تهافت الغزالي هو الكتاب الأول الذي أقرأه للدكتور عبد الكريم المويل. والكتاب مهم في موضوعه، لِما للغزالي من تأثير وحضور في الفكر الإسلامي قديما وإلى الآن، كما أنه يمس ما نعيشه في السنوات الأخيرة من استعادة عقلية التكفير والإقصاء وتبرير هدر دم المختلف دينيا او سياسيا او مذهبيا أو بالتوجه والتفسير، وما عنى ذلك من حصول قتل معمم يتستر بأفكار ورؤى الكثير من المفكرين الاسلاميين السابقين والمعاصرين والغزالي من أهمهم.
يبدأ الكاتب من التأكيد على ضرورة الدين في حياة الناس، سواء للإجابة عن السؤال الوجودي من أين أتينا؟ وإلى أين نذهب؟ الكون والخالق..الخ. كذلك الحاجة الذاتية لكل إنسان أن يطمئن لإيمان ما، ويعيش متوازن نفسيا ويمارس دينا يؤمن به ويرتاح من خلاله ويراه منهجه في الدنيا وطريقه للنجاة في الآخرة.
كما يقدم شرحا حول الدين بصفته معطى ثابت ومحدد من مصدره الإلهي و الأنبياء، وبين فهم الناس للدين وتفسيره، حيث تتعدد الرؤى وقد تتناقض وتتصارع.
ثم ينتقل الكاتب إلى مبرر الحديث عن الغزالي تحديدا، منطلقا من مأزق نعيشه في عصرنا وذاد إلحاحه وعبئه في أيامنا هذه؛ أنها قضية التكفير و تبعياتها من تبرير هدر دم المختلف والصراع الديني والدخول في حروب الإفناء المتبادل، حيث أن الغزالي كان أحد اهم المفكرين الاسلاميين المعتمدين كمرجع لهذا الفهم للدين الاسلامي. كما أن الغزالي مرجعا في قبول الحاكم المتغلب، وإن ظلم وطغى وأضرّ بالمسلمين، ورفض الثورة عليه؛ درء للفتنة التي يراها اسوأ من ظلم الحاكم.
كما تحدث الكاتب حول الفرق والمذاهب الاسلامية التي توالدت منذ الإسلام الأول بعد وفاة الرسول ص من سنة وشيعة وخوارج وغيرها كثير، والتي توسعت وتكاثرت عبر التاريخ للآن، للكل مبرراتهم السياسية والمجتمعية، وأغلبهم أكد شرعيتهم من خلال أحاديث عن الرسول ص، أغلبها موضوع ويخدم الحالة التي تريدها تلك الفرقة أو الطائفة أو المذهب. طبعا لانهم لم يستطيعوا أن يعتمدوا على القرآن الثابت نصا والذي لم يناله التحوير، وإن اعتمدوا على التأويل له ليبرروا مواقفهم ومذاهبهم السياسية والدينية. وأكد الكاتب أن المصدر السياسي لكل الفرق والصراعات أنها صراعات مصالح وعلى الحكم.
ينتقل الكاتب بعد ذلك للحديث عن الغزالي ذاته عصره وزمانه ودوره؛ حيث وجد في العصر العباسي زمن الخليفة المستظهر بالله وكان أحد أهم فقهائه، وكان الصراع بين العباسيين وعاصمتهم بغداد -الذين ضعف حكمهم – بمواجهة الفاطميين الممتدة دولتهم من المغرب العربي إلى بلاد الشام، وكانت كتبه التي ركز الكاتب الحديث عنها، مركزة الاهتمام على ذلك العصر؛ في كتاب إحياء علوم الدين أراد الغزالي أن يقنن الاسلام من خلاله، فيكون مهادنا مسلّما للحاكم المتغلب وإن كان ظالما، ويروّج لإسلام صوفي منعزل عن العالم ومتقبل لكل ما يعيش الإنسان، ومعتمدا على الخوارق والأحلام والشطحات الدينية والغيبية وتغييب العقل بالكامل، بحيث يكون المسلم مسلّما لكل ما يعيش من ظلم ومآسي وكذلك للحاكم ممثل الله على الارض. أما الكتاب الاخر فهو تهافت الفلاسفة، والثالث هو فضائح الباطنية، حيث سنفصل الحديث عنهم في سياق القراءة هذه.
١- كتاب إحياء علوم الدين:
أول الكتب التي يحللها الكاتب مع ظروف كتابتها هو كتاب إحياء علوم الدين؛ حيث يقسمه الغزالي إلى أربعة أقسام:العبادات والعادات و المنجيات والمهلكات، حيث أعاد الغزالي قراءة الاسلام كاملا وفق رؤيته الشخصية، وكان للكتاب أثرا كبيرا في رجال الدين في زمانه وما تلاه، الى درجة قال عنه النووي:/كاد الإحياء (يقصد كتاب إحياء علوم الدين) أن يكون قرآنا/. أعاد الغزالي قراءة الحدث التاريخي الديني كاملا بحيث يؤسس لما رآه هو معبرا عن حقيقة الإسلام، أعاد الحديث عن نشأة الإسلام وعن تشكل الفرق الإسلامية من سنة وشيعة وخوارج وما تناسل بعدهم من فرق وتكاثر. كما أسس لحضور التصوف والكشف في الاسلام وأكد على عجز العقل عن أن يقدم الاجوبة المتعلقة بالدين والكون والوحي والايمان. كما اعتمد على الأحاديث الموضوعة ليثبت ما رآه، وما هو متناقض مع جوهر الإسلام وحقيقته. وقسّم العلم الديني الى علم معاملة وهو ما جاء للرسول ص وبُلّغ عنه، وعلم المكاشفة الذي يخص به الله المتصوفة من حقائق ووجدانيات. ويؤكد على أن مصدر التدين الحقيقي يأتي للصوفي ويحصله التلميذ عن شيوخه المتصوفة بالاتباع، فالدين بمذهبه شيخ ومريد واتباع اعمى. كما صنّف الغزالي العقل على أنه قوة ادراكية تتبع القلب الذي يسكن فيه الايمان والهداية والكشف. كما كان له شطحات في الحديث عن الجن والشيطان وتجسيد الملائكة مثل أنكر ونكير، كما اشاع أحاديث تتناقض مع أصول الإسلام وما جاء بها نصوص قطعية في القرآن الكريم، عن الزنا الغصب وكشف وجه المزني بها او تغطيته كونه حلالا او حراما ؟!!. كما تحدث عن ضرورة وجود المحتسب وهو القيّم على التأكد من تنفيذ الأوامر الدينية على المسلمين، يعني شرطة دينية تكون مطلقة اليد الى درجة ايقاع العقوبة الجسدية، وهذا يناقض أصلا بالدين: لا إكراه في الدين. كما يؤسس للتسليم المطلق للحاكم المتغلب، وإن أساء إلى الناس وظلم العباد، وأن الله لو أراد غيره ؟!!. كثيرة هي شطحات الغزالي مثل تبعية المريد لشيخه بالمطلق، عدم السؤال للشيخ وانتظار ما يقوله وعدم مراجعته به، مدح الفقر والجوع والتقشف، ذم الشهوات البطن والفرج ( الجنس)، نهى عن الزواج، تقييم صراع الصحابة في أول الإسلام بعد وفاة النبي والحكم أنهم في النار. الخوض في تفاصيل الصغائر بما فيها البول والبراز… الخ ؟!!.
٢- كتاب تهافت الفلاسفة:
قبل الحديث عن كتاب تهافت الفلاسفة، لا بد من الحديث عن الظروف التي دفعت لكتابة الكتاب.
كان لوفاة الرسول ص وعدم وجود تبليغ يقيني متفق عليه بين أصحابه، حول من يخلفه في قيادة المسلمين ؟. جعل الرؤى والمواقف تختلف وتتنوع وتتشعب وتتصارع فيما بعد، حيث يريد الكل إثبات شرعيته الدينية وأحقيته بحكم المسلمين، لذلك تبلورت مذاهب اسلامية، أهمها السنة والشيعة والخوارج، ثم تشعب عن هذه الكثير من الفرق والرؤى وهي مستمرة للعصر الحديث. كان السنة أقرب لفكرة الاختيار من الصحابة على زمن الخلفاء الراشدين ثم أصبحت تقبل أن يكون الحكم للمتغلب زمن الأمويين وما بعد، اما الشيعة فقد قالوا بأحقية علي بن أبي طالب ونسله بعده بالخلافة واعادوا ذلك الى تفسير بعض آيات القرآن، أو من تعميم بعض الأحاديث التي تنسب للرسول بأحقية أهل البيت بالخلافة، و نشأة الخوارج الذين رفضوا التحكيم بين علي ومعاوية، ومن نتائج ذلك أنهم حاربوا الطرفين، وادى ذلك لقتل علي على يد أحد أتباعهم، ومن ثم تثبيت حكم معاوية وبني امية بعده، وبعد ذلك العباسيين. ومن جملة التطورات بالرؤى الدينية نشأت مدرسة المعتزلة الفكرية التي تأخذ بالنظر العقلي وترى مبادئ الحكم الإسلامي للأكفأ وتعتمد الشورى بالإختيار ولا تقف عند شرط القرشية، وتؤمن بالعدل والتوحيد والنظر في نواميس الكون، وكانوا النواة التي تطورت لتوالد الفلاسفة الذين كان أغلبهم ممن يهتم بالطب أو علوم الفلك أو الرياضيات.. الخ. لذلك كان عصر المأمون والواثق وغيرهم قد أخذ بالرؤى الدينية للمعتزلة واضطّهد المختلفين وتوسع بالترجمة والبحث العلمي والاختراعات التي كانت سبّاقة في زمانها. كل ذلك حصل إلى أن حكم الخليفة المستظهر بالله، كان مناقضا لرؤى الفلاسفة والمعتزلة وبدأ في اضطهادهم والعمل على تكفيرهم و إدانتهم، وحصل تراجع عن الترجمة والبحث العلمي وطالب العلماء والدعاة بالتوبة والتنكر لفكر المعتزلة والفلاسفة، حرقت كتبهم واودع اغلب دعاتهم السجن، وكان لابد من طروحات فكرية مناقضة لرؤيا المعتزلة والفلاسفة ، تؤسس لتوجهات اسلامية مختلفة، كان الغزالي الفقيه المعتمد من الخليفة المستظهر بالله، كلفه بكتابة كتاب يفنّد به المعتزلة والفلاسفة ويكفرهم. هذا الظرف الذي ولد به كتاب تهافت الفلاسفة. الذي أعلن كفر الفلاسفة والتفلسف، خاصة الفارابي وإبن سينا، والاهم في حربه تلك على الفلاسفة، ليس قوة حجّته الفكرية والدينية بل كونها اقترنت في حرب على المعتزلة والفلاسفة والكتب والدعوة والعقل بشكل كامل، وكانت طروحات الغزالي تلك بداية عصر مظلم في التاريخ الإسلامي حيث توحد الفكر الإسلامي التقليدي مع الفكر الصوفي وتم إقصاء العقل وما ينتج عنه من علم وبحث وتقدم في مجتمعاتنا الاسلامية إلى يومنا هذا. رغم أن العقل الفقهي والفلسفي الإسلامي لم يسكت عن الغزالي وكتب ردودا كثيرة عليه أهمها كتاب الفيلسوف ابن رشد كتاب تهافت التهافت مفندا كتاب الغزالي.
٣- فضائح الباطنية:
درس الكاتب الأسباب التي دفعت الغزالي لكتابة فضائح الباطنية، وهي ذات الأسباب التي كتب لأجلها كتاب تهافت الفلاسفة وإحياء علوم الدين، وهي إيجاد مشروعية لحكم الخليفة المستظهر بالله ومحاربة أعدائه ضد الفاطميين كخلافة اخرى تدعي أنها هي الصحيحة والشرعية . إن كتاب فضائح الباطنية موجه بشكل مباشر ضد الفاطميين الذين كانوا يشكلون دولة ممتدة من المغرب العربي إلى بلاد الشام ويشكلون تهديدا حقيقيا على سلطة الخليفة العباسي المستظهر بالله. فقد عاد الغزالي للتحدث عن الخلاف بين الشيعة والعباسيين وأن الفاطميين هم نتاج أحد فروع الشيعة الاسماعيليين، ودحض ادعاء الشيعة بحقهم بالخلافة، وأن ذلك لو صح لكان استند عليه علي بن ابي طالب في مواجهة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وأن مقولات حق الخلافة لعلي وبعده نسله، هو مما ظهر متأخرا في التاريخ الاسلامي، وأن الكل حاول أن يشرعن سلطته بحق ديني، ويستند على أحاديث موضوعة، أو تأويل لبعض آيات القرآن الكريم؛ الشيعة ومعاوية ومن جاء بعدهم، وكان كل طرف يستخدم الفقهاء للتنظير بهذه الحقوق، حيث ظهر فقهاء السلطان والمعارضة وفقهاء على الحياد؛ آثروا السلامة خوفا من تقلبات السلطة واحتمال أن يُقضى عليهم. كما تحدث الغزالي عن عيوب الباطنية التي تخرجهم من الدين و تكفرهم؛ مثل ادعائهم أن الإمام عندهم معصوم عن الخطأ ، رغم أن ذلك يخص الأنبياء فقط بما بلّغوا عن الله تعالى، كما اكد الباطنيين على ضرورة وجود الإمام كواسطة مع الله لأنه مكلف برعاية الدين والتبليغ عن الله تعالى، وأن ذلك انتهى بوفاة الرسول ص ولا اتصال مع السماء بعده. كما كشف أنهم يسقطون الفروض والمحرمات على اساس ان الباطني قد وصل لحقيقة الله والايمان، وأن العبادات لم تعد مهمة كما أن المحرمات لم تعد مطلوبة، وهذا يعني لا التزام ديني عبادي عندهم وأن الاباحية والانفلات أصبح مشروعا بينهم. كما أدعى أن الباطنيين ينكرون الجنة والنار والحساب في اليوم الآخر. لكل ذلك حكم عليهم بالردة عن الدين الاسلامي، اباح دماءهم وأموالهم واستعباد نساءهم واطفالهم،، لقد حكم على الباطني بالقتل فلا استتابة ولا استرقاق، وهذا يعني اجتثاث مجتمعي كامل لهم. كل ذلك وغيره كان اجتهادات يتقرب بها الغزالي من الخليفة المستظهر بالله.
في معرض طرح ما كتبه الغزالي يناقش الكاتب سلبيات أخرى في طرح الغزالي، حيث يسكت عن المتصوفة وهو منهم رغم أن ما يقول انه موجود عند الباطنية موجود عند المتصوفة ايضا. مثل التابعية بالمطلق للشيخ من قبل المريد، وكذلك سقوط التكليف عند المتصوف، وابطال المعرفة بالعقل للدين فهي كشف وأحلام عند المتصوفين… الخ. كما يؤكد أن القرآن والاسلام لم يقطع الكاتب بكيفية الحكم في الإسلام.
هكذا يفند الكاتب كتابات الغزالي ومواقفه ضمن عصره والظروف المحيطة به.
٤- سيد قطب:
في نهاية الكتاب يتحدث الكاتب عن سيد قطب في محاولة لقراءة موازية، حيث يستعرض كتاب معالم في الطريق، الذي يعتبر الكتاب التنظيري الأهم لرؤية سيد قطب الحركية لضرورة بناء الدولة الاسلامية و لكيفية حصول ذلك، مركزا على تكفير المجتمع والناس لكونهم ساكتون عن عدم وجود دولة اسلامية حاكمة، ويقطع بأن ذلك تكليف قطعي من الله تعالى، وتكفير الحكومات الموجودة التي لم تحكم بما أمر الله، كما أنه يصنع تماهيا بين الحكم الاسلامي الذي يدعو اليه وأنه هو حكم الله تعالى، وأن الطليعة الحركية المكلفة بذلك هي الاداة التي كلفها الله بذلك. لقد ربط الكاتب بين سيد قطب والإخوان المسلمين وأن ذلك أساس التنظير الفكري عندهم في موضوع الدولة الإسلامية والموقف من السلطات والمجتمع والتكفير. توسع الكاتب كثيرا بمناقشة كتاب سيد قطب، وتفنيده، وأشار في معرض ذلك إلى شكل من التشابه بين الغزالي وبين سيد قطب على أنهما يكفران ويخطئان كل ما لا يأخذ في أفكارهم، وانهما يبيحان دم المخالفين و يكفرانهم. كما أنه يؤشر بشكل عابر حول ايران بعد وصول الخميني الى السلطة فيها، وتطويب إيران نفسها دولة إسلامية على المذهب الشيعي، وانها الصواب وغيرها خاطئ صدّرت فكرها وما اسمته ثورتها، ونرى منعكس ذلك في لبنان والعراق والتحالف مع النظام السوري ومن خلال التأثير على الشيعة في جميع أنحاء العالم.
ينتهي الكتاب بعد هذه الإطلالات السريعة.
وفي تحليل الكتاب نقول:
أولا: الكتاب مهم في موضوعه فهو يناقش الغزالي كرمز فكري كبير معتمد عند أغلب المسلمين السنة وخاصة من القوى السياسية الحركية المتطرفة بدء من فصيل من تيار الإخوان المسلمين أخذ بأفكار سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وأبي حسن الندوي في التكفير واستعمال العنف في العمل لبناء الدولة الاسلامية، هذا التيار الذي انجب جماعة الجهاد المصرية التي اغتالت أنور السادات، وكذلك الجماعة الاسلامية ومن رموزها أيمن الظواهري الذي سيتحالف مع التيار الحنبلي الوهابي ورمزه اسامة بن لادن وتتوالد القاعدة وبعدها داعش والنصرة، ولن ننسى وجود تيار داخل الاسلاميين السوريين بدأ مع مروان حديد وعمل ضد السلطة السورية منذ الستينات وكانت مواجهات الثمانينات الأكثر بروزا، حيث واجهوا النظام لكونه علويا ومتسلطا، وطلبوا بناء الدولة الإسلامية. وهنا لابد من التأكيد على الدور الدولي والإقليمي في استخدام واستثمار هذه الجماعات في صراعاتها البينية، يقال ذلك عن جماعة الطليعة الاسلامية السورية وعن القاعدة وغيرهم. كما يجب التأكيد على أن تيار الاخوان المسلمين قد انقسم منذ بداياته بين من يرى طريق الدعوة ومن يرى طريق العنف، فهذا حسن الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين بعد حسن البنا يكتب كتابا ردا على معالم في الطريق باسم دعاة لا قضاة ، يفند دعوى سيد قطب التكفيرية والعنفيّة، ويقال ذلك عن جماعة الإخوان المسلمين السورية الذين راجعوا تجربتهم وأخذوا الخيار الديمقراطي في نضالهم من أجل تطبيق أفكارهم. وكذلك أغلب الحركات الاسلامية العربية، في الاردن وتونس والجزائر.. الخ.
ثانيا: كنّا ننتظر تفنيد الدعوة للدولة الدينية التي نظّر لها الغزالي وغيره في الماضي والمعاصرين، سواء بالتنظير اسلاميا واستنادا للتاريخ وتجربة الرسول ومن بعده عبر الفهم الصحيح للإسلام؛ أن لا حكم ديني في الإسلام وأن مرجع الحكم هو خيار الناس والشورى، وأن المأزق التاريخي كان يوم لبست الفرق بصراعها على السلطة ثوب الدين و شرعنت نفسها من خلاله، وبررت صراعها ومن ثم استبدادها وظلمها الذي امتد لمئات السنين عبر التاريخ. اننا نغادر الى غير رجعة القول بالحكم الاسلامي بل ننتصر للدولة المدنية الديمقراطية التي تأخذ بالمفاهيم والممارسات المعاصرة المختبرة بأنها أقرب لمصالح الناس.
ثالثا: نرى أن أم المشاكل عند الغزالي وتيار كبير من الإسلاميين هو عدم اعطاء الفهم العلمي للعالم والمجتمع والواقع، وأن الشطحات التي تؤكد على هيمنة عقلية غير مدركة للحياة والمجتمع سواء كانت صوفية او تسلطية استبدادية او هيمنة رجال الدين وتبعية اغلبهم للحكام الظلمة، كل ذلك كان ينهل من معين الفهم المصلحي والذاتي للإسلام وكيف يقودون الناس كقطيع في مجتمع متخلف عند السلطان الجائر. أن التقدم العلمي الذي أسس له علماؤنا وصنعه الغرب بعد ذلك بكل جدارة، بغض النظر عن استخداماته الرأسمالية المستعمرة بحقنا وغيرنا في العصر الحديث، لكنه يبقى المفتاح للمستقبل حيث نصنع ذاتنا بالعلم والانطلاق وفق مقاصد الشرع الاسلامي المنصب على مصالح العباد الممكن إدراكها علميا.
أخيرا: نشكر د عبد الكريم المويل على جهده، وعلى فتح هذا الباب المغلق سابقا، والمسكوت عنه، وأن نبدأ بمراجعات ذاتية على كل المستويات، لأن النقد الذاتي الفكري والحركي سيجعلنا كمسلمين وسوريين وسياسيين ورجال علم ودين على بداية طريق حل معضلاتنا المعاصرة، خاصة أننا في الثورة السورية ونحن نواجه النظام المستبد المجرم وخلفه قوى دولية واقليمية تدعمه في قتل الشعب السوري وتشريده، وأن قوى الثورة تحتاج أن تعقلن مواجهتها الثورية للنظام وأن تخرج الدين الإسلامي من معادلة المواجهة إلا بصفته طاقة روحية دافعة لتحدي الظلم والظالمين والاستعداد للشهادة في سبيل الحقوق، لأن الطرح الديني يعيدنا مرة أخرى الى مربع الاختلاف في فهم الإسلام والسلوك من خلاله، وتبرز قضية التكفير والقتل المنفلت من أي ضابط، وتنمو بيننا ظاهرة داعش والنصرة وغيرها ممن لا ينطلق من قواعد علم السياسة في البحث عن مستقبل ثورتنا وشعبنا.
لقد استخدم الدين بطروحات مختلفة وكانت هناك نتائج كارثية جعلت العالم يسكت عن النظام القاتل السوري تحت دعوى أننا ارهابيين وقتلة ونغطي افعالنا بالاسلام، هكذا كانت القاعدة داعش والنصرة أدوات قاتلة للثورة السورية.