ابني الصغير عمره ست سنوات. وانا ذاهب معه الى مدرسته في غربة اللجوء، يطلب مني: بابا لا تتركني، اجيبه لماذا.؟، لأني لا اعرف احدا ولا لغة مشتركة، ابتسم واشجعه، وفي القلب غصة.
نجلس كل الوقت أمام التلفاز نتابع مسارات روحنا هناك في بلدنا لعلنا في لحظة ننتصر ونعود. نتابع جرحنا ، دمنا المسفوك ونبكي كل منّا بطريقته… نظر لي ابني الصغير وقال: بابا بشار لا يحبنا ؟!… لماذا يقتلنا…؟ ماذا فعلنا له؟. انظر له، المرارة تسكن فمي وروحي.. واهرب الى غمغمة لا معنى لها… ابني يسأل لماذا اتعلم التركية؟ لأننا قد تتأخر بالعودة ويجب ان نتعلم.. طيب لماذا تعلمني العربية؟. لاننا سنعود ونتم دراستنا في بلدنا. يسترسل نعم نعود للبيت والسلاحف تنتظرني والمزرعة والمسبح وطائرتي الصغيرة وبيتنا في الجولان والقطط التي ألعب معها… اؤكد له ودمعة تغص في عيني طبعا سنعود لكل ذلك
امي في الثمانين تجلس تقرأ القرآن دوما، تحمد الله. تتابع التلفاز. في لحظة ضيق تقول والله عشنا ايام الفرنساوية وحكوا لنا عن سفر برلك وحتى حاربنا اليهود. ما شفنا هكذا.ا لله يخرب بيته تقصد الأسد الابن. هؤلاء الشباب الذين يقتلهم هل هو ابوهم وامهم. والبيوت هل تعب ببنائها. ياويله من الله. على الامهات و المشحرين المطفشين في كل مكان. وينك يا الله… ؟!.”شو مالك شايف”؟..وتبدأ بالبكاء والاستغفار
ابن عمي لم يتم دراسته عمل بالزراعة .هي تعب دائم أنجب عائلة واسعة. لا يهمه من الدنيا غير عائلته وارضه وابقاره ولقمة عيشهم المرّة. ابنه ذو ٢٢ عاما. فلاح مع أبيه سيزوجه قريبا. هو في الأرض خارج البلدة سمع اطلاق النار بالبلدة. قال انا ذهب التحق بالشباب. استوقفه والده، يا ولدي الى اين ؟.. اريد ان انضم للثوار. يا ابني نحن ليس لنا علاقة. لا بل لنا علاقة هذه حريتنا وكرامتنا كلنا . يا ولدي عين لا تقاوم المخرز. بل تقاوم ، وخرج وابوه يدعوا له ويتمنى له السلامة. استشهد. تواجدنا عندهم الأب يقول ودموعه تهل من عينه: الحمد لله أخذه الشباب -يقصد الثوار- ودفنوه . لكي لا يأخذه النظام ويشوه الجثة أو يحرقها أو يساومنا عليها. ويسألني ما رأيك هل نعلن عنه أم لا. ؟ طبعا خوفا من النظام وتنكيله بأهل الثوار والشهداء. تخرج الأم تصدح بصوتها ابني واستشهد. خلي كل الدنيا تعرف. ويوصل صوتنا لله فوق بالسما. وخليهم يذبحونا كلنا. وزغردت… باكية. حُسم الأمر وأعلن استشهاده
. اسأل الطيان ابو محمد. لماذا لا تذهب للعمل؟ يجب أن تعمل لتعيش أنت وعائلتك؟. أجاب خلص ما عاد هناك عمل بدنا نخلص من النظام. لماذا انت ما علاقتك بذلك.؟. لماذا ؟. ألست انسان وبدي كرامة وحرية. مفكرني مالي انسان ؟. نعم، والأولاد.؟. لهم الله، اذا كل واحد قال انا ما دخلني سنبقى عبيدا للابد…. تغص الدمعة في عيني
ابني يدرس البكالوريا في الغربة. يلومني لماذا لم نبقى في البلاد ونستشهد. يحدثني: هل تذكر مظاهرة الميدان في إحدى الجمع ذهبت .عشت شعورا رائعا. بأنني حر اصرخ للحرية والكرامة. كنت اخاف ان استشهد و تزعلوا مني لاني ذهبت للمظاهرة دون علمكم . على فكره اختي ايضا كانت بالمظاهرة . والله يا ابي من يوم استشهاد صديقي في مظاهرة بلدنا. وانا كل يوم بتمنى كون شهيد…. انظر اليه وقلبي يبكي
.ابنتي في أيام السلمية جاءت إليّ متنمرة سائلة لماذا انت جبان؟. الم تربينا على حقنا بالحرية والكرامة والعدالة. تثقفنا وتقول هي رسالة نحملها نحن واولادنا بعدنا. هذه ساعة الحقيقة تفضل.؟ نعم ولكن اعرف النظام لا يرحم. ولن يستقبلكم بالورود. نعم لا بد من التضحية. لا تستطيعي منعي من شعور الأب الذي يخاف على أولاده. نعم وأنت لا تستطيع منعي من حقي بالمطالبة بحريتي وكرامتي … اجلس انت وخوفك… وتخرج إلى المظاهرة قلبي يتبعها…. هذا ما زرعته يداك
.في بلدنا أكثر من مئة ألف شهيد لهم نفس الحكايه بشكل آخر. لهم أهل وامال واحلام… ومستقبل كان ينتظرهم وراء الباب . ماتوا كلهم معه
في بلدي تشرّد الملايين. وتركوا وراءهم كل شيء البيت الأغراض، مصدر الرزق، الذكريات، الحكايا، الاحلام، الافراح والاحزان، حبيب استشهد، والد معتقل، أم استشهدت مع خبزها على الفرن.. هربوا غريزيا. كما في الغابة حفاظا على الوجود
في بلدي دمرت البيوت، تعب العمر القرش فوق القرش، تعب الأب ،غربة الابن، إنتاج الأرض لعشرات السنين. لكي ننستر. بمساعدة الأهل والأصدقاء ، ذبحنا الخراف على عتبة البيت عندما عمّرته. زوجت ابني الكبير به وجاءتني حفيدتي به. اسميتها على اسم أمي طار البيت واخذ معه احد الاولاد.. و أصبحنا مشردين. شحاذين على أبواب العالم الذي لا يرحم ولا يحس… هل هناك ذل اكبر من هذا الذل؟
المستبد يعيش مرضه النفسي هل تكفيه جهنم (للابد)؟. وحقنا العادل . نأخذه منه ومن طغمته وكلها لا تساوي قطرة دم من اي انسان من شعبنا، زهقت دون وجه حق؟
هل استطعت ان اريح نفسي بهذا البوح
وأبرر ثورتي
وحقي بها؟
٣٠ . ٤ . ٢٠١٣م.