تعتزم وحدات “حماية الشعب الكردية” إجراء انتخابات للمجالس المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرتها بحكم الأمر الواقع في شمال سوريا في 11 يونيو (حزيران). وستكون هذه أول انتخابات تُجريها المنظمة منذ إعلانها “الإدارة الذاتية” في عام 2013. بطبيعة الحال، فإن خطوة من هذا القبيل تُثير غضب تركيا أكثر من غيرها، لأنها تُظهر أن هاجسها من تأسيس دويلة كردية على حدودها الجنوبية تحت سيطرة حزب “العمال الكردستاني”، يُمكن أن يُصبح واقعاً في لحظة ما. لقد صمّمت أنقرة ثلاث عمليات عسكرية كبيرة من بين أربعة شنتها في سوريا منذ عام 2016 لتقويض المشروع الانفصالي. وبينما نجحت في تقطيع أوصال المناطق التي استولى عليها التنظيم بالقوة وبدعم أميركي بذريعة الحرب على تنظيم داعش، فإنها لم تتمكن من إنهاء الإدارة الذاتية أو القضاء تماماً على الخطر الذي تُشكله “الوحدات الكردية” عليها.
ومع أن الستاتيكو العسكري الذي أفرزته العمليات العسكرية التركية قوض قدرة الوحدات الكردية على الاحتفاظ بجميع الأراضي التي استولت عليها منذ اندلاع الحرب السورية، وأفشلت خططها لربط مناطق سيطرتها بين شرق الفرات وغربه، إلا أن محاولتها إضفاء مشروعية على “الإدارة الذاتية” من خلال الانتخابات تُظهر أن مخاطر المشروع الانفصالي تبقى قائمة طالما أن الوحدات لا تزال تحظى بالقوة العسكرية التي لديها وبالحماية الأميركية لها. حقيقة أن توقيت إجراء الانتخابات يتقاطع مع مجموعة من التحولات المُهمة مثل التقارب التركي العراقي، الذي يفسح المجال أمام أنقرة للتعاون مع بغداد في إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وانسداد أفق المسار التفاوضي الذي بدأ قبل نحو عام ونصف بين أنقرة ودمشق، والشكوك المحيطة بمستقبل الوجود العسكري الأميركي في سوريا، تُساعد في فهم أربعة دوافع للوحدات للقيام بهذه الخطوة رغم ما تنطوي عليه من مخاطر عليها.
يتمثل الدافع الأول بمحاولة إضفاء مشروعية على “الإدارة الذاتية” وجذب الاهتمام والتعاطف الغربي كخطوة استباقية لأي تحرك عسكري جديد ضدّها في المستقبل بعد العملية التي تنوي أنقرة القيام بها في شمال العراق هذا الصيف. أما الدافع الثاني فهو الاستفادة من الانسداد في المسار التفاوضي بين أنقرة والنظام من أجل تعزيز فرض “الإدارة الذاتية” كأمر واقع، حيث تُراهن الوحدات على أن العقبات الكبيرة التي تواجه هذا المسار، مثل مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا والصراع السوري نفسه، تقوض قدرة أنقرة ودمشق على القيام بتحرك عسكري مشترك ضدّها. ثالثاً، الاستفادة من المعارضة الروسية والأميركية المزدوجة لأي عملية عسكرية تركية في شرق الفرات لتصعيد صراعها مع تركيا لأنها تعتقد أن هذه المعارضة تُكبل قدرة أنقرة على ممارسة مزيد من الضغط العسكري عليها. ورابعاً، الاستفادة من الغطاء الأميركي لتعزيز واقع “الإدارة الذاتية” كخطوة استباقية لأي تحول جذري محتمل في السياسة الأميركية في سوريا في المستقبل، خصوصاً مع احتمالية عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
ومن الواضح أن هذه الظروف المؤثرة في ديناميكيات الصراع التركي مع الوحدات الكردية تخدم الأخيرة جزئياً، لكنّ تصعيد رهاناتها من خلال المغامرة بخطوة إجراء الانتخابات ينطوي على مخاطر كبيرة عليها. فمن جانب، ستُعطي هذه الخطوة مُحفّزاً قوياً آخر لتركيا لشن عملية عسكرية كبيرة ضد المنظمة بمعزل عن المواقف الإقليمية والدولية منها. وتجارب العمليات العسكرية التي شنتها في سوريا رغم معارضة الولايات المتحدة لها وفي بعض الأحيان روسيا، تُشير إلى أن أنقرة لن تتردد في القيام بعمليات أخرى عندما تستشعر المخاطر، ولا يبدو من الحكمة أبداً اختبار عزيمة تركيا بهذا الخصوص. ومن جانب آخر، ستخلق خطوة الانتخابات حافزاً قوياً لأنقرة ودمشق لإيجاد أرضية مشتركة تُمكنهما من التعاون ضد الوحدات الكردية على اعتبار أن حالتها أصبحت تُشكل تهديداً فعلياً لوحدة الأراضي السورية.
يُضاف إلى ذلك، أن التحرك الأحادي للوحدات سيؤدي إلى تقويض قدرة التناقضات في التفاعلات بين تركيا وكل من النظام وروسيا وإيران على تعقيد فرص التعاون بين هذه الأطراف ضد الحالة الانفصالية. وإذا كانت الولايات المتحدة شجّعت الوحدات الكردية على القيام بهذه الخطوة، فإنها ستترك آثاراً سلبية قوية على العلاقات التركية الأميركية بينما تسعى أنقرة وواشنطن لإعادة ضبط هذه العلاقات. لن تكون لخطوة الانتخابات أي آثار فعلية قوية على الحالة الكردية في شمال سوريا باستثناء أنها ستعمل على تحفيز القوى الفاعلة في هذه القضية مثل النظام وتركيا وروسيا وإيران على التركيز على هدف خنق المشروع الانفصالي ورفع التكاليف على الوجود العسكري الأميركي في سوريا.
المصدر: تلفزيون سوريا
هل ديناميكيات الصراع التركي مع الوحدات الكردية تخدم مسد/قسد؟ لأن التحرك الأحادي لـ مسد/قسد سؤدي لتقويض التناقضات بين تركيا وكل من النظام وروسيا وإيران للتعاون ضد الحالة الانفصالية التي تسعى اليها، ومحاولة لإضفاء مشروعية على إدارتها لجذب اهتمام وتعاطف الأنظمة الغربية كخطوة استباقية لأي تحرك عسكري تركي جديد.