الرواية كتبت بين عامي 1984 و 1985. والكاتب ابراهيم عبد المجيد يكاد يشكل مع غيره ذاكرة مصرية معاشه وحيه. عبر العمل الروائي المتراكم له والذي قرأنا اغلبه
. بطل الروايه واحد من المصريين الفقراء الذين يعيشون في قاع المجتمع يعمل موظفا في معمل للسفن في الاسكندريه. شاب وجد نفسه امام حياة تحكمه بحاجاته الاساسيه التي يركض لتلبيتها. ها هو يدعى من رؤسائه ليكون منظما لحملة عمال يذهبون لاستقبال الرئيس (السادات) في احد زياراته على أنها مسيرات شعبية عفوية مليونية. والحقيقة أنها مسيّرة وبأجر ايضا. العمال يتقاضون مبلغا صغيرا تارة نصف جنيه واخرى جنيه او اكثر. وصاحبنا يبتكر بفلهويته حلا له وللعمال والسائقين. فيعطي للعمال بعض حصصهم ويرضي السائقين و يحتفظ لنفسه بمبلغ كبير من مئات الجنيهات. ولا يذهب أحد للمسيرات والكل راض عن حصته. وصامت عن عدم التزامه. صاحبنا يلتم على أصدقائه أربعة متجايلين عمريا في قهوة الحي. كل يكدح بطريقته ليتمكن من الحياة بحدها الادنى.صاحبنا وحيد جاء بعد عشرين سنه زواج.. أمه ترعاه وهو يحس انه انسان يعيش أيامه دون تغيير ولا امل.. اصدقائه حضروا حرب حزيران 1967 .وكانت لوعة الهزيمة ولوعة الهروب والموت لرفاق السلاح شهداء في صحراء سيناء. وحضروا ايضا حرب 1973. واحسوا بعز الانتصار. وذل بيعه للعدو على شكل صلح . انهم في هذه الايام يعايشون زيارة السادات للقدس والصلح واحساس بالغصة . لكن الحياة تأكلهم كلهم. باع صاحبنا البيت الذي يسكنه على ارض اشتراها والده وعمر عليها بيتا. وأخذ شقة مقابلها.. كان ضحية السمسار والتاجر . وامه ماتت في حسرة مغادرة بيتها.. يعيش احساس الحرمان من كل شيئ تقريبا. وخاصة من النساء.. يعتاش على ماترسخ بذهنه من عري يراه في العمل او الشارع او السينما. ليذهب ويفرغ شحنته بالاحتلام او العادة السريه. يفكر انه تجاوز الثلاثين من العمر بكثير. ولم يجد ابنة الحلال . تزوج احد اصدقائه بعد وفاة ابيه وعاش مع امه في بيتهما.. وقرر صديقه وزوجته ان يساعدا صاحبنا على ايجاد العروس المناسبه.. صديقهم الاخر يحلم ان يسافر الى اوربا ثم امريكا ويكبر وتكبر معه احلامه ولا امل بالخروج.. والاحباط يسيطر عليه. صديقه الثالث يقرر السفر للعراق للعمل. وهناك يتطوع مع الجيش العراقي لمحاربة ايران وتنقطع اخباره. يتقدم صاحبنا في سلم الوظيفه ويرشحه اصدقائه لنقابة العمال.. ليكتشف كم هم مسحوقين. وحاجاتهم محدوده. وامورهم معقده. ومصالحهم معطله. يأكله العمل الجديد المنهك وبدون جدوى. فقط يستمع للتظلم ويراكم ملفات ودون اي امكانيه لحلول مرضيه لهم.. يكتشف بعد حين انه يجب ان يرتاح من عبئ النقابه. فهو لا يرتاح ومصالح العمال لا تتحصل. ويحتاج ان يتزوج. وخاصة ان البنايه التي يسكنها شبه مهجورة فاغلب مستأجريها في الخليج ولا يأتون الا بشكل متباعد وفي الصيف.. يحس بالوحده وبان المصريين لم يعد لهم عيشه في مصر. فلكي يتحسن وضعك وتحصل على شقه ايجار وقدرة زواج فعليك بالسفر للعراق او الخليج.. والكل يذهب ليجرب حظه.
.تنتهي الروايه وصاحبنا يجد عروسا يتياعدا على اكمال اساس البيت ليتزوج. وليترك النقابه. وليلتم على صحبته الذين نقصوا احدهم الذي غادر للعراق وانقطعت اخباره..
.عمر يمضي.. ولاجديد..
.الرواية تقرأ حال مواطن مصري عادي ضحية بحثه عن حاجاته الاساسيه من مأكل وسكن وزواج ولقمة عيش. مواطن تتحرك السياسة العامة فوقه ومن خلاله وهو اداتها. في حروب وهزائم ومسيرات وعمل دؤوب لا يحصل منه الا الاقل.. والناس كلهم ضحية ساسة يفكرون بمصالحهم وتجار فهلويه وسماسرة يقتاتون من الام الناس.. لذلك الكل بحلم بالهروب. ويهرب ويعود ليعيد بناء حياته الغرائزيه المؤقته..
.هذه حال مصر التي حاربت وهزمت وانتصرت وصالحت وبيعت للاعداء ..كلها مقدمات تراكمت ليحصل الربيع المصري ثم الثورة..
.لا تزال ظروف الثورة مستمرة..
.ما زال انساننا المصري والعربي باحثا عن الحريه والعدل والكرامة والحياة الأفضل..
.والمعركة مع كل الاعداء..لم تحسم بعد ..
25.9.2015
رواية “بيت الياسمين” للكاتب “ابراهيم عبد المجيد” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” ذاكرة مصرية معاشه وحية عبر عمل روائي، مواطن مصري عادي ضحية بحثه عن حاجاته الاساسيه من مأكل وسكن وزواج ولقمة عيش. مواطن تتحرك السياسة العامة فوقه ومن خلاله وهو اداتها .