وكأنّ الولايات المتحدة الأميركية تعود إلى اعتماد مبدأ توزيع التوازنات في منطقة الشرق الأوسط وفق نظرية “الصفائح المتوازنة”. وهذه الصفائح هي العربية والإسرائيلية والإيرانية. إذ يبدو أنّ أميركا تعمل على ثلاثة خطوط تفاوضية مع كلّ من السعودية، إيران، وإسرائيل.
مع السعودية يتحدّث الأميركيون عن اقتراب التوصّل إلى اتّفاقات متعدّدة:
– أهمّها ما يتعلّق بالعلاقة بين الجانبين، لجهة اتّفاق أمنيّ دفاعي مشترك.
– والاتفاق حول المشروع النووي السلمي.
– بالإضافة إلى التقدّم في مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي سيكون مدخله الأساسي وقف الحرب على قطاع غزة، والانسحاب منها مقابل إعادة تشكيل السلطة الفلسطينية وتجديدها لتتولّى هي إدارة الوضع في القطاع بدعم عربي، وتعهّد أميركي بوعد واضح وخريطة طريق لإعلان الدولة الفلسطينية والاعتراف بها.
أمّا مع إيران فمسار التفاوض مستمرّ وسيتعزّز بعد حادثة مقتل رئيس الجمهورية ووزير الخارجية.
فيما تزايدت مشكلة الإدارة الأميركية مع حكومة بنيامين نتنياهو التي ترفض أيّ حلول وسط. وهو ما رفع منسوب الضغط الأميركي على رئيس الوزراء الإسرائيلي من خلال الواقع الداخلي لحكومته.
ثم جاءت حادثة مقتل رئيس الجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، بعد جملة تطوّرات أبرزها تسرّب خبر الاجتماعات والمفاوضات بين الإيرانيين والأميركيين في سلطنة عمان. وهي مفاوضات مستمرّة على مستوى الخبراء وسط تحضير لعقد اجتماع جديد على مستوى سياسي. وفي ظلّ استمرار التفاوض الأميركي السعودي في سبيل الوصول إلى تفاهمات حول الوضع في المنطقة ككلّ. إن على صعيد العلاقات الأميركية السعودية أو على صعيد العلاقات الأميركية الإسرائيلية. وسط شرط سعودي واضح هو وقف الحرب على غزة واعتراف إسرائيل بحلّ الدولتين كمدخل أساسي لأيّ مفاوضات.
إلى جانب المسارين، من الواضح أنّ الأميركيين فتحوا مساراً ثالثاً، وهو زيادة منسوب الضغط على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وهناك محاولات مستمرّة منذ فترة في سبيل تحقيق الضغط على نتنياهو أو التلويح بإسقاط حكومته.
محاولات إسقاط حكومة نتانياهو
تقول مصادر دبلوماسية إنّ المحاولات لإسقاط حكومة نتانياهو ستستمرّ، وقد تتزايد في منتصف حزيران، خصوصاً بعد المهلة التي وضعها بيني غانتس لتبنّي خطة سياسية واضحة لمقاربة الوضع في غزة. وبحال عدم تبنّيها من قبل نتنياهو فإنّه سيستقيل.
لكن بحسب المصادر الدبلوماسية فإنّ انسحاب غانتس لا يكفي لإسقاط حكومة نتنياهو. لذلك هناك محاولات أميركية للعمل على شخصيات داخل الحكومة وحتى داخل الليكود لإضعاف نتنياهو أكثر.
المفارقة أنّ الأميركيين يقومون بهذه الضغوط على وقع مفاوضاتهم مع إيران في سلطنة عمان، ومع السعودية. فأميركا المهتمّة جداً بالوصول إلى تفاهم مع إيران لحسابات انتخابية تريد أيضاً تحقيق تقدّم على الخطّ السعودي الإسرائيلي لاستثماره انتخابياً أيضاً. في هذا السياق، تتكوّن قناعة بأنّ أيّ مدخل لتحقيق التقدّم لا بدّ له أن يمرّ بإسقاط نتنياهو وتشكيل حكومة جديدة. أو الضغط على نتنياهو وتهديده بالاستقالة لإعادة تشكيل ائتلاف سياسي من حوله يدفعه إلى القبول بالمسار الأميركي المفروض حول وقف الحرب في غزة والموافقة على حلّ الدولتين.
تواطؤ عربي لإسقاط نتانياهو؟
على مستوى التفاوض السعودي الأميركي، تشير مصادر متابعة إلى أنّ البيان الذي أصدرته وكالة الأنباء السعودية كان واضحاً لجهة التوافق بين السعودية وأميركا على المسار وخطة الطريق، ويرمي الكرة في ملعب الإسرائيليين.
هناك مؤشّرات لا بدّ من الوقوف عندها، أوّلها التسريبات الإسرائيلية التي تحدّثت عن أنّ بيني غانتس كان قد عقد لقاءات في بعض الدول العربية قبل موقفه الذي هدّد فيه نتنياهو. وهذا لا ينفصل عن الموقف الذي أطلقه وزير خارجية دولة الإمارات عبد الله بن زايد تجاه نتنياهو إذ قال: “تستنكر دولة الإمارات العربية المتحدة تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول دعوة الدولة إلى المشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة القابع تحت الاحتلال الإسرائيلي”. وأضاف: “إذ تشدّد دولة الإمارات على أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتمتّع بأيّ صفة شرعية تخوّله اتّخاذ هذه الخطوة، كما ترفض الدولة الانجرار خلف أيّ مخطّط يرمي إلى توفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في قطاع غزة”.
يحمل القول إنّ نتنياهو لا يتمتّع بأيّ صفة شرعية مؤشّراً ربّما ينسجم مع ما يقوم به غانتس، أو مع الخلاف بين نتنياهو وغالانت. ذلك أيضاً لا ينفصل عن اللقاء الذي عقد بين وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد في السعودية قبل ساعات من انعقاد اللقاء بين بن سلمان وجيك سوليفان للبحث في مسار العلاقات والوصول إلى الاتفاقات التي تسعى إليها الإدارة الأميركية. كلّ هذه الملفّات لا تنفصل بعضها عن بعض.
هل يهرب نتانياهو إلى توسيع الحرب مع لبنان؟
أمّا بالنسبة إلى مسار التفاوض الأميركي مع إيران فيمرّ أيضاً من خلال التفاوض حول تخفيض إيران نسبة تخصيب اليورانيوم، ووقف الحرب على غزة وإعادة تشكيل قوة فلسطينية في إطار تطوير وتعديل منظمة التحرير الفلسطينية، مقابل منع إسرائيل من التصعيد ضدّ الحزب في لبنان باعتباره خطّاً أحمر بالنسبة إلى طهران، ووقف الهجمات الأميركية ضدّ الحوثيين في اليمن بعد توقّفهم عن مهاجمة السفن.
تشير مصادر دبلوماسية متابعة إلى أنّ الأميركيين والإيرانيين أبدوا حرصاً على عدم توسّع الصراع مع الحزب وتحوّله إلى حرب لأنّه لا مصلحة لأحد فيها. بينما هناك جهات دبلوماسية أوروبية تبدي خوفها من أن تنعكس الصراعات الداخلية الإسرائيلية، وخصوصاً محاولات تطويق نتنياهو وإسقاط حكومته، في ذهابه إلى تصعيد الوضع على الجبهة الشمالية في إطار الهرب إلى الأمام.
تشير مصادر دبلوماسية متابعة إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية تعمل على التفاوض مع إيران والسعودية. وكأنّ هناك تسابقاً في مسارات التفاوض بين الجانبين. بحيث يحاول كلّ منهما الوصول إلى اتفاق معها قبل الآخر. لأنّ أيّ اتفاق قد ينجم عن مسارات التفاوض هذه سيؤسّس لتغيير على مستوى المنطقة رغم أنّ “نيويورك تايمز” توقّعت في تقرير أعدّه ديفيد سانغر أنّ “لعلاقات بين واشنطن وطهران تقترب بشكلٍ خطرٍ من الصّراع المفتوح”. فأميركا تسعى من خلال اتفاقات التطبيع إلى إعادة إنتاج “نظام إقليمي” يدمج إسرائيل بدول المنطقة، ويربط الجميع بها. لكنّ المشكلة تبقى بين أميركا التي تعاني من إدارة ضعيفة أصبحت على مشارف أيامها الأخيرة، وعلى اختلاف مع حكومة بنيامين نتنياهو الذي يسعى إلى إطالة الحرب إلى ما بعد الانتخابات وإلى إسقاط جو بايدن. في هذا السياق، هناك تردّد لدى أيّ طرف في الذهاب إلى إبرام اتفاق كبير بهذا الحجم مع إدارة ستغادر بعد أشهر قليلة، فيما إسرائيل تعمل على إفشال كلّ محاولات التسوية أو الاتّفاقات.
المصدر: أساس ميديا