اعتدال نجيب الشوفي روائية سورية متميزة، هذيان الامكنة روايتها الأولى التي اقرأها لها،
التي حازت على جائزة كتارا لعام ٢٠٢١م. والتي تتحدث عن سورية بعد مضي سبع سنوات على الثورة السورية. حيث تعتمد الرواية لغة المتكلم على لسان الشخصيتين المحوريّتين فيها يوسف ويافا بالتعاقب في فصول الرواية ومقاطعها…
تبدأ الرواية عندما استطاع يوسف الشاب السوري الذي يعمل في إحدى منظمات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة والتي بموجب عمله بها أن يحصل على إذن مرور على الحواجز الكثيرة في المناطق المنكوبة والمدمرة في ضواحي دمشق…
امكنه ان يتوجه الى حيث كان يسكن، وقد ظهر بعد ذلك أن المنطقة المقصودة هي داريا. حيث لم يكن يسمح له أو لغيره الوصول إليها، لولا حصوله على ذلك التصريح ليقوم مع زميل له لبناني يتبعان لمنظمة الدولية، حتى يوثقوا واقع الدمار وما حصل في هذه الاحياء من اجل اعادة الاعمار…
يوسف الشاب السوري الذي كان قد جاءه خبر من والده في بداية الأحداث قبل سنوات أن يسارع بأخذ أهم وثائقهم الشخصية ومغادرة البيت مع امه واخوته. لكنه لم يلحق ذلك فقد جاء ملثمون، لا يعرف هل من النظام أم من الشبيحة التابعين له او من الجماعات المسلحة التي توالدت مع سنوات الثورة السورية، وقد يكون قذيفة جاءت وقتلت العائلة كلها وهو فرّ هاربا ناجيا بروحه…
هرب الى بيت جده حيث يتواجد في المناطق الهادئة في مدينة دمشق. وهناك علم بما أصاب العائلة وانهم قتلوا جميعا. وزاد من معاناة يوسف علمه بمقتل والده الضابط في الجيش الذي كان متمركزا في جبل قاسيون، في ذات وقت مقتل عائلته، وأن من قتله قصف المجموعات المسلحة، ثم تبين بعد ذلك احتمال أن يكون ضحية قصف اسرائيلي على موقعه العسكري..؟.
عاش يوسف عند جدّه، ومن ثم بدأ يعمل في الجمعيات الاغاثية الدولية المتعاونة مع الهلال الأحمر السوري…
لقد كان لعودته إلى منزله الذي وجده مهدما منهوبة اغراضه اثرا كبيرا في نفسه. هناك شاهد بالياسمينة المعرشة بينهم وبين بيت جيرانهم الفلسطينيين، عائلة يافا التي تماثله بالسن، والتي كان يكن لها حبا غير مصرح به. عادت إليه كل ذكريات طفولته وبداية مراهقته، وفكر أين يافا الآن؟، وأين عائلتها ؟…
عندما تجول في المنطقة المنكوبة ووثق وزميله ما رأوا. التقوا بالصدفة بعد خروجهم بوالد يافا الذي كان قد اعتقل اول الاحداث وافرج عنه بعد سنوات، لقد كان من المعارضين للنظام منذ الثمانينات من القرن الماضي. علم منه واقع عائلة والد يافا وانهم قتلوا جميعا ايضا ولم تسلم إلا يافا وذهبت الى لبنان لتعيش مع جدتها اللبنانية. يافا الفلسطينية والدها فلسطيني لاجئ عاش في الجنوب ثم تهجر الى بيروت وتزوج فتاة مسيحية. وبعد ذلك انتقل الى سورية عندما زاد الضغط على الفلسطينيين ايام الحرب الاهلية اللبنانية…
عاد إلى يوسف الأمل بالتواصل مع يافا واحياء حب في نفسه لم يمت. لكن التواصل بين سورية ولبنان كان صعبا جدا. واي ذهاب من سورية الى لبنان وأي مجيء من لبنان الى سورية يحتاج الى موافقات أمنية. وحصلت الفرصة عندما جاءت يافا مع صديقتها فاطمة اللبنانية التي جاءت مع وفد ايراني للمشاركة في معرض دمشق الدولي. الذي تم إعادة فتحه سنويا لاظهار ان الوضع في سورية قد تحسن، حتى تأتي الشركات الأجنبية وتستثمر في سورية…
الايرانيون موجودون بقوة وكثافة في سورية، حاضرين بطقوسهم العبادية ومشاريعهم. وحتى ان بعضهم ظهر أنه كان يقوم بأدوار استخبارية وتفجيرات وغير ذلك…
التقى يوسف ويافا وأعادوا وصل الحب الذي انقطع. واستمر يوسف يعمل في منظّمته التي لم تعتمد التقرير الذي اعدوه. بل تقريرا آخر مقرر سلفا من الجهات المعنية. ؟!…
لقد عمل يوسف ويافا ليستمروا بدورهم الإغاثي في دمشق خاصة في مراكز الإيواء، حيث فتحت المدارس والحدائق وغيرهم لاستقبال السوريين الهاربين بأرواحهم، من مناطق الصراع حيث القتال والتدمير والنزوح الجماعي. لقد توسعوا بمساعدة والد يافا وصديق له أن يطوروا أعمالهم في مراكز الإيواء من الاغاثة الى التعليم إلى تدريب الأطفال وتأمين حاجاتهم والاهتمام بمواهبهم…
استمر ذلك لسنين. وتتوج بزواج يوسف المسلم السوري من يافا الفلسطينية أمها المسيحية ووالدها المسلم. برضى ما تبقى من عائلتيهما. وأنجبت يافا طفلتها التي اسمتها رحمة على اسم جدتها ووفاء لها…
تنتهي الرواية بعد سنوات عندما تستقر يافا وابنتها رحمة التي كبرت خارج سورية . وكانت قد طبعت ديوان شعر كتبته. ورواية كتبها يوسف وتنتظر أن يأتي للتوقيع عليه. لكن يوسف ووالد يافا وصديقه مازالوا يقومون بدورهم بترميم الحالة الانسانية في سورية والخدمة المجتمعية قدر الإمكان…
في التعقيب على الرواية اقول:
إن ما يفتقده قارئ الرواية التي غاصت في تفاصيل حياة ابطالها. هو عدم وضوح من صانع “الحرب” في سورية وكيف حصلت ومن حولها من الربيع السوري السلمي الى مأساة لا مثيل لها…
نعم بعد سبع سنوات من الثورة السورية، نعم الثورة السورية، لم تحدد الرواية من صانع المقتلة السورية. أن تجهيل الفاعل يعني أن الكل سواء. أصبح المتظاهرين والجيش الحر والجماعات الإسلامية المسلحة والنصرة وداعش والنظام كلهم مثل بعضهم وكلهم مشاركين في المقتلة السورية…
لا ليس صحيحا هذا وإن التورية عن الحقيقة حتى في رواية هو شكل من أشكال التزييف للتاريخ. وهذا ظلم للشعب السوري الضحية…
إن النظام السوري لم يتقبل الربيع السوري وبذلك شرّع قتل السوريين المتظاهرين واهلهم واحياءهم و مدنهم وبلداتهم بحيث اصبح عدد الضحايا حوالي المليون والمعتقلين مثلهم وذلك المصابين والمعاقين. وتشرد ١٣ مليون سوري داخل وخارج سورية. مات الكثير منهم في البحر أثناء لجوئهم إلى أوروبا، وتعرض الكثير منهم ومازال الى اسوأ ظروف العيش اللاانساني. إن النظام المسبب الاول. وهو من استدعى عنف الجيش الحر واستحضر القاعدة وداعش واستخدمهم ضد الشعب في كثير من المواقع ومنها السويداء حيث قاموا بمذبحة ضد أهلنا هناك…
نعم دخلت كل الدنيا في الحرب السورية التي حولها النظام إلى حرب. كل يبحث عن مصلحته على حساب الدم السوري. دخلت إيران وميليشياتها الطائفية حزب الله وغيره كمستعمرين ومبشرين دينيين ومستوطنين ايضا. ودخلت روسيا التي دمرت أغلب سورية وآلتها العسكرية الجبارة، ودخلت امريكا لتأخذ من الكعكة السورية مناطق شرق الفرات وشمال شرق سورية حيث النفط والغاز، وتعطي الضوء الأخضر لحزب العمال الكردستاني لبناء كيانه الانفصالي بتسمية قوات سورية الديمقراطية أو قوات حماية الشعب الكردي…
لقد تحولت سورية إلى بلاد مقسمة ومستعمرة فقيرة وعاجزة عن الطعام من بقي من أبنائها…
توضح الرواية تهافت الناس الباقين في سورية على مراكز الحوالات المالية التي يرسلها أولادهم الهاربين من الموت عند النظام السوري. لاهلهم ليستطيعوا الاستمرار بالحياة بحدها الأدنى…
حاولت الرواية القول أن سوريا بعد سنوات من الثورة وبعد ان استتب الامر للنظام من خلال قوة ايران والميليشيات الطائفية وحزب الله وروسيا. وان هناك أمل بعودة الحياة الى دورتها الطبيعية ؟!…
لكن واقع الحال أن ذلك لم يحصل بل تفاقمت مأساة حياة أهلنا في الداخل السوري. مزيد من القمع والفقر وسوء الحال وفقدان الامل والأفق بحل قادم…
لذلك وبعد سنوات عن زمن الرواية. ثار أهلنا في السويداء على النظام. ليسوا طائفيين ولا متطرفين ولا عنفيين ولكنهم متشوقين ككل السوريين الى الحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل…
لا بد من قول كلمة حق بحق الرواية. إنها لو لم تكتب بهذه الصيغة والكاتبة اعتدال الشوفي في سورية في عام ٢٠٢١م وما قبل وتجاوزت وصرّحت بما كنّا نتمنى ان توضّحه الرواية. لما كانت مرت كرواية لتدخل في مسابقة روائية. وكانت حياة الكاتبة نفسها في خطر…
وما حصل مع كل السوريين في سوريا افضل مثال…
رواية “هذيان الأمكنة” للروائية السورية “إعتدال نجيب الشوفي” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب ” احمد العربي” تتحدث الرواية عن الشاب يوسف الذي بدأ العمل بالمنظمات الدولية وهو الذي غادر مدينته داريا لعند جده وعاد الى داريا بموجب التصاريح الممنوحة له كمندوب منظمات دولية ليشاهد الدمار الذي لحق بها.