رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، التقى أمس مع الرئيس الأميركي جو بايدن. ولكن إذا كان يعتقد أن أساس اللقاء سيتناول ترتيب الانسحاب الأميركي من العراق فإن هجوم إيران على إسرائيل وفر لهما مادة جديدة للنقاش. حسب تقارير في وسائل الأعلام العربية فإن العراق، الذي أبلغته إيران مسبقا عن نية الهجوم، أوضح لها بأنه يعارض اختراق مجاله الجوي وسيعتبره خرقا لسيادته. وكما هو متوقع فإن إيران، التي تعتبر العراق (مثلما في سورية) جزء من ساحة اللعب الخاصة لها في الشرق الاوسط، لم تتأثر حقا.
لا يوجد أي شك بأن قضية العراق شغلت متخذي القرارات في إيران، الذين انتظروا أسبوعين تقريبا قبل بدء الهجوم. أيضا الردود المتوقعة من بعض الدول العربية، لا سيما دول الخليج التي علاقاتها حظيت بالتحسن مع إيران، كانت جزءاً من منظومة اعتبارات إيران، بدرجة لا تقل عن الخوف من الرد الإسرائيلي والأميركي المحتمل.
قائد قوة القدس إسماعيل قاآني مثلا جاء إلى بغداد في شهر شباط كي يعطي الأوامر للمليشيات الشيعية الموالية لإيران من أجل تجميد هجماتها على الأهداف الأميركية بعد أن ضربت في نهاية كانون الثاني قاعدة أميركية. الولايات المتحدة ردت على ذلك بقصف قواعد لمليشيا حزب الله العراق، وفي نفس الوقت أرسلت رسالة شديدة لإيران، وصلت إلى درجة التهديد بالمس بأهداف في داخل إيران. في طهران أدركوا أن قواعد المواجهة مع الولايات المتحدة يمكن أن تتغير، والرد كان وفقا ذلك. بعد مهاجمة لأشهر كثيرة قواعد أميركية في الشرق الأوسط بالصواريخ والمسيرات أكثر من 180 مرة، فإنه منذ 4 شباط الماضي لم تتم هناك مهاجمة أي هدف أميركي.
إيران والمليشيات في العراق أوضحت ضبط النفس بأنها لا تريد المس بالمفاوضات التي تجري بين بغداد وواشنطن بصورة يمكن أن تؤخر انسحاب الـ 2000 جندي أميركي من العراق. وسواء كانت قضية الانسحاب الأميركي هي السبب الأساسي لوقف إطلاق النار، أو أن السبب هو التهديد الأميركي هو الذي أقنع إيران، فإن هجوم إيران حطم الادعاء الرسمي والعلني الذي يقول إن إيران لا تملي على مبعوثيها كيفية العمل، وأن كل ذراع من أذرعها في الخارج، في اليمن والعراق ولبنان، يعمل بشكل مستقل حسب الظروف والفرص التي تسنح له في كل دولة من هذه الدول.
حتى الآن من غير الواضح كيف سيؤثر هجوم إيران على قرارات الولايات المتحدة والعراق حول قضية الانسحاب الأميركي، حيث إن الأمر يتعلق أيضا بقرار سياسي عراقي داخلي. ولكن عندما تطمح الولايات المتحدة إلى إقامة تحالف عسكري كنوع من حلف الناتو في الشرق الأوسط، فربما أن العراق سيخرج عن موقفه المحايد وسينضم إلى هذا التحالف إذا تم تشكيله.
إذا نجح الرئيس الأميركي في إقناع السوداني بالانضمام إلى دول الخليج الأخرى الموالية لأميركا فإن هذا يمكن أن يكون ضربة استراتيجية شديدة للنظام في إيران. من هنا تأتي حاجة إيران إلى العودة في الوقت القريب إلى استراتيجية “التشغيل عن بعد” لوكلائها، التي وفرت لها حتى الهجوم الأخير الحصانة من المس المباشر، ومن هنا تأتي رغبتها في أن تزيل عنها صورة التهديد الإقليمي.
من أجل ذلك فإن إيران تعمل على إقناع بالأساس الدول الجارة العربية بأن الأمر يتعلق ليس فقط بحدث لمرة واحدة، والذي استمراره يرتبط الآن بإسرائيل، بل بالأساس بعملية شرعية تستند إلى حقها في الدفاع عن نفسها بعد أن قامت إسرائيل بضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، التي تعتبر أرض سيادية إيرانية.
إضافة إلى ذلك وزير الخارجية الإيراني قال إن دولته أبلغت مسبقا، وأوضحت بأنها ستعمل بشكل محسوب بحيث لا تجر المنطقة إلى حرب شاملة. أيضا جهات في النظام وفي الجيش وفي حرس الثورة أكدت في هذا الأسبوع في الإحاطات بأن إيران استخدمت فقط جزء صغير من منظومة الصواريخ والمسيرات لديها، وأنه تم توجيهها بشكل دقيق إلى أهداف عسكرية. وأضافت الجهات بأنه إذا عملت إسرائيل ضد إيران مرة أخرى فمن المحتمل أن تتعرض لرد أقوى بكثير.
إيران أبلغت السعودية والإمارات وعدداً من الدول الجارة الأخرى بنيتها وعن حجم العملية المتوقعة. وحسب “وول ستريت جورنال” فإن هذه الدول وافقت على إرسال معلومات حيوية عن استعداد إيران حتى قبل أن تبلغ هي نفسها. وبذلك فقد ساعدت على إعداد تنسيق للعمليات العسكرية التي أفشلت جزءاً كبيراً من الهجوم. ولكن من الجدير الانتباه إلى أنه، حسب الصحيفة، كانت حاجة إلى ضغط أميركي على هؤلاء الحلفاء قبل موافقتهم على إعطاء المعلومات والانضمام للجهود الحربية، التي شملت ضمن أمور أخرى فتح مجالاتها الجوية أمام الطائرات الأميركية وربما الإسرائيلية أيضا.
معضلة السعودية والإمارات غير سهلة. توجد للدولتين علاقات وثيقة مع إيران، وقد تبنت في السنوات الأخيرة إستراتيجية جديدة تفضل من خلالها وجود علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع إيران بدلا من المواجهة. إضافة إلى ذلك هذه الدول، رغم علاقاتها الجديدة الرسمية وغير الرسمية مع إسرائيل.
يوجد لهاتين الدولتين تاريخ قريب من المواجهة القاسية مع إيران، وهي تقلق من أن “إستراتيجية الاحتضان” مع طهران يمكن ألا تكون كافية لمنع هجوم مشابه عليهما. في نفس الوقت إيران التي تعمل على الدفع قدما بعلاقاتها مع جيرانها وأنها وضعت تحسين علاقات الجيرة مع الدول العربية على رأس سلم أولوياتها السياسي، إلا أنها كما تبدو لم تقدر بشكل كامل تأثير الهجوم على علاقاتها الخارجية. ربما هي توقعت أن التضامن العربي المتمثل في وحدة الصف إلى جانب الفلسطينيين سيقف إلى جانبها كدولة وحيدة تجرأت على استخدام السلاح ضد إسرائيل.
يبدو أن إيران أنشأت سورا بين دعمها لـ “محور المقاومة”، الذي هدف إلى توفير مظلة لحماس، وبين الحساب “الخاص” لها مع إسرائيل، أيضا الدول العربية رسمت حدود تضامنها. هذا لا يعني أن هذه الدول ستنضم على الفور إلى التحالف العسكري الأميركي (والإسرائيلي) المناهض لإيران، وأيضا من غير المتوقع أن تقطع علاقاتها مع إيران أو أن الأخيرة ستبادر إلى هذا القطع رغم المساعدة الكبيرة التي قدمتها هذه الدول من أجل نجاح إحباط الهجوم. الدليل على ذلك توفر الجهود الدبلوماسية لوزير الخارجية الإيراني في محادثاته في هذا الأسبوع مع نظرائه في دول الخليج، بما في ذلك وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، التي تهدف إلى التهدئة والتوضيح بأن الأمر يتعلق بعملية لا ترتبط بـ “محور المقاومة”، بل الدفاع عن سيادة إيران. وزير الخارجية الإيراني عبد اللهيان بالتأكيد ذكر لابن فرحان بأن هجوم الجمهور الإيراني على السفارة السعودية في طهران في 2016 هو الذي أدى إلى قطع العلاقات بين الدولتين والذي استمر لسبع سنوات؛ ومثلما أن السعودية لم تتمكن من المرور مر الكرام على ذلك الهجوم، فإن إيران هي أيضا كانت مضطرة للرد على هجوم إسرائيل على قنصليتها في دمشق.
هذه الجهود تدل على أن هدف إيران سيواصل كونه الحفاظ على وتطوير العلاقات مع دول المنطقة كرؤية إستراتيجية. والسؤال هو هل من أجل تطبيق ذلك الذي سيقتضي تهدئة الدول الجارة من أجل منع إقامة تحالف عسكري مناهض لإيران؟. ستقرر إخضاع سلوك مبعوثيها لمصالح إيران، وأن توقف هجمات الحوثيين وأن تدفع قدما بحل سياسي في لبنان.
المصدر: هآرتس/الغد الأردنية
نظام ملالي طهران لديه أولويات يعمل للحفاظ عليها بإعادة الإمبراطورية الفارسية وأن تظل إيران دولة إقليمية قوية عسكرياً وسياسياً لذلك إستخدامها لشعارات براقة كتحرير القدس وحلف المقاولة والمماتعة هي لخدمتها. لذلك ليس من مصلحتها زيادة التوتر بالمنطقة لأنها تعمل ضمن التصعيد المنضبط بحيث تحافظ على أجندتها ودون أن تزعج الآخرين وخاصة الجيران.