قراءة في رواية: غراب وصنمان || قصة طائر تجرأ على الحلم

أحمد العربي

غيث حمور روائي سوري متميز، منتمي للثورة السورية، قرأت له سابقا رواية امبراطورية فسادستان وكذلك رواية ابيض قاني وكتبت عنهما…

غراب وصنمان – قصة طائر تجرأ على الحلم رواية غيث حمور الجديدة، تعتمد أسلوب السرد على لسان شخصيات الرواية الرئيسية الغراب و كنان وساندرا وزينب وثامر بالتتابع ولاكثر من مرّة وهكذا حتى تكتمل الرواية سردها وتوصل حكايتها الكاملة…

تبدأ الرواية على لسان الغراب الذي يتقمص هنا دور الراوي لبعض الرواية، فهو يتردد على الجامعة التي يدرس فيها كنان وساندرا، والحدث يبدأ من تاريخ موت الأسد الأب عام ٢٠٠٠م.  واستلام الأسد الابن السلطة بعده بتوريث علني، وكيف يتغوط الغراب على صنم “تمثال” الأسد الأب في الجامعة، مما يثير حفيظة حيدر المخبر وابن النظام. حيث يحقد على الغراب ويبقى يطارده حتى يقتله بطلقة من مسدسه في نهاية الرواية…

كنان دخل الجامعة في كلية الصحافة سنة موت الأسد الأب وهناك تعرف على ساندرا التي تكبره بسنوات حيث كانت في سنتها الثالثة في الجامعة، احبها واحبته. لكن هو مسلم وهي مسيحية، المجتمع والعرف يرفض هذا الحب ويمنعهم من الزواج، لذلك عاشا حبهما متسترين وبسرية دائمة. كنان ينتمي لعائلة معارضة للنظام حيث كانت أمه قد اعتقلت لسنوات طويلة، وخرجت من المعتقل مريضة وسرعان ما توفيت…

كما تعرف كنان وساندرا على زينب ابنة حماة التي عاصر أهلها مجازر النظام بحق أهلها ايام الصدام بين النظام والإخوان المسلمين. وتنكيل النظام بكل القوى الوطنية الديمقراطية المعارضة للنظام في الثمانينات من القرن الماضي. زينب التي زوجها أهلها باكرا من رجل يكبرها بسنوات كثيرة، لقد عانت من هذا الزواج وبعد ذلك استطاعت الحصول على طلاقها وحريتها. ودخلت الجامعة متأخرة لكنها اصرت على اكمال دراستها الجامعية، كانت من عائلة ثرية وبعد موت والدها وحصولها على حصتها من المال فتحت مقهى سلمت إدارته لثامر زميلها  في الجامعة. ثامر شاب درزي ، حصل بينهم حب مستحيل ايضا. حيث تحرم الأعراف والعادات الحب والزواج بين المختلفين في المذهب. الى درجة القتل خاصة للفتاة، واخراج الرجل من المذهب بالنسبة للرجال، ونفيهم من بلداتهم احيانا…

 تطورت العلاقة بين كنان وساندرا حتى التواصل الجسدي، تحت حماية أصدقائهم وفي بيت صديقتهم زينب، وكذلك زينب وثامر فقد تطورت علاقتهم ، ولكن مازالوا جميعا ضحية احتمال أن يكشف أمرهم ويتم قتل النساء الخارجات عن العرف والمذهب، فلا زال يحصل الكثير من قتل الفتيات من قبل ذويهم، تحت مسمى “جرائم الشرف” ؟!!…

تجمع الاصدقاء الاربعة في اعتصام بدأ خجولا في دمشق بمناسبة يوم الأرض الفلسطيني حيث يجتمع المعتصمين حاملين الأعلام الفلسطينية واللافتات محتجين على سلب الأراضي الفلسطينية واحتلال الصهاينة لفلسطين.

حصل ذلك تحت سمع النظام ونظره ومراقبته. لقد اخترق الاعتصام عبر المخبرين وبعض الطلبة الموالين للنظام. وعملوا كل الوقت ليستفيد منه النظام معنويا مع رواج ادعاء النظام أنه مقاوم وممانع…

تكرر الحال في عام نيسان ٢٠٠٣م حيث بدأ الأمريكان حربهم لاحتلال العراق. تجمع الاصدقاء الاربعة في دمشق ومعهم الكثيرين منددين باحتلال العراق وصمت العالم كله عن ذلك بما فيها الدول العربية ذاتها.

سكت النظام عن الاعتصام بداية وبعد مضي أيام على الاعتصام، ومع ارتفاع لهجتهم، قرر النظام فض الاعتصام واعتقال أهم ناشطيه. كان من بين المعتقلين كنان حيث تم التنكيل به ونقله من فرع امن الى آخر وتلقى هناك التعذيب والتحرش والتنكيل، واستمر ذلك لايام معدودة، افرج بعدها عنه بعد مسرحية محاكمة صورية، و رشاوي دفعت من قبل أهله. كانت فترة الاعتقال كافية بالنسبة لكنان والشباب والفتيات المعتصمين حتى يمتنعوا عن الاعتصام وعدم التفكير بذلك مجددا…

لقد عادوا خانعين في جمهورية الصمت والخوف والقمع السورية. حتى علاقاتهم أصبحت هشّة ولقاءاتهم متباعدة، ودخل بعضهم حالة اكتئاب ويأس…

ودارت السنوات دورتها وسرعان ما عاد الأمل مجددا في الربيع العربي الذي تفتح حرية وكرامة وعدالة وديمقراطية في تونس ومصر وليبيا واليمن ووصل امتداده لسوريا وسرعان ما عاد الاصدقاء الاربعة يجتمعون مع الكثير من الشعب السوري في ساحات الحرية ويطالبون بإسقاط الاستبداد والظلم والقمع وبناء دولة ديمقراطية لكل السوريين…

هنا تنتهي الرواية.

في التعقيب عليها اقول:

اننا امام رواية جديدة للصديق غيث حمور، ومازال يقبض على جمر الثورة السورية وان السوريين كانوا ومنذ عقود يقدمون التضحيات من اجل حصولهم على حقوقهم السياسية والمجتمهية كاملة. في دولة قانون وحريات وعدالة وصون الكرامة الانسانية وبناء الديمقراطية…

لا بد من التنويه بوجود الربط بين احتلال العراق في الرواية حيث الانظمة المستبدة التي تقمع شعوبها وتظلمها وتستدعي المستعمر وتستسلم له بعد تهويل وادعاء كبير كما حصل في عراق صدام حسين. اما النظام السوري الذي وقف يتفرج على احتلال العراق، حيث سمح للشباب المتحمس بالذهاب للجهاد هناك، واعتقل البعض وساعد في خلق الجهاد المنسوب للإسلام واستدراج القاعدة وخلقها وولادة داعش مع كل انعكاساتها السلبية على الحياة في سوريا والمنطقة كلها…

كما سلطت الرواية الضوء مجددا على التخلف الاجتماعي وعلى واقع هيمنة الأعراف والتقاليد، حيث يحرم الزواج المدني بين المختلفين دينيا وحتى مذهبيا، وإن حصل وتم هذا الزواج، فيكون العداء من المجتمع والأهل قاسيا إلى درجة القتل للفتاة والشاب الذين تجرأوا على تحدي العرف الاجتماعي…

نعم هناك حاجة لتنوير اجتماعي ديني وزرع قيم حقوق الانسان والمواطنة المتساوية وخلق مناخ من التآخي الاجتماعي…

كذلك دخلت الرواية في العوالم المجتمعية بتوعها واطلت عليها…

لا بد لنا ان نحيي ذلك الغراب الذي تجرأ على الصنم وبال عليه…لقد  سبق السوريين الذين حطموا اصنام النظام وتماثيله، داخل نفوسهم وفي ميادين سوريا كلها إبان ثورتهم الرائعة…

صحيح أن الحساب الختامي لثورتنا مؤلما للآن… لكن المعركة لم تنتهي وهاهو شعبنا يعيد كرته الاولى في ثورته المتجددة في السويداء ودرعا وكل سوريا…

موعد النصر في ثورتنا السورية قريب بعون الله…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى