عن دار نرد للنشر والتوزيع صدرت المجموعة القصصية “باب الهوى” للكاتب محمود الشيخ.
تعتمد مجموعة باب الهوى القصصية على السرد بلغة المتكلم على لسان الراوي، وهي أقرب لسيرة ذاتية للكاتب نفسه…
المجموعة تصل لثلاثين قصة قصيرة. مقسمة ضمن مقاطع معنونة تطال كل منها حالة أو مرحلة اراد الكاتب ان يفصل حولها من واقع تجربته الحياتية. حيث تطال القصص امتدادا زمنيا من سبعينات القرن الماضي إلى أواسط العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. يعني ما يصل لخمس عقود من حياة الكاتب وتجاربه وما مر عليه…
تبدأ المجموعة القصصية بعنوان فرعي لمجموعة من القصص: “طفولة” يتحدث بها الكاتب عن قريته القريبة من الرقة و عفرين التابعة لريف إدلب و المجاورة للحدود التركية. حيث يتذكر محاولات التهريب والعبور الكثيرة بين تركيا وسورية ووقوع الكثيرين ضحايا تفجير الألغام التي كانت قد زرعتها السلطات التركية. مغامرات البعض من الأولاد بالعبث بتلك الألغام. ومحاولة فكها واستخراج البارود منها وبيعها. للصيادين الذين يستخدمون البارود لصيد الأسماك من نهر عفرين المجاور لقريتهم. لقد راح ضحية هذه الألغام الكثيرين…
كما يحدثنا الكاتب عن التكوين المجتمعي والاثني لسكان تلك المنطقة من عرب واكراد وتركمان. كانوا متعايشين لمئات السنين…
كما يحدثنا عن عدم وجود المدارس في قريته وكيف يركب “البوسطة” إلى عفرين المجاورة . وما صاحب ذلك من صعوبات وحكايا متميزة لمجتمع قروي يتعامل مع انتقاله من القرية للمدينة حاملا منتجاته. وحيواناته أحيانا. وقد يكون نصيب صاحبنا الركوب على سطح البوسطة و تعرضه للبرد الشديد وكاد يهلك أثر ذلك لكن الله ينقذه ويجد من يعتني به ويساعده على التعافي…
يحدثنا صاحبنا عن قلة المتعلمين وكيف كان يكتب الرسائل لأولاد بعض أهل قريته الأميين وفي سن مبكرة…
وفي مجموعة آخرى تحت عنوان “من خبرات الحياة” حدثنا صاحبنا في قصص متنوعة عن جدّته التي عاشت عقدين من حياتها تتوهم المرض وتنتظر الموت وتقول كلمتها التي ترددها دوما “سامحوني ان مت”… تنتظر موتها حتى تموت بخطأ طبي…
اما البهلول او الدرويش المعاق عقليا واحيانا جسديا الذي وجده في بعض المناطق معتبرا من اولياء الله. وتحكى عنه كرامات. وهو في الحقيقة يحتاج من يعينه ويساعده ويهتم به…
كما يحدثنا صاحبنا عن تجربة بيع البطيخ “الجبس” حيث اكتشف بشكل عياني الفرق بين جهد الفلاح الكبير ومنتوجه المتواضع وبين جهد التاجر وربحه الوفير حيث اصبح شبه تاجر بطيخ وحصّل مالا كثيرا ذلك الوقت. لم يستطع الاستمرار لأنه كان منتدبا للتعليم وعليه الذهاب وإن تخلّف عن الالتحاق بالتدريس عوقب…
وتحدث عن تعيينات بالوظائف وكيف يتم تغييرها عبر الرشاوي. كما فعل صديق صاحبنا الكردي الذي أفاده بالتعيين حيث يريد بخروف أهداه للمسؤول في التربية والتعليم…
أما حسناء فتلك حكاية الفتاة المنحلة التي تعلقت بكل الشباب الذين التقت بهم وأقامت معهم علاقات جسدية…
أما صديق صاحبنا الملحد فهو متعنت مزاود بإلحاده. وعندما مرض استنجد بالله وطلب من أصدقائه أن يدعو له الله بالشفاء. كاد يموت.. لكنه شفي وعاد إلى مرضه الاول : الإلحاد المرضي…
أما المجموعة تحت عنوان “أسفار وذكريات”:
حدثنا صاحبنا عن طور جديد من حياته حيث بدأ العمل في إحدى دول الخليج. ومن هناك اخذ عائلته في سياحة إلى جورجيا. ووصفها بأنها جنة الله على الارض. .
كما تحدث صاحبنا عن مدينة أريحا الادلبية ايضا التي ذهب للدراسة فيها والعيش في بيت عمه. يتذكر ما تركته في نفسه كرومها وكرم أهلها والعيش فيها…
اما تحت عنوان الشغالة فقد قفز صاحبنا بالزمن الى ما بعد الثورة السورية وتشرد السوريين في بلاد العالم. وهو تواجد في تركيا وحيدا وأراد ان يحصل على من ينظف له بيته ويساعده في شؤونه. تفاجأ من المعاملة الفظة من البعض وطلب أجور مبالغ بها. كما تفاجأ ايضا بمن حاجته الدنيا والتشرد واللجوء لهذا العمل وقام به محافظا على أصالته. ويساعد اهله سواء بالغربة أو من بقي بسورية…
بلادنا فيها من هؤلاء وهؤلاء …
أما في المجموعة المعنونة “الغربة”:
يتحدث في إحداها عن هوس اغلب أهلنا بالهجرة للخارج منذ عقود بعيدة طبعا وخاصة أوروبا وامريكا. وكلهم معهم حق. كان ذلك قبل حصول مأساة السوريين في العقد الأخير. سمع قصصا عن اخوة وأبناء ذهبوا ولم يعودوا. بل وقطعوا كل أواصر العلاقة مع ذويهم. والبعض ذهب وتزوج وأنجب وعندما قرر العودة. تخلت عنه زوجته وأولاده وعاد وحيدا ..
طبعا لا نحتاج القول أن التعميم هنا ليس صحيحا…
أما تحت عنوان الطيارة يتحدث صاحبنا عن تجربة السوريين مع الطائرة التي أذاقته الأمرين قصفا وتدميرا وقتلا. هذه ما عشناه نحن السوريين…
أما تجربة صاحبنا في ذلك البلد الخليجي حيث خرج مع عائلته الى البر لقضاء يوم من الراحة والتفسح مع العائلة…
هناك لسعت ابنه إحدى الحشرات و بدأ يختلج كاد يموت، طلب الإسعاف وحضرت. وبعد ذلك تكاثرت سيارات الاسعاف. وتم استدعاء طائرة هليكوبتر من اجل اسعاف الطفل وتم إسعاف الطفل وانقاذه من الموت…
نعم حدث هذا . ما أعز الإنسان وأكرمه…
نتمنى ذلك لكل اهلنا العرب والسوريين خاصة من الان الى الف عام قادم…
كذلك تحت عنوان فرح جدتي حيث يدعوا احد اصدقاء صاحبنا في ذلك البلد الخليجي إلى عرس جدته. كان ذلك مفاجئا. هي أرادت ذلك ولباها ولدها… المرأة هناك معززة مكرمة…
نتمنى ذلك لكل نساء العرب…
وفي قصة اخرى يتحدث عن ذلك الشاب السوري الذي قام بطلاء احدى غرف بيته، وهو في الغربة، وكيف حضر وقام بواجبه على أحسن وجه. أنه يعيل عائلته في الغربة وفي سورية…
هكذا هم ابناء بلدي…
أما نوافذ السيارة المفتوحة بعد إصلاح المكيف جعلت صاحبنا يتعلم درس ان سوء الظن مضر جدا …
وفي المجموعة المعنونة: “مزرعة الخوف – سوريا”…
يتحدث صاحبنا عن قصف التحالف الدولي بعدة صواريخ لأحد البيوت بجوار بيتهم في قريتهم عام ٢٠١٥. وجعلته أثرا بعد عين… وتبين ان المستهدف امرأة وأطفالها قتلوا وتوزعت اشلائهم في المكان…
وتحت عنوان “تفجير إرهابي” أخبرنا صاحبنا انه تم تفجير سيارة مفخخة في بلدة قريبة من بلدته وهو مع عائلته بسيارته قريبا من الانفجار الذي طال العشرات من الضحايا والكثير من الجرحى غير التدمير والأضرار… كان وراءها مرتزقة… وقيدت ضد مجهول…؟!!.
ما أرخصنا نحن السوريين…
تحت عنوان “باب الهوى” أخبرنا صاحبنا أنه وهو في غربته بعد سنوات على المأساة السورية دفعه الحنين ان يأتي الى تركيا ومنها الى باب الهوى حيث دخل بصعوبة مع عائلته ليصل الى قريته المحررة ويكتشف أهلها الاصيلين . ويرى بعينه واقع قريته التي كان تعدادها حوالي الخمسة آلاف نسمة وهي تحوي الان مئات الآلاف المنتشرين في المخيمات الموزعة في الكروم المحيطة بالبلدة. متكافلين متضامنين قدر الإمكان. انهم السوريين الهاربين من الموت والقتل متشردين لا يحملون الا أرواح يخافون فقدانها في سورية التي تكالبت عليها كل ذئاب العالم…
وفي إحدى قصصه يتحدث العصبيات المناطقية التي كادت تودي بحياته منذ سنوات بعيدة في المعسكر الجامعي…
وتحت عنوان دورية الأمن السياسي. يوضح صاحبنا ما أصبح معروفا ومعلنا في سورية. وهو استحواذ أهل الساحل العلويين على السلطة والجيش والأمن في سورية. وتسلطهم لعقود طويلة على البلاد والعباد. مع صمت مطبق من الشعب المظلوم. خوفا من تهمة الطائفية التي تأخذ صاحبها الى المجهول… التمييز حاضر في التعينات المدرسية وفي كل معاملات الدولة… يتصرفون على أنهم الدولة…
هذا هو الواقع…
ختم صاحبنا مجموعته القصصية فيما يؤكد السيطرة الامنية المطلقة على البلاد والعباد لاجهزة الامن والجيش في سورية يحدثنا عن استباحة بيته وحياته وهو ضابط مجند عندما كانوا يبحثون عن قريب له…
هنا تنتهي المجموعة القصصية.
في التعقيب عليها اقول:
اننا امام مجموعة قصصية تمثل شبه سيرة ذاتية دونها الكاتب على شكل قصص متتابعة تحت عناوين فرعية لكل مجموعة منها. لكنها كلها تمثل سياقا متتابعا لحياة صاحبنا. منذ طفولته قبل عقود بعيدة وأجواء القرية المحاذية لحدود تركيا في الريف الإدلبي ونمط العيش والحياة وبدايات التعليم ودخول الكهرباء والسيارات ونمط الحياة الحديث عبر السنين. ومن ثم انتقال صاحبنا ليكون مدرسا ثم مفتش تربوي عن مادته. ثم حصوله على ما نسميه اعارة دراسية في إحدى دول الخليج ثم ذهابه مع عائلته. واستقراره هناك وعودته الى سورية في شهور العطلة الصيفية وحياته في الخليج والعيش المريح مع امكانية السياحة وتحقيق حياة كريمة نسبيا عن الحياة سورية في كل الأوقات. ثم توسع صاحبنا للتحدث عن الوجع السوري ما قبل الثورة السورية عام ٢٠١١م وسيطرة النظام الطائفي على حياة الشعب السوري وعيشه في تحت القمع والفساد والخوف وكان نتيجة ذلك الثورة . تحالف النظام مع الايرانيين والروس والميليشيات الطائفية حزب الله وغيره. يقتلوا الشعب السوري و يشردونه. وتدخل قوى الظلام والإرهاب وكذلك الانفصاليين ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني أذناب الأمريكان و النظام و لتصبح سورية تحت اختلالات عدة. و تشرد السوريين في كل أركان الأرض…
هذا واقع السوريون الذين توزعوا في الأرض بين نازح داخل سورية و لاجئ خارجها لأكثر من ثلاثة عشر مليون إنسان وكذلك سقوط مليون ضحية غير المصابين والمعاقين والمعتقلين وغير تدمير أكثر من نصف سورية…
يستحق السوريون أن يحصلوا على حريتهم وأن يعيشوا بدولة ديمقراطية عادلة ويصنعون الحياة الأفضل…
المجموعة القصصية “باب الهوى” للكاتب السوري “محمود الشيخ” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي من الكاتب “احمد العربي” المجموعة تصل لثلاثين قصة قصيرة. مقسمة ضمن مقاطع معنونة تطال كل منها حالة أو مرحلة اراد الكاتب ان يفصل حولها من واقع تجربته الحياتية،