شعبنا والتنوير المعاصر || مأساة نخبة

 منجد الباشا

تحت عنوان:

المجتمعات العربية تودع التنوير….. وتسير عكس حركة التاريخ…

اقام المنتدى الثقافي العربي البريطاني مساء يوم 2/5/2024. ندوة ثقافية استضاف فيها على تطبيق الزووم ثلة من المفكرين والأكاديميين والسياسيين…العرب والسوريين..

وفي هذه الندوة تقاطعت اراء المنتدين من خلال ما قدموه حول فكرة مفصلية مفادها ان شعوبنا اثبتت تاريخيا انها عصية على استيعاب قيم ومفاهيم الحداثة الامر الذي جعلها تنتقل منذ الاستقلال الاول، من محنة الى اخرى ومن كارثة الى ثانية حتى آل بها الحال الى ماهي عليه الان من تهديد وجودي يتربص بها وذلك بسبب الموروث الثقافي الاسلامي حسب مداخلاتهم …وخاصة جوهره القائم على ظاهرة الدين نفسها…كما أكد أحد المنتدين في معرض حديثه..

من حقنا نحن وقد اطلقنا ثورتنا السورية العظيمة وباعتراف الكثير من المتابعين للشأن العام، المستقلين والمخلصين في العالم، وفي عالمنا العربي ،وبالرغم من التمكن الذي تحقق من هذه الثورة ،من قبل اعداء الشعوب ومنعها حتى الان من تحقيق اهدافها، فان ما انجزته هذه الثورة لدينا على مختلف الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن نكرانه وخاصة لجهة الكشف والتعرية للكثير من ظواهر ،القمع والاستنقاع، والتجويع، والاستغلال، والظلم، والفساد والتزوير ، والتضليل الذي رافق جميع مراحل ما قبل الثورة في مجتمعاتنا على كافة الصعد المذكورة. كما هو حال كل الثورات في التاريخ..

 من حقنا ان نتوقف عند جوهر ما تم من تقاطع في الافكار التي طرحها السادة المنتدون المشار إليهم.

ففي الوقت الذي فضحت فيه الثورة عجز النخب السورية وفشلها التاريخي، باعتراف رموزها، وتخلفها عن ممارسة الدور القيادي لما انجزه شعبنا العظيم في ثورته في الاشهر الاولى لانطلاق الثورة، حيث هددت مظاهراته المليونية اركان نظام العصابة العميل، وكادت ان تسقطه، بل انها هددت كذلك اركان النظم المحيطة به التي لطالما اعتُبرت انظمة وظيفية للنظام الدولي المضاد لتطلعات الشعوب …جاءت سردية الثلة المنتدية. تكرر ذات

السردية التي كان يطلقها عموم نخبنا الثقافية والسياسية في زمن ما قبل الثورة..

حيث كانت هذه النخب تعتبر ان التخلف والتأخر التاريخي الذي كان ينخر مجتمعاتنا بحكم الموروث الثقافي والديني هو الذي حال دون تمثل شعوبنا لقيم التنوير التي أطلقها مفكرونا في مطلع القرن التاسع عشر وماثلاه اي مرحلة النهضة العربية المعروفة…جمال الدين الافغاني.. محمد عبده.. علي عبد الرازق.. عبد الرحمن الكواكبي. وغيرهم …مما منعها اي الشعوب من الاستجابة لقيم الحداثة المعاصرة، وهو الامر الذي دفعها في مهاوي الوقائع التي تهدد اليوم وجودها.. وعليه خلص المنتدون الى ان لابد من إطلاق حركة تنويرية جديدة امام مجتمعاتنا للخلاص مما هي فيه…

اللافت فيما قدمته الندوة هو المنهج الفكري الذي اعتمده السادة المنتدون في استقرائهم الواقع وتحليله دون الاهتمام بما قدمته الحياة من احداث ووقائع على مدى أكثر من نصف قرن. حيث اثبتت هذه الاحداث والوقائع بطلان وعدم دقة هذا المنهج، وقد تُوج ذلك فيما قدمته ثورات الربيع العربي عامة والثورة السورية خاصة حيث كشفت كم هي الفجوة عميقة بين الشعب وبين هذه النخب.. هذا اضافة الى الفشل الذي اصاب هذا المنهج على مستوى الممارسة في اوطاننا وفي العالم.. والذي تجلى في موقف هذه النخب من الثورة السورية الذي أشرنا اليه …

ان ما انجزته شعوبنا في ميادين الثورة كان متقدما وسباقا لما اختزنته نخبها من افكار ومفاهيم نظرية ومن تصورات ورؤى … كانت تقارب واقع شعوبها من خلالها.. بالرغم مما اصاب هذه الشعوب من كبح وارهاب ،وقمع ،وتدمير وابادة…على ايد انظمة سياسية مستبدة وفاقدة للشرعية …الامر الذي يستدعي من هذه النخب وخاصة بعد انفضاح علاقتها بشعوبها وانكشاف الفجوة الهائلة بينهما….ان تعيد النظر بمرتكزاتها الفكرية والثقافية والسياسية لا ان تعود لتمارس منهجها الكلاسيكي الذي اوصلها واوصل شعوبها الى حالة الهلاك التي نعيشها …وتعزف على نفس اوتار ثبت ضلالها وفسادها…واثبتت الثورة كما اثبتت وقائع الصراع السياسي والفكري والثقافي انه  يحتضن نظاما دوليا انكشفت عوراته وانفضحت ادعاءاته المضللة…

لقد ثبت لكل ذي وعي حر سيد مستقل غير مؤدلج… ان علة شعوبنا كما الشعوب الاخرى في هذا العالم انما تكمن في المرتكزات السياسية اولا قبل اي مرتكزات اخرى.. وعليه بدأت المراجعات الفكرية لهذه المرتكزات من قبل العديد من المفكرين العرب والعالم…وتأكد في هذا السياق، مثالا، وبكل بساطة كيف ان خداع سايكس بيكو للعرب.. والانظمة السياسية التي توالت على السلطة لتحكم شعوبنا بقوة العسكر.. وبدعم من ارباب النظام الدولي الذي تكشفت حقيقته وتعرت انيابه بشكل فاقع، في غزة الشهيدة اخيرا.. انه السبب الرئيس الذي استجلب اسبابا اخرى ليحول بين شعوبنا وبين تقدمها ليبقيها في دائرة التخلف والتبعية والاستغلال لصالح ارباب النظام المذكور…

وهو الامر الذي يستدعي من نخبنا ان تعيد النظر بمناهجها، فتعمد الى تبني منهج تنويري خاص بمنظوماتها الفكرية والثقافية ويساعدها في مواجهة الوجه الاستعماري القبيح لأنظمة العولمة النهابة للشعوب.. لا ان تعود.. فتطلب التنوير لشعوبها…

ليس بالضرورة أن يعبر رأي المقال عن رؤية موقع ملتقى العروبيين

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. هل الموروث الثقافي الاسلامي وجوهره القائم على ظاهرة الدين هو سبب عدم استيعاب نخبنا لقيم ومفاهيم الحداثة، وهي السبب بتنقلها منذ الاستقلال الاول من نكسة لأخرى حتى آل بها الحال الى ماهي عليه الان من تهديد وجودي يتربص بها نفسها؟ قراءة نقدية موضوعية لما طرح بالمنتدى الثقافي العربي البريطاني مساء يوم 2/5/2024 .

  2. يقول العلي القدير ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم
    ويقول ايضا جل في علاه
    واعدو لهم ما استطعتم من قوة
    فلنعد إلى ديننا الحنيف ولنسابق الزمن
    فلديناكل الإمكانيات للقيام بذلك
    وليكن عملنا لله فسينصرنا الله

  3. من السهل جدا نقد مانحن فيه من تراجع وهوان بل وسقوط، بأن سببه هو الموروث الثقافي والديني، لأنه يفسح المجال أمام العلمانجيين والأبواب الوظيفية للغرب بالهجوم على موروثنا الثقافي والديني، ويتعامون عن الأسباب الحقيقية الموضوعية والذاتية لما وصلنا اليه.
    يتشبسون بالحداثة وعن اي حداثة يتكلمون، عن الحداثة التي توصل لها الغرب من سقوط اخلاقي اجتماعي وقيمي ام يتحدثون عن حداثة وثيقة سيداو التي تم إقرارها من الأمم المتحدة ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى