إليف شافاق روائية تركية متميزة، قرأنا أغلب رواياتها المترجمة للعربية وكتبنا عنها.
. شرف رواية تطال موضوعا مهما، يتعلق بمفهوم الشرف وارتباطه بالمرأة، وضمن جدلية علاقاتها الاجتماعية والمجتمعية، ومرجعياتها العقائدية، من دين وأعراف وتقاليد موغلة في القدم، وما تزال مستمرة للان بحدة أقل .
كما أن الرواية تطل على حياة ابطالها بصفتهم أفرادا لهم حياتهم وظروفهم وطموحاتهم ومشاعرهم الخاصة، بكونهم متشابكين مع الآخرين في العلاقات العائلية والاجتماعية والعمل وكل مناشط الحياة، وكأنهم كواكب في الكون الاجتماعي، يتحركوا وتربطهم كل ظروف الحياة ولكل مداره الخاص ومصيره ايضا.
.تبدأ الرواية من عائلة كردية تعيش على ضفاف الفرات في أواسط سبعينيات القرن الماضي، حيث الأسر الواسعة والاولاد الاكثر، أهمية أن تنجب المرأة لزوجها طفلا ذكرا يعزز مكانتها عند زوجها وأهله والمجتمع المحيط، لكن الأم هنا لا تلد الا الفتيات، فها هي في حملها السابع تلد توأما من البنات ايضا، تستاء من نفسها وتلوم حظها وتحاول ان تقسى على وليدتيها، لكنها ستحتضنهما وتعاني انها حرمت من ولادة الذكور وسلمت امرها لله. الطفلتين سميتا بمبي وجميلة هما توأم حقيقي التطابق في شكلهم شبه كامل، يتوه الكل بإظهار اختلافهم عن بعضهم، كبرت الفتاتان وسط العائلة واصبحتا في سن الزواج، وصادف أن جاء شاب اسمه آدم من اسطنبول إلى القرية لزيارة أخيه الذي يخدم العسكرية هنا، وتعرف على جميلة عند نبع الماء، وتواصل مع المختار صديق والده الذي طلب منه حضور حفل زواج في القرية ثم يعود لاسطنبول، سيشاهد جميلة مرة اخرى وفي احداها لا تتعرف عليه؛ وفي الحقيقة شاهد اختها بمبي الشبيهة بها، احب آدم جميلة وتوسط عند المختار ليخطبها له، وهكذا حصل لكن الأب رفض تزويج جميلة قبل بمبي لاعتبار أن جميلة هناك من يريدها قبله، لأن آدم أصر على الزواج، فقد أعطي اختها بمبي الشبيهة لها بكل شيء، بمبي ستقبل بقدرها وهي تعرف انها بديل وما يجمعها مع آدم الزواج وليس الحب، سيعود الى اسطنبول ويبني حياته مع زوجته بمبي. محمل آدم بتاريخ أسري مؤلم، فوالده كان يشرب الخمر ويعامل زوجته بشكل سيء، مما دفعها للهرب من المنزل مع رجل آخر، في أعماقه مسكون بعار ما فعلت أمه، وكذلك بمبي التي تعاني من مشكلة اختها الكبرى التي أحبت أحدهم كان يخدم الجيش في بلدتهم وهربت معه إلى إسطنبول، لكنه لم يستطع اقناع اهله بالزواج منها، وتركها لمصيرها، وعادت إلى القرية تحمل عارها، ولان لا أخ لها يغسل عاره ويقتلها، ولان والدها يحبها ويشفق عليها، ترك الأمر لزوجته الجديدة التي تزوجها بعد موت امهم، واقنعت الفتاة أن تقتل نفسها شنقا، وهكذا حصل، وانطبع ذلك في ذاكرة بمبي وجميلة على صغرهم. في استنبول عمل آدم وأنجبت له زوجته وثلاثة أولاد اسكندر وأسماء ويونس الصغير، وبعد فترة من الزمن غادر آدم والعائلة الى بريطانيا بحثا عن فرصة عمل افضل، سارت الحياة بشكل روتيني، اسكندر كبر على دلال العائلة فهو البكر و ضمان المستقبل، سيكبر ويعيش علاقات مفتوحة وسيكون له صديقه، اما اسماء فهي تهتم بنفسها وتقرر أن تصنع لها مستقبلا متميزا، ويونس الصغير يتابع شباب الهيبز ويحتك بهم -على صغره- ويحب فتاة منهم، حب أقرب إلى حب الابن لأمه منه للحب بين رجل وامرأة، الام بمبي تستهلك حياتها في شؤون البيت، والحياة لا تستمر هكذا دون مشاكل وعقبات، سيدخل آدم في دوامة شرب الكحول ولعب القمار، وسيتعرف على إحداهن ممن تعمل في الملهى الليلي وتصبح عشيقته، وسرعان ما يهمل بيته، و يغادره نهائيا ويعيش مع عشيقته، ستصبح الحياة أكثر مشقة على بمبي أولادها الذين يتعلمون و يحتاجون لمصاريف حياتية إضافة لمصاريف المنزل، وسرعان ما تبدأ بمبي بالبحث عن عمل وتجده تعمل وتتعب لتعول أولادها، وتمر الايام و بمبي ستتعرف على الياس الطباخ ذو الأصل اللبناني والذي مر بحياة قاسية أيضا، فمن صاحب مطعم لعامل فيه، بعد أن طردته زوجته من مطعمه الذي سجله باسمها، سيجد الياس و بمبي كل منهما نفسه وحاجته بالآخر و تتوطد علاقتهما، ويمر وقت ويعرف اسكندر بأمر أمه ويخبر والده، الذي لا يشجعه على أي إساءة لأمه، فهو نفسه تركهم وتابع عشيقته التي تعمل في ملهى ليلي، ويلجأ اسكندر لعمه طارق الذي كان قد قدم الى لندن حديثا، والذي قرضه مبلغا من المال ليدفع تكلفة اجهاض صديقته الحامل منه، لان حملها مبكرا وهي لازالت تلميذه، عمه سيشجعه على معاقبة امه التي دنست شرفهم ووصمتهم بالعار، سيخطط اسكندر لعمله وسيتابع وضع أمه ويراقبها مع صديقها الياس، ثم سيقتلها طعنا بالسكين ويسلم نفسه للشرطة ويحكم بالسجن خمسة عشر عاما ويقضيها كامله، ستذهب اسماء ابنة بمبي واخت اسكندر الى الياس صديق والدتها وتخبره عن قتل امها وتطلب منهم ان يبتعد عن طريقهم، الحياة تستمر، الاب آدم يتأثر بما حصل ويحمل نفسه بعض المسؤولية، فلو انه كان يتابع امر عائلته لما حصل ما حصل، وستذهب عشيقته للعمل في ابو ظبي، وسرعان ما يحصل على عقد عمل هناك ويلحقها، ويتورط مجددا بلعب القمار وقساوة الحياة واحساسه بالفشل والضياع ومسؤوليته عما آلت اليه حياة اسرته، وفي لحظة تأنيب ضمير ينتحر راميا نفسه من بناء طابقي بإرتفاع مئات الأمتار. اما اسكندر وعبر سنوات سجنه المتتالية، متأثرا ببعض العلاقات داخل السجن، يدرك خطأه ويؤنبه ضميره، لكن أمه قد ماتت وهو قتلها. اما اخته فقد تزوجت وأنجبت طفلتين، وأخاه يونس أصبح موسيقيا مشهورا يبني مجده. وما قبل خروجه من السجن جاءت له اخته واخبرته ان امه لم يمت وأنه مطلوب منه أن يحترمها وأن لا يسيء لها، تفاجأ وعلم ان من قتله كانت خالته جميلة التي جاءت لزيارة أختها بمبي، ولانه لم يميزها عن اختها أمه، فقد هاجمها في الشارع وقتلها. وحزنت امه على اختها، وبعثت ابنتها أسماء للقاء حبيبها الياس واخبرته عن موتها هي لتنهي اي ارتباط به، وقررت أن تعود إلى بلدتها على ضفاف الفرات لتكمل حياة جميلة، ومرضت قبل خروج اسكندر من السجن بأشهر وماتت. سيخرج اسكندر من السجن ليجد ان الكل سبقه في ميدان الحياة وأنه يحمل وزر قتل امه او خالته.
.وفي قراءة الرواية نقول : اننا امام عمل رائع لإليف شافاق مجددا، فهي على عادتها لا تعمل على سرد الحكاية فقط؛ بمقدار ما تغوص عميقا في النفس البشرية وبعدها الاجتماعي والوجداني والعقلي والاعتقادي. فكل شخوص روايتها ابطال، ولكل عالمه الممتلئ، و بحثه المضني عن المعنى والوجود، الكل منهمك بالحياة حسب فهمه لها بعقده وطموحاته، بتقصيره واجتهاده، وتصوراته للوجود والكون، بخلفياته المجتمعية، بعاداته وتقاليده، ومنها موضوع الشرف والعار، ودونية المرأة، والتناقض السلوكي بين مايفعل الرجل مبيحا لنفسه الخطأ، وما يرفضه لامه او اخته، ويصدق نفسه –كإنسان- بأنه حامي الشرف ورفضا للعار، ورغم أن هذا جانب فرعي في الشخصية والشخصيات كلها في الرواية، لكنه يضعنا أمام تساؤل كيفية فهمنا للحياة وأمانة عيشها ومسؤولية هذا العيش وكيفيته.
.إنها مسؤولية ان تكون انسان تحمل شرف الإنسانية اصلا، منتصرا بالسلوك، للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والحياة الأفضل، لك ولكل الناس.
١٢ . ٣ . ٢٠٢٣م.
رواية: شرف” للروائية التركية “إليف شافاق” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تتطرق لموضوع مهم يتعلق بمفهوم الشرف وارتباطه بالمرأة، وضمن جدلية علاقاتها الاجتماعية والمجتمعية، ومرجعياتها العقائدية، من دين وأعراف وتقاليد موغلة في القدم، وما تزال مستمرة للان بحدة أقل .