استهداف الحرس الثوري شرقي سورية: لجم محاولات تثبيت النفوذ

أمين العاصي

لا يكاد يمر أسبوع من دون حصول غارات جوية يُعتقد أنها إسرائيلية أو من “التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب” على مواقع للحرس الثوري الإيراني في الشرق السوري، بما يُعتبر رسائل واضحة للإيرانيين، مفادها أن نشاطهم المكثف في سورية سيبقى في دائرة الاستهداف الدائم. في المقابل، تواصل طهران تعزيز وجودها العسكري، من خلال استقدام تعزيزات عسكرية ولوجستية إلى قواعدها ونقاط تمركزها في ريف دير الزور الشرقي، المتاخم للحدود السورية العراقية. ونقلت وكالة “الأناضول” التركية عن مصادر محلية قولها، أول من أمس السبت، إنّ 35 مسلحاً بينهم قياديان، قُتلوا يوم الجمعة، جرّاء “استهداف طيران مجهول الهوية رتلاً من مجموعات إرهابية تابعة لإيران شرقي سورية”، ونقلت عن مصادر محلية قولها إن “طائرات مجهولة الهوية استهدفت الرتل على الجانب السوري من الحدود السورية العراقية، بالقرب من مدينة البوكمال في محافظة دير الزور”. وجاءت الغارات بعد أيام من توقيع النظام السوري اتفاقية شاملة للتعاون العسكري مع إيران.

وأفادت وكالة “تسنيم” الإيرانية، أمس الأحد، بتشييع جثمان المقاتل الإيراني إبراهيم آسمي، في محافظة ألبرز غربي طهران، مشيرة إلى أنه “كان قد أصيب قبل فترة في منطقة البوكمال السورية”، من دون أن تكشف عن المزيد من التفاصيل. وقالت الوكالة إن آسمي توفي يوم الثلاثاء الماضي. وأضافت أن آسمي البالغ من العمر 29 عاما كان أحد أفراد قوات “الباسيج” في فرقة “سيد الشهداء” العاشرة قبل أن يذهب إلى سورية.

مع العلم أن واشنطن قدمت لرئيس النظام بشار الأسد في الشهر الماضي، ما سمته “طريقة للخروج من هذه الأزمة”، حتى أن المبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري أفاد بأن “واشنطن تريد عملية سياسية من الممكن ألا تقود إلى تغيير للنظام، فهي تطالب بتغيير سلوكه وعدم تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية، وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة”. في موازاة ذلك، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، أمس الأحد، دخول تعزيزات عسكرية ولوجستية جديدة، تابعة لـ”الحشد الشعبي” نحو مناطق نفوذ القوات الإيرانية في البوكمال بريف دير الزور الشرقي. وأشار إلى أن التعزيزات تضم عناصر وآليات ومواد لوجستية قادمة من العراق.

ومنذ عام 2017، نشر الحرس الثوري مليشيات عدة في ريف دير الزور الشرقي، جنوبي نهر الفرات، على طول 70 كيلومتراً من مدينة الميادين الى البوكمال على الحدود السورية العراقية، منها “فاطميون”، و”زينبيون”، و”حيدريون”، بالإضافة إلى قوات تابعة لحزب الله اللبناني، ومليشيات عراقية تابعة لـ”الحشد الشعبي”، منها “عصائب أهل الحق” و”حركة النجباء”. وباتت هذه المليشيات هدفاً دائماً للطيران الإسرائيلي والتحالف الدولي، مع تعرّضها أسبوعياً لغارات عدة، آخرها في 27 يونيو/حزيران الماضي، حين شنت طائرات من المرجح أنها إسرائيلية غارتين على ميلشيات إيرانية قرب قرية العباس وفي بادية بلدة صبيخان التابعة للبوكمال. وذكر المرصد السوري في حينه أنه قُتل 15 شخصاً على الأقلّ، بينهم 4 سوريين في الغارات، مشيراً إلى أن المليشيات الإيرانية استنفرت عقب الضربتين، وبدأت عمليات إعادة انتشار وتحصين، واعتقلت عناصر منها بتهمة التخابر والتعامل مع إسرائيل. مع العلم أن الغارتين حصلتا وقتها بعد ساعات قليلة من إعلان الإيرانيين عن زيارة قام بها قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري، إسماعيل قاآني للشرق السوري.

وتولي إيران شرقي سورية أهمية خاصة في استراتيجية بدأتها منذ عام 2011، مع انطلاق الثورة السورية، هدفها المعلن توسيع دائرة نفوذها من خلال خلق وقائع ميدانية من الصعب تجاوزها. وفي هذا الصدد، تعمل طهران على فتح ممر بري يبدأ من الأراضي الإيرانية ويمر في العراق وسورية ليصل إلى سواحل البحر المتوسط، وهو ما تحاول تل أبيب وواشنطن عرقلته من خلال الغارات.

وسبق لوزارة الدفاع الإيرانية أن أقامت في أواخر عام 2019 قاعدة كبرى في شرق سورية، هي “قاعدة الإمام علي” التي تعرّضت أكثر من مرة لقصف جوي إسرائيلي، وآخر من التحالف الدولي، دمّرها بشكل جزئي. غير أن المعطيات الميدانية أظهرت أن الإيرانيين ماضون في تجهيز هذه القاعدة، لتكون الكبرى لهم ضمن الأراضي السورية. وكانت وكالة “فوكس نيوز” الأميركية نشرت أواخر العام الماضي صوراً التقطتها الأقمار الصناعية للقاعدة المذكورة، مشيرة إلى أنه من المقرر أن تؤوي آلاف العناصر، كما يمكن إخفاء شاحنات وكميات كبيرة من المعدات العسكرية داخلها.

وتخطط طهران لوجود بعيد المدى في ريف دير الزور الشرقي، لا يقتصر على نواح عسكرية فقط، بل تنشط اجتماعياً أيضاً، دينياً وثقافياً واقتصادياً. كما تُجبر المليشيات الإيرانية شبان المنطقة الذين لم يستطيعوا النزوح منها على الانتساب إليها، بحسب مصادر مطلعة، تضيف أن المليشيات تشترط أيضاً على العائلات الراغبة في العودة إلى منازلها، تجنيد أبنائها في المليشيات، براتب يعادل الـ200 دولار شهرياً. كما افتتح الإيرانيون مدارس لتعليم اللغة الفارسية في البوكمال.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى