سحبت صلاحيات مدنية من يد السلطة في “صحراء القدس” المصنفة ضمن المنطقة “ب”
منذ بداية العام الحالي صنفت إسرائيل أكثر من 27 مليون متر مربع “أراضي دولة”، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق منذ عام 1993، رداً على النشاط القانوني الذي تمارسه السلطة الفلسطينية على الساحة الدولية ضد الدولة العبرية واعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين.
وبالفعل نفذ وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش تهديداته السابقة بإقامة مستوطنة جديدة مقابل كل دولة تعترف بفلسطين، إذ أقر المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام شرعنة خمس بؤر استيطانية وتوسيع البناء في المستوطنات. ولم يكتف سموتريتش بهذا القدر، بل طالب بفرض مزيد من الإجراءات والعقوبات على السلطة الفلسطينية، لم تقتصر على مواصلة احتجاز أموال المقاصة وتجميدها واقتطاع جزء منها لتعويض عائلات إسرائيلية قتل أفراد منها في عمليات استهداف، ومحاولة حجب تعامل البنوك الإسرائيلية مع البنوك الفلسطينية، بل وصلت لسحب صلاحيات مدنية من يد السلطة في منطقة “صحراء القدس” أو ما يعرف “برية الخليل” المصنفة ضمن الأراضي “ب”، وتسليمها لجهاز الإدارة المدنية الإسرائيلي.
وتعني هذه الخطوة تمكين الإدارة المدنية الإسرائيلية الشروع في تنفيذ إجراءات هدم البناء الفلسطيني هناك، وإزالة المنشآت التجارية والصناعية التي بنيت فيها دون ترخيص، بل ومعاقبة أو تغريم كل فلسطيني يثبت أنه ألقى نفايات في المنطقة لاعتبارها محمية طبيعية، تضم 19 جدول مياه وخمس مغر كبرى أثرية ونحو خمسة مواقع تراثية.
بعد اتفاقات أوسلو الثانية عام 1995، وتقسيم الضفة الغربية لثلاث مناطق “ج” (تحت سيادة أمنية وإدارية إسرائيلية)، و”ب” (تحت سلطة إدارة فلسطينية وسلطة أمنية إسرائيلية)، و”أ” (تحت السلطة الإدارية والأمنية الفلسطينية) حظيت الأخيرة على نحو 28 في المئة من مساحة الضفة الغربية (3 في المئة منطقة “أ” ونحو 25 في المئة منطقة “ب”) إلا أن مفاوضات “واي ريفير” عام 1988، والتي جاءت إثر خلافات بين الجانبين، طرحت بأن يظل ثلاثة في المئة من مساحة الضفة الغربية محميات طبيعية يحق للفلسطينيين إدارتها فقط دون أي استخدامات أخرى، وشملت منطقة “صحراء القدس” التي تعرف إسرائيلياً “محمية الاتفاق” التي تمتد بين بلدة بيت ساحور ونهر الأردن شرقاً.
ووفقاً لباحثين ومتخصصين يقدر طول هذه المنطقة التي استحوذت عليها إسرائيل أخيراً، نحو 85 كيلومتراً مربعاً وعرضها قرابة 25 كيلومتراً مربعاً، ويصل ارتفاعها فوق سطح البحر إلى نحو 970 متراً.
تجاوز الاتفاقات
سحب كامل الصلاحيات من يد السلطة الفلسطينية في منطقة “صحراء القدس” وحرمان الجانب الفلسطيني من فرصة تنفيذ أي برامج أو خطط مستقبلية في شأنها تحويل المكان لمنطقة سياحية أو الاحتفاظ به كمحمية طبيعية بحسب الاتفاقات، دفع وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية لاعتبارها “تصعيداً بالغ الخطورة من قبل سموتريتش” محذرة من نتائجه وتداعياته الجسيمة.
وأكدت أنه “تحد سافر لقرارات الشرعية الدولية الرافضة للاستيطان باعتباره عقبة في طريق تطبيق حل الدولتين”، مطالبة في بيان “بتدخل أميركي ودولي عاجل لوقفه وفرض عقوبات دولية رادعة على إسرائيل، التي شرعنت خمس بؤر استيطانية وتتعمد تخريب قيام دولة فلسطينية”.
وتقع البؤر الاستيطانية الخمس التي أعلن “الكابينت” جعلها قانونية في مواقع استراتيجية في الضفة الغربية، لكن أكثرها جدلاً هي “أفيتار” المقامة على قمة جبل صبيح في منطقة نابلس، و”أدوريم” في منطقة الخليل، جنوب الضفة و”سدي أفرايم”، و”جفعات أساف” في منطقة رام الله، إضافة إلى البؤرة الاستيطانية “حاليتس” في المنطقة الواقعة بين الخليل وبيت لحم.
من جانبه، أكد رئيس هيئة الجدار والاستيطان مؤيد شعبان، أن واقع أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس دخل فعلاً في مرحلة حساسة للغاية، مضيفاً أن خطورة ما تفعله الحكومة الإسرائيلية هذه الأيام يتمثل بالحاضنة التشريعية والقانونية التي تجتهد من خلالها من أجل تثبيت إجراءات ذات بعد استراتيجي تستهدف السيطرة والضم على قطاعات واسعة من الأراضي الفلسطينية.
في حين اعتبر الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن نقل السلطة الإدارية في منطقتي “ب ” و”ج” من أيد عسكرية إلى أيد مدنية خلافاً لما كان متبعاً، يرمي لخلق واقع وبعد سياسي جديدين من أجل التضييق على الوجود الفلسطيني والسيطرة على الضفة الغربية، عبر إضعاف السلطة ودورها وصلاحياتها.
وثائق وصور
بحسب الادعاءات الإسرائيلية فإن القرار الأخير جاء على خلفية تقارير ووثائق وصور من منظمة “ريغافيم” الاستيطانية تثبت فيها أن السلطة الفلسطينية أساءت على مدار سنوات التعامل مع منطقة “صحراء القدس”، وأن ثمة منشآت صناعية وطرقاً شيدها الفلسطينيون في المنطقة إلى جانب مكبات نفايات ومحارق عشوائية.
وجاء في تقرير نشرته المنظمة الاستيطانية التي تعمل على محاربة البناء الفلسطيني أن الفلسطينيين حتى عام 2022 بنوا أكثر من 2500 مبنى في المحمية (صحراء القدس) وهو ما أدرجه سموتريتش تحت بند “أعمال سياسية معادية”. وطالب ببلورة خطة محكمة لكبح “الاستيطان الفلسطيني” كما سماه، قائلاً خلال جلسة في “الكنيست” عقدت نهاية يونيو (حزيران) الماضي “إن مهمة حياتي هي أن أمنع أية إمكانية لإقامة دولة فلسطينية في أرض إسرائيل”. وأضاف “أعمل على استغلال صلاحياتي لتغيير الوضع على الأرض لتعزيز الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، ولشرعنة البؤر الاستيطانية التي هي العائق أمام السيطرة العربية على المناطق المفتوحة، وأنا أعمل لفرض وقائع على الأرض لتحويل يهودا والسامرة (الضفة الغربية) إلى جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل”.
وعلى رغم من تراجع سموتريتش عن بعض الخطوات المالية ضد السلطة الفلسطينية، وإفراجه عن جزء من أموال المقاصة، وتمديد السماح للبنوك الإسرائيلية العمل مع نظيرتها الفلسطينية، إلا أنه مقابل ذلك دفع في تعميق ضم الضفة الغربية أكثر وتقويض السلطة الفلسطينية في ظل تحذيرات دولية من إمكانية انهيارها الوشيكة.
ففي الثالث من يوليو (تموز) الجاري صدقت الحكومة الإسرائيلية على مصادرة 12,7 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الغربية تقع في منطقة غور الأردن سبق أن حولتها في يونيو الماضي إلى “أراضي دولة”. ووفقاً لحركة “السلام الآن” الإسرائيلية فإن المصادرة الأخيرة تعد الأكبر التي يشهدها الفلسطينيون منذ ثلاثة عقود.
ومنذ بداية العام الحالي وحتى يوليو الجاري صنفت إسرائيل أكثر من 27 مليون متر مربع “أراضي دولة”، وهو الرقم الأعلى على الإطلاق منذ عام 1993، ففي سنة 1999 التي سجل فيها أعلى عدد من الأراضي المعلنة “أراضي دولة”، كان عددها نحو خمسة ملايين متر مربع.
وبحسب بيان المنظمة الحقوقية المناهضة للاستيطان فإن العام الحالي الذي لم تنته بعد صورة “الذروة” في مصادرة الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، مؤكدة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسموتريتش “مصممان على مواجهة العالم أجمع والعمل ضد مصالح شعب إسرائيل لمصلحة حفنة من المستوطنين الذين يحصلون على الأرض كما لو أن لا وجود لنزاع سياسي يجب حله أو إنهاء الحرب”.
المصدر: اندبندنت عربية