الرئيس الروسيّ “قاتل”. هكذا وصفه الرئيس الأميركي، جو بايدن. الصفة أُطلقت لأسباب تتعلق بالقتل الفاشي والمُشين بالسمّ للمعارضين الروس الهاربين من بوتين أو داخل روسيا، وبدرجة أقل لتدخله في الانتخابات الأميركية السابقة ولصالح دونالد ترامب. عكسُ ذلك، لم يتقدم بايدن بأيّة مواقف ضد الوجود الروسي في سورية، وهي قضيتنا المركزية، حيث لم يتغيّر موقفه عن زميليه السابقين، أوباما وترامب، أي الاعتراف بالاحتلال الروسي لسورية، والاكتفاء بدعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وقانون قيصر، والتضييق على النظام السوري. إذاً لم يرَ بايدن في كلّ ما فعله القيصر في سورية من دمارٍ وقتل وتهجير واستيلاء على الاقتصاد السوري عبر اتفاقيات مع النظام ما يعكّر مزاجه، أو يدفعه إلى موقف أميركيّ جديد، ينصف فيه الشعب السوري. قانون قيصر، والقرارات الدولية المُنصفة، ومعلومات كثيرة، تدفع بايدن إلى موقف متشدّد ضد روسيا لو رغب فعلاً بتحقيق السلام وتحسين الديمقراطية ورعاية حقوق الإنسان في العالم، ولكن هيهات! هذا وهمٌ كبير، ما زال يداعب بعض المعارضة السورية المكرّسة. لا، يا سادة، لا جديد في أن يكون بوتين قاتلاً. وماذا نقول عن أوباما وترامب وبايدن، وهم يرون المأساة السورية، ويثرثرون عن التغيير عبر الشرعية الدولية، والقرارات الدولية، ثم ومن سيُنفِّذ الأخيرة. لن نضرب أمثلة بالجملة، عن خذلان الدول العظمى للشعوب المستضعَفة، وفي مقدمتها الشعبان الفلسطيني أو العراقي، وبخصوص سورية، جنيف1 و2 وسوتشي وأستانة 16 واللجنة الدستورية 5.
ينتظر العرب ما ستنتهي إليه السياسة الأميركية الجديدة، وكأنّ الولايات المتحدة يمكن أن تغيّر السياسات القديمة جذريا. صحيح أن ترامب راح إلى الأقصى في دعم التسلطيّات، كالسيسي ورئيس كوريا الشمالية وبوتين وسواهم، ولكن بايدن لن يعمل على تغيير قادة هذه البلاد. وضمناً، لن تتغير العلاقات بين أميركا وروسيا، أو تتدهور أكثر مما هي الآن كما يتوقع محلّلون. تعيد أميركا الحالية تعزيز تحالفها مع أوروبا، وتحاول، بالدبلوماسية، جلب إيران إلى طاولة التفاوض من جديد، ومحاولة تخفيف العداء بين العرب وإيران، وكذلك إبعاد الصين عن منطقتنا، وتعلن أن الصّين هي عدوّتها الرئيسة في العالم. ربما توضح هذه النقطة أنه لا قيمة حقيقية لجملة بايدن، وأنها للاستهلاك المحلي، ولن نرى في المستقبل شيئاً ضد روسيا. إذاً ليس هناك جديدٌ يُغيّر مما جرت عليه السياسة الأميركية في منطقتنا بعد احتلال العراق.
كيف يحصل التغيير في سياسة الدول العظمى؟ هذا ما يجب التركيز عليه. يحدث ذلك إن حدث تغييرٌ كبيرٌ في السياسات الاقتصادية بالتحديد، أو في حال هدّدت إحدى الدول العظمى مصالح دولةٍ أخرى. لنلاحظ كيف أن أميركا تكرّر أن لا مصالح كبرى لها في سورية. وبالتالي، لن تكون سورية سبباً إضافياً للصراع بين الدولتين. وهناك تنسيقٌ عالٍ بين الدولتين، بخصوص الترسانة العسكرية والملاحة الجوية، وبخصوص الوجود العسكري في شرق سورية. ونضيف أن تقارير تقول إن التنسيق يشمل كل الوضع السوري. أردت القول إن لا تغيير كبيراً في السياسة الأميركية إزاء روسيا، والعكس صحيح، ما دامت السياسات الاقتصادية للدولتين ذاتها، وما دام ليس هناك من تهديدٍ للمصالح العالمية لكلا الدولتين. والقضية هنا لا تكمن في الترسانة النووية المانعة للحروب بين من يمتلكها. الفكرة الأخيرة لا تلغي التطور النوعي في الوضع الاقتصادي بين كل من روسيا وأميركا ولصالح الأخيرة.
تَدخّلَ بوتين في سورية بتنسيقٍ إقليمي وأميركي، وبغرض إخماد ما تبقى من الثورة، وإنقاذ النظام الذي فشل، هو وإيران ومليشياتها، في الوقوف ضد الفصائل السلفية والجهادية. وعدا ذلك، هناك تصريحات كثيرة أطلقها الرؤساء الأميركيون والموظفون الأساسيون في الإدارة الأميركية، وكلّها تُجمِع على أن النظام السوري لا يتمتع بأية شرعية. ولكن كل القرارات الدولية المُدِينة له لم تساهم في تغيير الوضع السوري، وعكس ذلك سمح الأميركان بدخول روسيا لإنقاذ النظام. المقصد من هذا الكلام أن لا مكان لسورية في إشعال حربٍ بين روسيا وأميركا، وهي محض ورقة سياسية بينهما، حينما تحين لحظة التسويات.
قبل التدخل الروسي 2015، كان التدخل الأميركي عبر التحالف الدولي ضد الإرهاب، عام 2014، والذي لم يتعدَّ مناطق تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) حينها. ولم تضغط أميركا ومن معها نحو أيّة تسويةٍ للوضع السوري. وهناك تقارير تؤكِّد مسؤوليتها وحليفتها “قسد” عن دمار مدينة الرقة، إكمالاً لما فعله النظام بها، وببلدات كثيرة. وبذلك ساهم الأميركيون في تدمير السوريين وقتلهم وتهجيرهم وإخماد ثورتهم، والتي لا ينتمي إليها “داعش”، ولا كل الفصائل المسلحة السلفية والجهادية، كما حال هيئة تحرير الشام.
سنحلّل، نحن السوريين، الوضع العالمي انطلاقاً من وضعنا نحن بالدرجة الأولى، وعبره نفكّك هذا التصريح أو ذاك، تلك السياسة وسواها، لهذه الدولة أو تلك. لا علاقة لما قاله بايدن بالوضع السوري، وبايدن ذاته ليس أفضل حالا من بوتين في السياسة العالمية، سيما دور الإدارة الأميركية في تخريب العراق، وبايدن كان حينها نائباً للرئيس. وبخصوص سورية، يشكل صمته بعد أشهرٍ من انتخابه موقفاً وسياسة، ومن أكبر الأخطاء أن نتوقع عودة إلى بيان جنيف 1 (المعلن في 2012) أو القرارات الأممية.
دفعت سعة إجرام النظام السوري العالم إلى أن يتقبّل قانون قيصر، وهو ما أقرّته الإدارة الأميركية، ولكنها لم تنفذه بشكل شامل، فهو لا يشمل القضايا الطبيّة أو الغذائيّة، وهذا جيد، ولكن المشكلة معه أنّه لا يتضمّن جانباً تنفيذياً ضد التدخل الروسي أو الإيراني الذي لم يتوقف، وإيران ما زالت تُدخِلُ مليشياتها من البوكمال ولبنان، بينما المساعدات الدولية تقصفها روسيا كما جرى قبل أيام عند معبر باب الهوى. القصد هنا أن ما يعمّق أزمة النظام، بالدرجة الأولى، سياساته الاقتصادية، حيث سمته الأولى أيضاً الفساد والنهب، وكذلك ضعف قدرة الروس والإيرانيين على الاستمرار في دعمه كما فعلوا قبلاً.
في كل الأحوال، شكّل فشل سياسة الروس منذ العام 2015 دافعاً للبدء بمنصّةٍ جديدة، وهي مسار الدوحة، والذي جمع قطر وتركيا مع روسيا؛ أي جمع دولتين ترفضان تعويم النظام وإعادة الحياة له، وتؤكّدان القرارات الدولية، وضرورة تشكيل هيئة كاملة الصلاحيات كما ورد في “جنيف 1”. وبالتالي، هل يسعى الأميركان إلى استثمار المنصّة الجديدة، والبدء بتسوية، يقوم بها كل المتدخلين في الشأن السوري، وليس بالضرورة أن تكون كما “جنيف 1” أو قرار مجلس الأمن 2254؟ وطبعاً لن يعيق تصريح بايدن البدء بذلك. ألم يكن الرؤساء الأميركيون وبايدن هذه المرّة شركاء في استمرار مأساة السوريين؟
المصدر: العربي الجديد