مبادرة بوتين للسلام: خطوة أولى أم تسليم مفتاح أوروبا؟

شادي عاكوم

قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرضاً لمحادثات سلام لا تقتصر على وقف موقت لإطلاق النار مع أوكرانيا، بل للتوصل إلى حلّ نهائي للصراع. لكن، يبدو أن مطالبه تستهدف عمداً السياسة الداخلية للدول الأوروبية، مع ما حملت في طياتها من نقاط  تتطلّب عملية حسابية دقيقة من الغرب، حتى أن البعض نسفها برمتها لأنها غير قابلة للنقاش.

 وبحكم أن بوتين يطالب بأكثر من مجرد التخلّي عن المناطق التي تحتلها روسيا في أوكرانيا، بل يتعيّن على كييف أن تسلّم أجزاء من المناطق الأربع التي تطالب بها روسيا في جنوب شرق أوكرانيا، بما في ذلك سحب قواتها من مناطق خيرسون وزابوريجيا ودونتيسك ولوهانسك، أي ما يقرب من خِمس الأراضي الأوكرانية، فضلاً عن أنه يتعيّن على أوكرانيا أن تلغي خططها وطموحاتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وان تلتزم الحياد، وتكون القوة العسكرية لأوكرانيا محدودة، وبألّا تمتلك أسلحة نووية.

إنذار على طريقة هتلر

يرى الكاتب السياسي فون فولكر بيترسن في حديث مع شبكة “أن تي في” الإخبارية، أن مطالب بوتين، على المستوى الاستراتيجي، تتوافق مع أهدافه الأساسية للحرب على أوكرانيا ونواياه بضمّ الأقاليم الأربعة بالكامل، وإبقاء أوكرانيا خارج الناتو، مشيراً إلى أن من يحتاج إلى مثل هذه المطالب القصوى شرطاً للمفاوضات لن يحتاج بعد الآن إلى التفاوض على الإطلاق، ما وصفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه إنذار على طريقة هتلر.

وتماشياً مع ما تمّ ذكره، تقول آلينا فسترمان، الباحثة والخبيرة في العلاقات الدولية، لـ”النهار العربي”، إن بوتين يشن حرباً نفسية، ويهدف من عرضه إظهار زيلينسكي في وضع المتعنت غير الآبه لمصير شعبه، ويريد منه الاعتراف بالهزيمة والتخلّي عن سيادة بلاده. وعليه، فإن بوتين يتحدث بكل بساطة عن “أمنيات لوقف القتال، ويحاول لعب دور صانع السلام، والعرض لأوكرانيا لا يمكن إلّا أن يُرفض، لأن الشروط خطرة وغير صادقة، والأهداف تختلف تماماً عمّا يطرح كأساس لمفاوضات محتملة”، ومشيرة إلى أن لا ضير من القول “لولا أوهام بوتين بشأن عظمته وقواته، ما كانت هذه الحرب لتندلع”.

 وكان ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف الناتو، قد قال في ختام اجتماع لوزراء دفاع دول الحلف في بروكسل قبل أيام، إن شروط بوتين ليست اقتراح سلام، “بل اقتراح للمزيد من العدوان، والمزيد من الاحتلال”.

مفتاح أوروبا

في خضم ذلك، يرى محللون أن بوتين يدرك أن ما يطرحه ليس بالعرض الحقيقي، لا لأوكرانيا ولا للغرب، وأي مناقشة لفكرة التخلّي عن أوكرانيا والسماح للقيصر الروسي بقضم أراضيها، تعني أن يقدّم له أعضاء حلف الناتو، وفي مقدّمهم الولايات المتحدة، مفتاح الهيمنة على أوروبا على طبق من فضة. حتى أن الخبير الأمني الألماني كارلو ماسالا كتب على حسابه بمنصة “إكس”، أن هذه المطالب تسمّى “سلام الإملاء”، فيما يرى آخرون أن انسحاب القوات الأوكرانية من خطوط المواجهة يعني أن روسيا ستكون على بُعد هجوم واحد فقط من عزل أوكرانيا عن البحر الأسود، وعندها يستحيل الدفاع عن مدينتي أوديسا وميكوليف الساحليتين. والقوات الأوكرانية اليوم بعيدة من الاستسلام بعد الإطلاق الجزئي للأسلحة الغربية للدفاع عن خاركيف، وتوقف الهجوم هناك، وبعد تعرّض روسيا لضغوط متزايدة في شبه جزيرة القرم والبحر الأسود.

 يسأل بيترسن: “هل تجلب مطالب بوتين السلام بالفعل إذا تخيلنا أن زيلنسكي قَبل بالعرض، وإلى متى يستمر تجميد الوضع فيما يمكن لروسيا استغلال الوقت وتزخيم تصنيع الأسلحة وتدريب الجنود ومواصلة التجنيد؟”، وهذا يعيدنا إلى نقطة الثقة التي لم يبق منها شيء. يضيف: “في بداية الحرب، قيل إن زيلينسكي كان مستعداً للتخلّي عن عضوية الناتو، لكن بعد مجزرة بوتشا والقصف على المدنيين، لم يعد قادراً على التعامل مع الشروط الروسية، والجميع يعلم أن بوتين يريد ضمّ أوكرانيا إلى روسيا، ولن يتخلّى عن هذا الهدف، ويبدو أن عرضه محاولة لكسب الوقت”.

في الوقت نفسه، ربما يخدم عرض بوتين المرشح الرئاسي الأميركي دونالد ترامب، الذي لا يزال يثق به، كما يقول بيترسن، وبهذه الطريقة يستطيع بوتين أن يجد مناصرين مؤثرين في كل مكان، يمكنهم التأثير على المزاج العام لصالحه.

مطالب مفهومة

وبحكم أن بوتين يستهدف عمداً السياسة الداخلية للدول الأوروبية، دعت سارة فاغنكنشت، السياسية المنشقة عن حزب اليسار في ألمانيا، والتي استطاعت مع أعضاء تحالفها الحصول على نسبة 5 في المئة من أصوات الناخبين الألمان والولوج مع تحالفها إلى أروقة البرلمان الأوروبي، للانفتاح على شروط بوتين، وقالت: “على أوكرانيا والغرب تجنّب الخطأ التاريخي المتمثل بالرفض الفج للإشارات الصادرة عن موسكو، باعتبارها مطالب قاسية وغير واقعية”. بدلاً من ذلك، تطلب فاغنكنشت التعامل مع “مبادرة بوتين” بالجدّية اللازمة، والنظر إليها باعتبارها نقطة انطلاق للمفاوضات.

ووصفت فاغنكنشت مطالب موسكو بوضع غير نووي لأوكرانيا وتخلي كييف عن طموحها لعضوية الناتو أنها “مفهومة”، مضيفة: “المصلحة الأوروبية الوجودية تصبّ في إيجاد حلّ وسط الآن، لتجنّب خطر نشوب حرب أوروبية كبرى، وعلى رؤساء الدول والحكومات أن يستجيبوا بسرعة لهذا العرض”، علماً أن بوتين حذّر من أن رفض الغرب وأوكرانيا مقترحاته يعني أن شروطه ستتغيّر في المستقبل، ولن يكون الوضع في ساحة المعركة حينها لصالح أوكرانيا.

طمس الحقيقة

في المقابل، قال المستشار الألماني أولاف شولتس السبت، في مقابلة مع شبكة “أيه أر دي” الإخبارية، إن الكل يعلم أن هذه الشروط ليست جدّية، ولا يمكن القبول بها، “وما نحتاجه ليس سلاماً مفروضاً، بل نحتاج سلاماً عادلاً يأخذ سلامة أوكرانيا وأمانها في الحسبان”.

وشدّد شولز في حديثه على أن بوتين يريد طمس حقيقة أنه يواصل هذه الحرب على أوكرانيا بوحشية من دون هوادة، مؤكّداً أن الرغبة في التواصل معه “موجودة، بشرط وجود طروحات منطقية”.

وفي اجتماع بوزارة الخارجية الروسية في 14 حزيران (يونيو) الجاري، وصف بوتين المؤتمر الذي انعقد في سويسرا بشأن سبل تحقيق السلام في أوكرانيا، بحضور ممثلي أكثر من  90 دولة بينهم رؤساء دول وحكومات، بأنه “تكتيك للتضليل يهدف إلى صرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للصراع مع كييف”، متهماً الغرب بتجاهل مصالح بلاده.

وبحسبه، من دون مشاركة روسيا، مستحيل التوصل إلى حلّ سلمي في أوكرانيا، وفي أوروبا بشكل عام.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل بوتين أعلن مبادرة للحل السلمي لحربه على أوكرانيا؟ أم هي دعوة للإستسلام على طريقة مبادرات هتلر بالحرب العالمية الثانية؟ مطالبه تلبي أهدافه الأساسية للحرب وذلك بضمّ الأقاليم الأربعة بالكامل، وإبقاء أوكرانيا خارج الناتو، وإن مؤتمر سويسرا بشأن سبل تحقيق السلام بأوكرانيا لم يحقق شيئ لغياب روسيا، التي بدأت ترفع سقف مطالبها، فهل سيكون نهاية لهذه المجزرة؟.

زر الذهاب إلى الأعلى