ما أصعب أن نعيش الماضي كأنه حاضر حي، وما أصعب أن يعيش الماضي فينا كأنه راهن طازج …؟!
أنا أرزح تحت وطأة جبل من الذكريات الأليمة، تجثم على رأسي وصدري وقلبي، ولا تتقادم بمرور الزمن ارتبطت كلها بحزيران , وأيامه الأولى , حتى أنني في كل عام ومع دخول حزيران اتوجس خوفا وقلقا من مفاجآته , وصرت أعاني مما يمكن تسميته بفوبيا حزيران !!
عشت أيام العدوان الإسرائيلي عام 1967 , اتذكرها ساعة بساعة ويوما بيوم , وأتذوق مرارتها وملوحتها في حلقي ولساني . كانت مدمرة لأماني واحلام فتى يافع غض العود ازدهرت في خياله طموحات أمة عظيمة , وملأته عنفوانا وكبرياء , ثم انهارت فجأة تحت وقع الهزيمة والشعور بالإحباط .
في ذلك الوقت صرت انام كل ليلة وأنا أمني النفس بأن أستيقظ صباحا على صوت المذيع يقرأ ( بيان عسكري ) يعلن سقوط نظام الخيانة في دمشق .. لازمني هذا الامل سنوات ثم انزاح تحت وطأة مشاعر أخرى .
أتذكر أيضا بنفس القوة والعمق والالم أيام الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي بدأ يوم 4 حزيران / يونيو عام 1982 وحصار بيروت وصولا الى اجتياح بيروت في منتصف سبتمبر من نفس العام . عشت تلك التجربة في بيروت يوما بيوم ولحظة بلحظة تحت القصف والنيران , وكنت في النهار أحمل قلمي وأحرر ما يمليه علي الواجب المهني , وفي المساء احمل كلاشينكوفي وأزور الخطوط الامامية قبالة البحر أو في مواجهة بيروت الشرقية واجالس المقاتلين المدافعين عن المدينة الباسلة , واستلهم منهم الشجاعة .
بقيت في بيروت حتى اكتوبر 1982 ثم غادرت لبنان .
أتذكر كيف هرب الجيش السوري من الجنوب ومن بيروت الى البقاع قبل بدء الغزو بيوم واحد في 3 حزيران , الأمر الذي يؤكد علمه المسبق به وبحدوده , وتواطؤه مع العدو , ولم يحذر المقاومة الفلسطينية به , بينما أرسل حسني مبارك مندوبا عنه الى قيادة منظمة التحرير في طائرة خاصة قبل يومين من الغزو ليبلغها بخطة الغزو علما أن العلاقات بين النظام المصري والمنظمة كانت مقطوعة منذ كامب ديفيد 1979 . أما ” بطل ” جبهة الصمود والتصدي حافظ الاسد فأخفى النبأ .
أتذكر ملاحم البطولة والصمود والمقاومة التي سطرها المقاتلون اللبنانيون والفلسطينيون دفاعا عن لبنان وبيروت , ومخازي الجبن التي أظهرتها القوات السورية , وخاصة اللواء 92 بقيادة العميد عمر حلال الذي تأخر في الهرب من بيروت فبقي فيها وحوصر داخلها , وكان مثالا مهينا للجبن والضعف .
واتذكر كيف خرج هذا اللواء فيما بعد ومر صاغرا تحت العلم الاسرائيلي عند صوفر وبحمدون !
أتذكر كيف خرج عرفات مرفوع الرأس من بيروت حاملا سلاحه وفضل أن يغادر عبر البحر لكي لا يذهب الى دمشق ويمنح حافظ الاسد شرف استقباله الذي لا يستحقه !
أتذكر مجزرة صبرا وشاتيلا التي تفرجت على جانب منها مباشرة وقت حدوثها .
أتذكر بيروت التي صمدت ثلاثة شهور ولم تقبل الاستسلام ورفض زعماؤها أن يتخلوا عن مساندة منظمة التحرير وعرفات . وأتذكر كيف عاد عرفات الى طرابلس بعد شهور ليقاتل قوات الاسد ببسالة وشجاعة .
ذكريات تختلط فيها البطولة والبسالة بالمهانة والنذالة , تختلط الخيانة والعار فيها بصور الصمود والتحدي والغار . كلها وقعت في حزيران أو بدأت فيه , وأتساءل ترى هل تعمد العدو أن يكون غزو 1967 وغزو لبنان 1982 في تاريخ واحد ..؟؟ أم هي مجرد مصادفة قدرية ..؟؟
المصدر: صفحة محمد خليفة على الفيسبوك
6/6/ 2018
ذكريات مناضل عروبي حول حزيرينيات، العدوان الإسرائيلي عام 1967، والغزو الصهي.وني للبنان حزيران 1982، متساءلاً هل تعمد العدو أن يكون غزو 1967 وغزو لبنان 1982 في حزيران وبتاريخ واحد ..؟؟ أم هي مجرد مصادفة قدرية ..؟؟ الكيان الصهيوني يختار التواقيت لخدمة أجنداته وليست مصادفة قدرية. الله يرحمه ويغفر له ويسكنه الفردوس الأعلى.