ويستمتع معهم. المهم بالنسبة له إشباع غرائزه دون أي وازع من ضمير. أو شعور بالخطيئة تجاه زوجته رولا التي تعاني مرارتها في بيتها…

علمت رولا بحال زوجها. واجهته أكثر من مرة دون فائدة كان قاسيا معها. وهي ليس بيدها حل. وبعد زواج سنتين حملت رولا وتابعت مراقبة حملها عند طبيب نسائية . لم يكن سامي راض عن الحمل لكنه لم يستطع ان يرفضه او يجعلها تسقطه. وهي وجدت بمشاعر أمومتها وبداية نمو جنينها في رحمها. ان الدنيا انصفتها واعطتها مشاعر الأمومة. وتلد رولا طفلا منغوليا. وهذا زاد من مسؤوليتها عن الابن المعاق. وزاد من نفور سامي منها ومن ابنه وابتعاده عن البيت. لكن رولا وجدت بابنها الصغير الذي بدأ يكبر. تعويضا لمرارة حياتها. اعطته كل الاهتمام. وتابعت حالته عند أطباء مختصين. وبدأت تراه يكبر في الحياة وأمام عينيها. يتعلم كيف يواجه الحياة برعاية والدته التي وجدته تعويضها لها عن مظالمها واعتبرته رسالتها في الحياة…

هنا تنتهي الرواية:

في التعقيب عليها اقول:

اود ان احيي الكاتب محمد الدفراوي على جرأته أن يتقمص شخصية المرأة ويكتب بلسان حالها. مغامرا بالتعبير العميق عن مشاعرها. وما تعيشه في ذاتها وتطورات الجسد والبعد النفسي والاجتماعي للمرأة خاصة وأن الرواية مكتوبة بصيغة المتكلم ولسان حال بطلتها رولا تحدد المسار العام للرواية…

واضيف ان عالم المرأة هو العالم المهم الحاضر في الرواية. المرأة الطفلة والمراهقة والمحبة والمتزوجة و المنجبة الاولاد يعني الأم… المرأة المظلومة لكونها امرأة والتي وضعت بالعرف الاجتماعي الثاني بعد الرجل الاول…

لذلك كانت المرأة مظلومة بالأسرة وفي الزواج. وعندما تتحول للعمل بالدعارة بعدما تمر عليها ظروف ظلم جعلها تلجأ لهذا الحل المهين حتى تستمر بالحياة. في مهنة استعباد المرأة وبيع جسدها لصالح شبكة بدء من القواد الى مديرة مركز الدعارة. .

غياب البلد الذي تحصل به الرواية والزمان ضمن سياق اجتماعي تاريخي. حتى أسماء شخصيات الرواية بين العربية والاجنبية. يزيد من التورية فيها. هل هو هروب من الاقتراب من الشأن العام السياسي؟. وعدم تحمل تبعات الاقتراب: عقوبة أو نفاق ومداهنة…؟.

قضية المرأة ليست منفصلة عن أعراف المجتمع وقيمه وعقائده ونمط الحكم والقانون. هل يحمي المراة ام يمتهنها ؟ .

كما تعيد الرواية حقيقة دور المرأة في الحياة وهو الإنجاب والتربية والعناية بالأبناء .

 انها صانعة الخلود البشري وزارعة القيم والخير والإنسانية في اولادها…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “شجرة الكاكا” للروائي ” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “أحمد العربي” الرواية تتحدث عن سيرة الفتاة “رولا” الشخصية المحورية في الرواية، حيث لا تاريخ محدد لأحداثها . ولا بلد محدد تجري به هذه الأحداث، متحدثاً عن المرأة بالتعبير العميق عن مشاعرها. وما تعيشه في ذاتها وتطورات الجسد والبعد النفسي والاجتماعي لها.

زر الذهاب إلى الأعلى