اشتعال الشرق الأوسط على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خرج من دائرة التحذيرات ليصير واقعاً على الأرض منذ قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان (أبريل) الجاري، ما أسفر عن مقتل مسؤول “فيلق القدس” في الحرس الثوري الجنرال محمد رضا زاهدي وستة من مساعديه، وما استتبع ذلك من رد إيراني ليل السبت الماضي.
وضع الهجوم على القنصلية النظام الإيراني أمام معادلة صعبة، وشكّلت له أكبر تحدٍ منذ اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد في كانون الثاني (يناير) 2020. ومنذ هجوم حركة “حماس” على غلاف غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، والحرب الإسرائيلية على القطاع، نجحت طهران بالتنسيق غير المباشر مع الولايات المتحدة، في منع امتداد النزاع، وبقيت جبهات “المساندة” في جنوب لبنان وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ضمن سياق “مضبوط”.
وتمكن الضغط الإيراني على فصائل الحشد الشعبي في العراق، من وقف الهجمات على قواعد ينتشر فيها جنود أميركيون على الأراضي العراقية والسورية، بعد الهجوم بمسيّرة على موقع مراقبة أميركي في شمال الأردن في وقت سابق من العام، أسفر عن مقتل ثلاثة جنود أميركيين، والردّ الأميركي بقصف عنيف لمواقع تابعة لفصائل عراقية موالية لإيران في العراق وسوريا، لتلي ذلك فترة من الهدوء.
وفي وقت تواجه إسرائيل مأزقاً في غزة، بعدما تحول القتال إلى حرب استنزاف ومن دون أن تحقق أياً من الأهداف الأساسية التي حدّدتها الحكومة الإسرائيلية، تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإبرام هدنة موقتة تتيح تبادلاً للأسرى وإدخالاً لمواد الإغاثة بكميات كبيرة إلى غزة، للحؤول دون تفشي الجوع الذي يهدّد فعلاً غالبية سكان القطاع.
ومع اشتداد الضغوط الأميركية على نتنياهو ووصول العلاقات الأميركية-الإسرائيلية إلى أسوأ حالاتها بسبب عدم الإصغاء لمطالب الولايات المتحدة، ووسط تصاعد ضغط الشارع من أجل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى وإجراء انتخابات مبكرة، ارتأى نتنياهو الانتقال إلى تفجير نزاع إقليمي مع إيران، مدركاً أنّ الإدارة الأميركية، ستكون مضطرة للوقوف مجدداً خلف إسرائيل، لأنّ الرئيس جو بايدن لن يخاطر في سنة الانتخابات الرئاسية، بالتخلّي عن الدولة العبرية، إذا ما اندلعت حرب إقليمية.
الحرب الإقليمية، هي وسيلة نتنياهو لتخفيف الضغط الدولي عن إسرائيل بسبب حربها الدامية على غزة التي أسفرت عن سقوط أكثر من 33 ألف فلسطيني وتدمير نسبة 60 في المئة من المساكن وتشريد أكثر من 1.8 مليون شخص يواجه معظمهم خطر الموت قصفاً أو جوعاً.
كانت الضربة الإسرائيلية للقنصلية الإيرانية في دمشق، أكبر من أن يمتصها النظام في طهران، وتجاوزت بنتائجها ضربات سابقة، كانت إيران تؤثر عدم الردّ المباشر عليها، أو تردّ عليها في سياقات “حرب الظل” المندلعة مع إسرائيل منذ 2010، وتخللتها عمليات اغتيال إسرائيلية لمسؤولين إيرانيين أو عمليات تخريب لمصانع ومنشآت وهجمات سيبرانية على مرافق مختلفة، وكانت طهران تردّ بهجمات على سفن يملكها رجال أعمال إسرائيليون في مياه الخليج، أو عبر زيادة الدعم لحلفاء إيران في المنطقة.
الغارة الإسرائيلية على القنصلية، أجبرت إيران على الردّ بنفسها وبشكل مباشر من أراضيها. ربما أخطأ نتنياهو في تقدير أنّ طهران لن تتجرأ على مثل هذا الردّ، وبأنّها ستكتفي بردود من قبل “حزب الله” في لبنان أو الحوثيين في اليمن.
وربما يكون نتنياهو أيضاً قد سعى عمداً إلى دفع إيران إلى التخلّي عن سياسة “الصبر الاستراتيجي” وتدخل في نزاع مباشر مع إسرائيل، ليعيد خلط الأوراق وليصور إيران على أنّها هي من تسبب في حرب غزة، من أجل تعزيز نفوذها الإقليمي، وتالياً ليست “حماس” سوى أداة في خدمة المشروع الإيراني في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، يحرف النزاع الإقليمي المباشر مع إيران وجهة التركيز العالمي على القضية الفلسطينية كما تبدّى في الأشهر الستة الأخيرة. وجهة كهذه تتيح لنتنياهو وللمتشددين في حكومته تنفيذ أجندتهم الخطيرة في غزة والضفة الغربية.
المصدر: النهار العربي
قوات الإحتلال الصhيوني بقيادة نتNياهو تحاول الإستفادة من الصراعات الإقليمية التي أحدثتها حربها المتوحشة القذرة على شعبنا بفلسطين.غزة ومنها قصفها للقنصلية الإيرانية بدمشق، ومسرحية الرد الإيراني وتداعياتها، ليعيد خلط الأوراق بالمنطقة وأطراف الصراع. ولكن هل سينجح؟.