في 27 و28 حزيران/يونيو، 2013، قتلت قوات وحدات حماية الشعب (YPG) ستة مدنيين شاركوا في الاحتجاجات ضد الاعتقال التعسفي لأعضاء حزب يكيتي في بلدة عامودا الواقعة في الشمال الشرقي من سوريا. وكانت عمليات القتل هذه معروفة لدى العامة في عامودا منذ زمن طويل؛ وكتبت هيومن رايتس ووتش ووزارة الخارجية الأمريكية عن هذه الجرائم. ولكن، في الأسبوع الماضي، وللمرة الأولى، أقرّت وحدات حماية الشعب رسمياً بمسؤوليتها عن هذه الجرائم، واعتذرت للضحايا وعائلاتهم. وفي حين أن هذا الاعتذار لن يحل أبداً محل الأرواح التي زهقت، إلّا أنه يمثّل لحظة تاريخية لسوريا، حيث لم يُفلح الجناة على مدى عقود في الاعتراف بجرائمهم، مما حال دون أي إمكانية لقول الحقيقة أو المصالحة.
انخرط حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب، منذ تشرين الأول/أكتوبر، 2019، في محادثات المصالحة مع المجلس الوطني الكُردي، وهي عملية ترعاها الحكومة الأمريكية في محاولة لتعزيز الوحدة الكردية في شمال شرق سوريا. وتُعتبر هذه المفاوضات معقدة بسبب تاريخ من الشقاق والنزاع بين الطرفين. وفي 27 حزيران/يونيو، وفي إشارة واضحة على حسن النية، اعتذرت وحدات حماية الشعب عن عمليات القتل التي ارتكبتها في عامودا وذلك بالتزامن مع الذكرى السابعة للجريمة. حيث أقرّ الناطق الرسمي باسم وحدات حماية الشعب، نوري محمود، بمسؤولية وحدات حماية الشعب وبراءة القتلى، معرباً عن أسفه لوقوع ذلك الحادث الذي وصفه بأنه “فاجعة”. وقد تم تأكيد البيان الذي أدلى به نوري محمود من قبل مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد). وبالإضافة إلى الإقرار والاعتذار، وافقت وحدات حماية الشعب أيضاً على تقديم “تعويضات مادية ومعنوية” لم يتم الإفصاح عن تفاصيلها بعد، والاعتراف بأن الضحايا هم “شهداء”، مما يخوّل العائلات الحصول على الدعم الاقتصادي والاعتراف بخسارتهم أيضاً.
تحدّث أحد مُوثِّقي المركز السوري للعدالة والمساءلة إلى خال أحد الضحايا، لفهم ردّة فعل العائلات لهذا الاعتذار. وبينما قال إنه يعتقد أن العائلات تشعر بالامتنان بشكل عام لهذه اللفتة، فقد ذكر أيضاً أنه على حد علمه، لا تزال معظم العائلات تريد متابعة المساءلة الجنائية لأولئك المتورطين في إصدار وتنفيذ أوامر قتل أبنائهم، لأن هذا هو حقهم. وذكر أن مفاوضي وحدات حماية الشعب لم يرغبوا في تجريم الفعل، لأن عدداً من مقاتلي وحدات حماية الشعب المتورطين قُتلوا خلال القتال ضد داعش، ولم يرغبوا في أن تنعكس المحاكمة الجنائية سلباً على أولئك المقاتلين أو تضحياتهم. وفي حين أن المركز السوري غير قادر على تأكيد مصير الجناة، فإن هذا السيناريو، الذي يصبح فيه الجاني في سياق ما، هو الضحية في سياق آخر، يمكن أن يكون شائعاً في نزاع معقّد مثل النزاع السوري. وفي السياق الحالي، حتى عندما يكون الاعتذار أكثر بكثير مما تم تقديمه سابقاً، فمن المتوقع ألا تدعم وحدات حماية الشعب على الفور المحاكمات الجنائية. غير أن هذا لا ينفي وجود إمكانية للسعي إلى المساءلة الجنائية في المستقبل. ولا ينبغي أن يقوّض الاعتذار الحالي حقوق العائلات في القيام بذلك؛ فهو ليس بديلاً عن أشكال العدالة الأخرى. ولا يمكن اعتبار المفاوضات بشأن الاعتذار سوى خطوة أولى في حوار أطول نأمل أن يُفضي إلى عملية عدالة أكثر شمولاً.
وفي حين أن إصدار اعتذار عن مثل هذه الجريمة الخطيرة قد يبدو في البداية وكأنه لفتة فارغة، فإن الاعتذارات العلنية من قبل شخصيات السلطة والجناة تلعب دوراً مهماً في العدالة الانتقالية. ويُعتبر الاعتذار أحد الأشكال الرمزية لجبر الضرر، ويمكن أن يكون بمثابة إقرار بكرامة الضحايا الذين تم تجاهلهم أو محوهم من التاريخ. ويمكن أن يكون الاعتذار أيضاً بمثابة أحد أشكال قول الحقيقة، والذي من خلاله يؤكد الجناة حقيقة الجرائم المرتكبة في الماضي، ويتعلّم المجتمع المحلي كيفية مناقشة الماضي بطريقة دقيقة وموحدة – وهي عملية لا غنى عنها في عمليات المصالحة طويلة المدى.
حدّدت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان والمركز الدولي للعدالة الانتقالية عدداً من السمات للاعتذار الفعال، تشمل ما يلي: ينبغي تقديم الاعتذارات علناً أمام الضحايا وعائلاتهم؛ ويجب تقديم الاعتذارات من قبل رئيس الدولة أو المسؤول الأرفع مستوى في المجموعة المسؤولة، لإظهار فهم المسؤولية المشتركة؛ وينبغي كتابة الاعتذارات بالتشاور مع الضحايا باستخدام لغتهم المفضلة. ولا توحي هذه السمات بإبداء الندم فحسب، ولكن أيضاً توحي بأن الجاني مستعد للتفاعل مع الضحايا لتصحيح أخطاء الماضي.
وقد تم ربط الاعتذارات الأكثر جدوى بأشكال أخرى من التعويضات الرمزية والمادية، بما في ذلك النُّصب التذكارية للضحايا والدعم المالي، بالإضافة إلى الإصلاحات المؤسسية التي تهدف إلى منع تكرار ما حدث. فبعد حرب السنوات العشر في سيراليون، اعتذر الرئيس للنساء والفتيات عن العنف الجنسي الذي تم على نطاق واسع، وأعلن عن الخطة الاستراتيجية الوطنية للنوع الاجتماعي، مما تمخّض عنه عدد من التشريعات التي أقرّت بمعاناة النساء أثناء النزاع، وحاولت منع تكرار ذلك. وفي عام 2013، اعتذرت المملكة المتحدة للكينيين الذين تعرّضوا للتعذيب والقتل خلال انتفاضة قبائل “ماو ماو” التي قامت القوات الاستعمارية البريطانية بقمعها بوحشية. ورافق هذا الاعتذار أكثر من 30 مليون دولار من التعويضات وإزاحة الستار عن نُصب تذكاري للناجين والضحايا.
وفي بعض الحالات الأسوأ، تم في لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا ربط الاعتذارات بالعفو العام أو بأحكام جنائية بالسجن لفترات مخففة. وقد يكون العفو مناسباً في سياقات معينة، ولكن غالباً ما يمكن أن يؤدي ذلك إلى شعور الضحايا بعدم الرضا، بحيث يتساءلون عن صدق الاعتذار وقيمة عملية العدالة بمجملها. وينبغي ألّا يُفهم الاعتذار بالضرورة على أنه يستبعد احتمال عمليات العدالة الأخرى، بما في ذلك المساءلة الجنائية. وينبغي للنقاشات المتعلقة بعمليات العدالة التي ستصاحب الاعتذار أن تُجرى بشكل مباشر مع العائلات والناجين.
وفي حين أن إعلان وحدات حماية الشعب في عامودا لا يمثل العدالة على الجرائم المرتكبة، إلا أنه يشكّل سابقة مهمة. وفي دولة قادرة على القيام بوظائفها، يجب أن تكون السلطات قادرة على الاعتراف بوقوع الانتهاكات والتحقيق فيها واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان عدم تكرارها والسعي لتحقيق العدالة. ومن الناحية التاريخية، لم تفلح كل من الحكومة السورية ومختلف قوى المعارضة التي تعمل في سوريا منذ عام 2011 في اتخاذ إجراءات من هذا القبيل. وتُعتبر قدرة وحدات حماية الشعب على الاعتراف بالجرائم المرتكبة في عامودا بمثابة خطوة مهمة في عملية المصالحة الكردية، وكذلك في تطوير المؤسسات الحكومية التي تمثل الشعب وتستجيب له على حدٍ سواء. وينبغي أن تتعلم الجماعات المسلحة الأخرى في سوريا، وكذلك الحكومة السورية، من هذا المثال الذي قدّمته وحدات حماية الشعب وأن تحذو حذوها. وفي الوقت نفسه، يجب على وحدات حماية الشعب أن تفي بوعدها بربط الاعتذار بالتعويضات المالية، وإجراءات أخرى تتماشى مع احتياجات الضحايا وعائلاتهم.
للمزيد من المعلومات أو لتقديم ردود الأفعال والآراء، يرجى إدراج تعليقك في قسم التعليقات أدناه، أو التواصل مع المركز السوري للعدالة والمساءلة على info@syriaaccountability.org. كما يمكنكم متابعتنا على فايسبوك و تويتر. اشترك في نشرتنا الأسبوعية ليصلك تحديثات عن عمل المركز.
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة