بعد جولات من المفاوضات غير الناجحة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وسط تبادل الاتهامات بـ”التعنت” بين إسرائيل وحركة حماس، برزت مؤخرا مسألة عودة سكان شمالي قطاع غزة إلى مناطقهم، كعقبة رئيسية في المحادثات غير المباشرة التي تتوسط فيها القاهرة والدوحة وواشنطن.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الجمعة، نقلا عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين ومصريين، أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تضغط على إسرائيل للسماح لأعداد محدودة من المدنيين الذين شردتهم الحرب بالعودة إلى الجزء الشمالي من قطاع غزة الذي نزحوا منه.
نقاط الخلاف
تذكر الصحيفة الأميركية وفقا للوسطاء العرب المشاركين في المحادثات، أن إسرائيل “منفتحة للسماح لألفي شخص يوميا، معظمهم من النساء والأطفال، بالعودة إلى الشمال، على أن يعود 60 ألف فلسطيني كحد أقصى بموجب اقتراح تعتبره إسرائيل مقبولا”.
لكن الاقتراح “يستثني الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاما”.
ويقول المسؤولون العرب حسب “وول ستريت جورنال”، إن عودة سكان غزة النازحين “قد تبدأ بعد 10 أيام إلى أسبوعين من تنفيذ وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع”.
كما نقلت عن مسؤولين إسرائيليين ومصريين، أنه يتعين عليهم “المرور عبر نقاط تفتيش عسكرية إسرائيلية، تسعى إلى منع عناصر حماس المسلحين من التسلل مرة أخرى إلى الشمال، حيث يمكنهم استئناف الهجمات على القوات الإسرائيلية”.
لكن هذه الشروط لم تقبلها حماس، التي تريد إزالة نقاط التفتيش وتطالب بعودة كامل أفراد العائلات المشردة إلى الشمال، بما في ذلك الرجال، وفق الصحيفة.
ويعتبر محللون تحدثوا لموقع “الحرة” أن عودة السكان من الجنوب “أمر معقد ويرتبط بترتيبات أبعد من صفقة هدنة”، لأن العملية “تتطلب المزيد من الحذر الأمني، بالإضافة إلى متطلبات الإيواء والمساعدة الإنسانية”.
اعتبارات أمنية
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، أنه “يجب فهم طبيعة إصرار الطرفين على مواقفهما.. فهو ليس من منطلق إنساني وإنما من منطلق الاحتياجات القتالية والعملياتية”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “إسرائيل تريد السيطرة على عملية تنظيم عودة النازحين شمالا، مع عدم السماح لعناصر حماس بالعودة إلى هذه المنطقة مجددا وبقائهم محاصرين في الجنوب”.
في المقابل، تسعى حماس إلى “تعزيز تواجدها في الشمال في ظل الغياب الملحوظ لعناصرها هناك، حيث تنظر إلى الشمال باعتباره خارج نطاق سيطرتها، وتُصر على العودة إلى هناك دون تفتيش وإجراءات أمنية”، وفق شتيرن.
ويتابع: “إسرائيل تعرف جيدا ما تريده حماس ولن تمنحها إياه، بل ستصر على الحفاظ على الضغط في الجنوب، لأن هذا في نهاية المطاف سيشكل عامل ضغط على حماس في ظل تواجد النازحين، رغم أنها لا تأخذ على عاتقها مسؤولية الاهتمام بالسكان الفلسطينيين”.
ويؤكد هذا أيضا المحلل السياسي الإسرائيلي مردخاي كيدار، الذي يقول لموقع “الحرة”، إن بلاده “تصر” على عودة الأطفال والنساء دون الرجال، “لأن الرجال يشتبه فيهم باعتبارهم عناصر محتملة من حماس”.
ويضيف: “عودة حماس إلى الشمال أمر غير مقبول نهائيا في إسرائيل”، متسائلا: “ماذا فعلنا إذن حال سُمح بعودة عناصر حماس إلى الشمال؟”.
“أطماع في السيطرة على الشمال”
من جانبه، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عصمت منصور، أن رفض إسرائيل لعودة السكان بالكامل يرجع إلى “أطماع استيطانية، إلى جانب دوافع أمنية وانتقامية”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “إسرائيل تصر على عدم عودة سكان الشمال بالكامل، نظرا لأطماعها في السيطرة عليه (شمالي القطاع)، وأيضا لتخوفها من أن يصاحب عودة أعداد كبيرة إلى المناطق المتاخمة للحدود، لإعادة تشكيل حماس لبنيتها التحتية من جديد”.
ويتفق مع هذا الرأي أيضا المحلل السياسي الفلسطيني، تيسير العلي، الذي قال لموقع “الحرة” إن “إسرائيل وضعت نقاط تفتيش بين الشمال والجنوب لتقطع أواصر غزة، وتحاصر العدد الأكبر من الفلسطينيين في الجنوب تحت شعار تصفية حماس”.
ويتابع: “إسرائيل لا تريد عودة النازحين في الأساس، خصوصا أنها تخطط لمصادرة حوالي 20 بالمئة من أراضي القطاع، في إطار خطتها لإقامة منطقة عازلة”.
والشهر الماضي، ذكرت تقارير أن إسرائيل تقوم منذ الأيام الأولى للحرب بإنشاء “منطقة عازلة” على طول حدود مع القطاع، يزيد عرضها عن نصف ميل، حيث ستتمكن القوات الإسرائيلية من رؤية ومنع أي شخص يقترب من الحدود.
وفي تصريحات سابقة لموقع “الحرة”، كشفت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، أن إنشاء المنطقة العازلة “جزء من الإجراءات الحتمية اللازمة لتنفيذ خطة دفاعية من شأنها أن توفر أمنا أفضل في جنوب إسرائيل”، دون كشف المزيد من التفاصيل حول كونها “مؤقتة أو دائمة”.
وتعارض الولايات المتحدة صراحة إنشاء منطقة عازلة، قائلة إنه لا ينبغي أن يكون هناك تغيير دائم في الأراضي الفلسطينية.
هل يمكن تأمين العودة؟
يتفق المحللون على أن هناك الكثير من التحديات التي قد تواجه عودة آلاف الفلسطينيين إلى شمالي القطاع حال تم التوافق على ذلك، إذ يقول منصور إن “المزيد من المشاكل اللوجستية ستقابل هذه الخطة في الشمال المدمر بالكامل، الذي لا توجد به منازل، ولا أي مقومات للحياة من مرافق طبية أو غذائية”.
ويستطرد: “عودة السكان إذا أردوا أن يعودوا ويجب أن يعودوا، لابد أن يسبقها وجود مقومات للحياة، وهذا يمكن القيام به في إطار حل جذري فيما يتعلق بأزمة القطاع وترتيبات دائمة بعيدة المدى، وليس في إطار صفقة هدنة مؤقتة”.
هل العودة ممكنة دون الرجال؟
بدوره، يعتبر العلي أنه “في حال تم التوافق بشأن هذه المقترحات، لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة 60 ألفا إلى الشمال دون مرافقة الرجال، بسبب رفض الأسر ترك أربابهم، حيث لا يمكن للنساء أو الأطفال أن يعيشوا دون وجود رب الأسرة”.
ويوضح: “هذا إلى جانب عدم وجود مناطق إيواء يمكنها استيعاب السكان، نظرا إلى الدمار الكبير في الشمال، وأن أكثر من 80 بالمئة من المباني هناك دُمرت كليا أو جزئيا”.
ويستطرد: “رغم أن الفلسطينيين مستعدون للعودة حتى على تراب منازلهم، لكن لا يمكن لإنسان أن يعيش على هذا الوضع لفترة طويلة”، مشيرا إلى أن إعادتهم إلى الشمال يجب أن “ترتبط بخطط إعادة إعمار غزة”.
فيما يعتبر منصور أن “كل هذه العوامل تجعلنا نفترض أن مساعي الهدنة، غير مضمونة وغير مؤكدة، وربما تحتاج إلى المزيد من الوقت للتشاور”.
لكن “توقف القتال لشهر ونصف على الأقل قد يؤدي إلى تفاهمات، وعندها يمكن الحديث عن ترتيبات القطاع في المستقبل وهي قضية شائكة ومعقدة”، حسب ما يضيف منصور.
بدوره، يؤكد كيدار أن “إسرائيل ستوافق على تمرير المساعدات الإنسانية للنازحين، لكن ليس من أجل تعبئة جيوب حماس بالأموال”، متهما الحركة الفلسطينية بـ”الاستيلاء على المساعدات الإنسانية وإعادة بيعها”.
ويقول: “هناك الكثير من المشاكل التي قد تتعلق بالمساعدات وكيفية تسليمها وتوزيعها على النازحين، خصوصا مع سعي حماس للاستيلاء على المساعدات وبيعها إلى الناس بأسعار باهظة، لإعادة بناء قدراتها المالية”.
وردا على طلب موقع “الحرة” للتعليق حول تأمين الجيش الإسرائيلي عودة النازحين وتوزيع المساعدات في شمال القطاع، قالت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي عبر تطبيق “واتساب”، إن “هذه الأسئلة مناسبة أكثر للحكومة وصانعي السياسات”.
وبالتواصل مع المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية للإعلام العربي، أوفير غندلمان، عبر “واتساب”، جاء الرد: “هذه الأسئلة تتعلق بالمفاوضات مع منظمة حماس الإرهابية حول الإفراج عن مخطوفينا، لذا لا أستطيع التعليق عليها حاليا”.
وفي وقت سابق، أعلنت إسرائيل السماح بنقل المساعدات “مؤقتا” عبر ميناء أسدود الواقع على بعد حوالي 40 كيلومترا إلى شمال غزة، ومن خلال معبر إيريز “بيت حنينا” بينها وبين شمال القطاع.
كما قررت السماح “بزيادة المساعدات الأردنية عبر معبر كرم أبو سالم” بين إسرائيل وجنوب القطاع.
هل تتغير المواقف؟
حث الرئيس الأميركي، جو بايدن، في رسالتين بعثهما إلى زعيمي مصر وقطر، الجمعة، على الضغط على حركة حماس من أجل الموافقة على اتفاق يفضي إلى وقف إطلاق النار في غزة وإطلاق سراح الرهائن وذلك قبل جولة جديدة من المحادثات هذا الأسبوع، حسب ما نقلت رويترز.
ومن المتوقع أن يصل مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام بيرنز، إلى العاصمة المصرية القاهرة هذا الأسبوع، لإجراء جولة أخرى من محادثات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن.
كما من المتوقع أن يحضر المحادثات رئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد بارنياع، على ما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية في وقت سابق.
أما فيما يتعلق بحماس، فقد قالت الحركة في بيان نقلته رويترز، إن وفدا برئاسة خليل الحية سيتوجه إلى القاهرة، الأحد، من أجل المشاركة في المحادثات.
وأفاد مصدر أمني لمراسلة “الحرة” في القاهرة، بأن جولة مفاوضات جديدة ستنعقد، الأحد، لبحث سبل وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وفق ما تم الاتفاق عليه حتى الآن بين الوسطاء.
ولا يستعبد المحلل شتيرن أن يتم التوافق على صفقة بين إسرائيل وحماس، قائلا: “هذا أمر ممكن إذا كانت ترغب حماس في التقدم تجاه صفقة بها الكثير من الإيجابيات، حتى من دون عودة النازحين إلى الشمال”.
ويضيف: “إسرائيل أيضا تستطيع أن تغير موقفها إذا رأت أن الحاجة إلى إتمام صفقة أمر مهم الآن”، مشيرا إلى أن “كل طرف قد يغير موقفه استنادا إلى احتمالات وإيجابيات الصفقة”.
من جانبه، يعتقد منصور أن إسرائيل “قد تربط العودة الكاملة للنازحين بانتهاء الحرب، والتي قد تكون متعلقة بترتيبات بعيدة المدى للقطاع في إطار خطط اليوم التالي ومستقبل القطاع”.
ويضيف: “إسرائيل تريد أن تبقي على هذه الورقة لمرحلة لاحقة، وليس مرحلة حالية مقابل إطلاق سراح الرهائن”.
“لن تغير إسرائيل موقفها بسهولة، بالنظر إلى الاعتبارات الاستراتيجية والعسكرية والأيدولوجية”، حسب منصور، الذي يضيف: “فيما يتعلق بحماس، فإن لديها هامش مناورة ضيق”.
ويستطرد: “لكن أيضا معضلة حماس أنها إذا قبلت بهذه الصفقة فهي توافق على سيطرة إسرائيل على القطاع وتقسيمه. وإذا رفضت يعني أنه لن يكون هناك اتفاق”.
ويعتبر منصور أن “ورقة القوة الوحيدة التي تملكها حماس الآن هي الرهائن، خصوصا أنها لا تمتلك في الوقت الراهن أي أدوات ضغط عسكرية. وما قد يساعدها قليلا هو الضغط الدولي على إسرائيل”.
رغم ذلك، لا يستبعد المنصور أن توافق حماس على صفقة “هدنة” ضمن ترتيبات ربما تشمل زيادة عدد النازحين العائدين إلى الشمال، وتخفيف الإجراءات الأمنية أو تسهل عملية عودتهم.
في المقابل، لا يتوقع كيدار انفراجة فيما يتعلق بالمفاوضات الراهنة، قائلا: “لست متفائلا بهذا الشأن.. هناك فوارق شاسعة. إسرائيل تريد الإفراج عن المخطوفين، وحماس تريد البقاء في السلطة ومعها السلاح، ولا أرى في هذا أي التقاء”.
بدوره، يرى العلي أن “التوافق فيما يتعلق بطلبات الطرفين لن تتم بالإقناع، وأن الأمر يعتمد على نتيجة الصراع وحسمه”.
ويتابع: “أرى أن عودة المهجرين بالكامل أهم من صفقة وقف إطلاق النار، لأن هذا المطلب له علاقة بمستقبل القطاع وما يتعلق بما يسمى بخطط اليوم التالي بعد انتهاء الحرب”.
واندلعت الحرب في غزة إثر هجمات حماس (المصنفة إرهابية داخل الولايات المتحدة ودول أخرى)، التي أسفرت عن مقتل نحو 1200 شخص في إسرائيل، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، وفق السلطات الإسرائيلية.
كما خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصا ما زال 130 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
في المقابل، قُتل أكثر من 33 ألف شخص في قطاع غزة، أغلبهم نساء وأطفال، وفق السلطات الصحية في غزة، إثر العمليات العسكرية الإسرائيلية المدمرة، فيما نزح مئات الآلاف من منازلهم متجهين إلى جنوبي القطاع، هربا من القتال.
المصدر: الحرة نت
الى أين ستنتهي مفاوضات القاهرة؟ هل سيعود شعبنا بغزة الى الشمال ؟ هل سيكون هناك متطلبات للحياة حال عودتهم؟ الى متى سيستمر المجتمع الدولي بعهره ونفاقه للكيان الصhيوني، ونظرته الدونية لشعبنا العربي الفلسطيني؟ هل سقطت المبادئ والأخلاق وحماية العهود والمواثيق و.. الى لا نهاية ولتسيطر قانون الغاب؟.