أهل مكة ليسوا أدرى بشعابها دائمًا
تبرز، في مثل هذه المحطات، بصورة علنية أو ضمنية، فكرة أن “أهل مكة أدرى بشعابها”. لكن هل حقًا يدرك القيِّمون على أمر ما، أو في مكان ما، أفعالهم ورؤاهم ومستقبلهم بصورة أفضل دائمًا من غيرهم؟ هل يعلم المرابطون في “ساحة الكرامة” خطورة شعار “كل شيء يجب أن يصدر من الساحة، والساحة لها الأولوية والكلمة العليا” على وزن مقولات كثيرة سمعناها في محطات عديدة خلال ثلاثة عشر عامًا “نحن أولياء الدم، ونحن من يقرر”، “نحن أم الصبي ولنا الكلمة الأولى”. أليست مثل هذه المقولات خطوة أولى في طريق إعادة إنتاج الشعبوية؟!
في الحقيقة، إن مقولة “أهل مكة أدرى بشعابها” ليست صحيحة دائمًا، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك، وإلا لما استطاع الغرب معرفة أرضنا وبلادنا وثرواتنا ومجتمعاتنا أفضل منا، ولما عرف النظام السوري المجتمعَ السوري أفضل من أي طرف محلي.
قطيعة نفسية مع الخطاب الوطني
جاء الحراك في السويداء ليعيد التشديد على الشعارات الأولى للثورة السورية قبل أن تجري في النهر مياه كثيرة، وهذه فضيلة كبرى. لكن، لا بدَّ أن هناك من لاحظ ضمور التفاعل مع مثل هذه الشعارات على المستوى السوري العام. يعود ذلك، في رأيي” بدرجة أولى إلى تهشّم الأرواح السورية خلال ثلاثة عشر عامًا ما يجعل هذه الشعارات غريبة عنهم في اللحظة الحالية. ويعود جزئيًا إلى عوامل أخرى، لعل أهمها: يرى بعضهم أن أهل السويداء جاؤوا متأخرين كثيرًا، “ربما كانوا نائمين في كهف واستيقظوا وليس في ذاكرتهم إلا أساليب جربناها وأخفقنا”، هذا كلام يُقال صراحة أو ضمنًا. ويرى غيرهم أن الشعارات الوطنية المرفوعة لم تعد ذات معنى، فيما يرى آخرون أنها لم تعد تعنيهم بعد أن أصبحوا في وادٍ آخر؛ ربما بعد أن ساروا في مشروعات غير وطنية أو مرتبطة بسياسات إقليمية أو خاضعة لتوجهات طائفية أو قومية.
ينبغي لنا الانتباه إلى أن الإيقاع السوري لم يكن واحدًا أصلًا حتى على مستوى الثورة، وهذه مسألة استثمرها النظام جيدًا، فاستفرد بكل منطقة أو قرية فيما الآخرون عاجزون عن الفعل أو ممنوعون من المشاركة أو مهمشون أو يراقبون بحسرة. كانت هناك مشاركة واسعة شملت معظم الأراضي السورية طوال عام 2011، لكن فيما بعد أصبح لكل منطقة إيقاعها الخاص. السبب الرئيس في غياب الإيقاع السوري الواحد والموحِّد، في رأيي، هو العجز عن إنتاج التمثيل السياسي الوطني الديمقراطي المستقل والوازن الذي يمكنه أن يكون بوصلة السوريين.
من جهة أخرى، ينبغي لنا التخلص من المقاربة الأخلاقية في التحليل السياسي للواقع؛ فالأحوال السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتاريخية في أي منطقة هي المحرك الرئيس للفاعلية والمشاركة، ولا يتعلق الأمر بمستوى “الكرامة” أو معدل “الناموس” في الدم. من شأن هذه القناعة أن تجعلنا نتعامل مع الظواهر بطريقة تستند إلى العقل والتحليل العلمي لا إلى الأمنيات والرغبات والتوصيفات الأخلاقية للبشر. هذا يعني أنه لا أحد في حاجة إلى أن يقدم اعتذارًا بسبب غيابه عن المشهد أو تأخره، ولا أحد مطالب بتبرئة ساحته من عدم مشاركته في أي ثورة أو حراك.
هل هناك فائدة في ربط حراك السويداء بثورة 2011؟
سعى الحراك في السويداء لربط نفسه بالثورة السورية التي انطلقت في مارس 2011، وأكد شعاراتها الأولى، وهذا جيد من هذه الزاوية وحسب. لكنه لم يكن كذلك على المستويات الأخرى، وربما كان من الأفضل أن ينظر الحراك إلى نفسه بوصفه حلقة “مستقلة” من نضال الشعب السوري وإن كان يشترك مع ثورة 2011 ببعض المسائل والأهداف. لأن هذه الاستقلالية النسبية (أو المسافة عن ثورة 2011 وما بعدها) ستعفيه من الاشتراك في تحمل وزر كثير من الأخطاء التي حصلت، ومن الخضوع لابتزاز الشخصيات والجماعات المسيطرة حاليًا، أو في الأحرى منذ 2012، على المشهد السوري.
مثلًا، لم يكن مفيدًا أن يحمل المتظاهرون في السويداء ما سُمي “علم الثورة”، على الرغم من أن هذا العلم، والأعلام السورية الأخرى عبر التاريخ وإلى اليوم، ينبغي لها أن تكون جميعها محط احترام وتقدير السوريين. فرفع هذا العلم في ثورة 2011 كان أصلًا، في رأيي، خطأً جسيمًا، لم تدرك الجهات التي رفعته توابع فعلتهم والخطورة الكامنة خلفها؛ فالانقسام على الرموز الأساسية في أي بلد هو أشد أنواع الانقسام، ووجود علمين يعني عمليًا وجود شعبين لا يلتقيان، وهذا ليس له من معنى سوى ضيق أفق أصحاب هذا الفعل على أقل تقدير، فضلًا عن بساطة التفكير الذي أخذهم إلى سحب تجارب شعوب أخرى بصورة ميكانيكية وتطبيقها في سوريا. ألم يؤدِّ رفعه، من دون وجود توافق سوري، ومن دون آلية ديمقراطية، إلى إتاحة المجال لأعلام أخرى في ما بعد، مناطقية وإثنية وطائفية؟! كان يمكن اعتماد لوغو أو شعار إبداعي خاص بالثورة بدلًا من اتخاذ قرار اعتباطي ورغبوي بتغيير العلم الوطني.
كان من المهم للحراك في السويداء أن يظهر وكأنه يبدأ ثورة جديدة بخطاب مختلف وآليات عمل مغايرة. وفي هذا السياق، كان ضروريًا ألا يخضع الحراك أيضًا لابتزاز رفع شعار “إسقاط النظام”، حتى لو كان رفعه مستحقًا، وهو مستحق في كل لحظة. هذا يعني ضرورة انتقال الحراك من الشعارات إلى السياسة، ليتعامل وفق ما يتيحه الواقع وتنبئ به موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية.
في الجوهر، ينبغي للحراك في السويداء التعامل بثقة بالنفس، وليس كـ “أقلية” تسعى لرضا “الأكثرية” أو الالتحاق بها، لأن أفراد هذه “الأقلية” هم مواطنون سوريون كاملو المواطنة، ولأن “الأكثرية” لا يجوز النظر إليها بوصفها كلًا واحدًا موحدًا، وإن بدت هناك سيطرة لبعض القوى حاليًا، ولا سيما الإسلام السياسي، على المشهد. هذا هو ما ينقلنا من مفاهيم “الأقلية” و”الأكثرية” بمعانيها ومضامينها الدينية أو الطائفية أو القومية إلى المعاني والمضامين السياسية. فضلًا عن أن من يجري السعي لنيل رضاهم، ولربط الحراك بهم، بطريقة أو أخرى، لم يتركوا مبدأ من مبادئ ثورة 2011 إلا وأعدموه واقعيًا. جماعات الإسلام السياسي مستعدة للترحيب بحدث ما في أفغانستان وغير مستعدة لإبراز اهتمامها بحراك السويداء حتى لو بلع المصحف!
بمعنى آخر، أعتقد أن الأجدى هو أن يدعو حراك السويداء، بعد تنظيم نفسه، السوريين جميعهم إلى المشاركة في فعل جديد يركِّز على الإنجاز السياسي، ولنترك للتاريخ مسألة ربط نضالات الشعب السوري بعضها ببعض. حينذاك، ربما تختلف الثورة الجديدة عن سابقتها بالتركيز على الإنجازات الصغيرة العملية بدلًا من البقاء في ساحة الشعارات الكبرى التي تتحول تدريجًا إلى عبء على أصحابها عندما لا تجد متنفسًا لها أو رصيدًا واقعيًا. لكن لهذه الثورة الجديدة شروطها ومستلزماتها إن أرادت أن تكون وطنية سورية ديمقراطية، منها مثلًا ألا تحمل علمًا محليًا أو رمزًا يشير إلى طائفة ما، وألا تنحو باتجاه بناء تحالفات أو تنسيقات مع من يماثلونها الانتماء الطائفي في بلدان أخرى، وإلّا لن تكون هناك فضيلة لنقدنا لجماعات الإسلام السياسي، والجماعات القومية، وغيرها، التي خرقت هذه البديهيات بطرائق لا تتوافق مع مبادئ الوطنية الديمقراطية السورية.
الانتقال من الثورة إلى السياسة
من البديهي القول إن التظاهرات ليست غاية في حدِّ ذاتها بل وسيلة. لذلك من البديهي السؤال أو البحث أيضًا عمّا يمكن أن يبقى بعد انقشاع التظاهرات ويستمر، لأن هذا هو ما سيُحسب مستقبلًا في ميزان القوى والفعل والتأثير. هذا يعني أنه من الضروري التفكير، في أثناء الثورة والتظاهرات، في كيفية الانتقال من الثورة إلى السياسة، بدلًا من الاستغراق في تفاصيل الحياة اليومية للتظاهرات واللافتات والشعارات والمبادرات التي يفني بعضها بعضًا.
لم تنتبه “نخب الثورة” في 2011 إلى أهمية السياسة والعمل السياسي، وسارت في طريق تقديس “الثورة”، وتبعت “الثوار” بدلًا من أن تقودهم حقًا، وغنت مواويل شعبوية تطربهم لكنها لا تبني شيئًا. مهمة النخب الحقيقية هي الانتقال من المؤقت إلى الاستراتيجي، ومن الشعبوية إلى النخبوية الصحية التي تبحث عن مصالح البشر في الواقع والمستقبل ولا تسعى لإطرابهم ونيل رضاهم.
يقتضي ذلك عدم الذهاب باتجاه ممارسة إطلاقية للسياسة، وهذا يعني مثلًا أن ترجمة شعار “إسقاط النظام” إلى خطوات صغيرة وملموسة تُعدُّ أمرًا ضروريًا وحيويًا. متطلبات ذلك ألا يمنع هذا الشعار دخول الحراك في مفاوضات (ولا مشكلة في تسميتها حوارات؛ كل حوار هو بالضرورة تفاوض) مع النظام السوري بما يضمن تحصيل مكاسب صغيرة حتى لو كانت محلية الطابع، فكلُّ مكسب لأي جماعة سورية هو مكسب لجميع السوريين في حال كانت المكاسب المحصَّلة مستندة إلى أرضية وطنية ديمقراطية. فمن لا يطرق الباب الضيق، ويتقن الخطوات الصغيرة لا يطرق الباب العالي ولن يتعلم المشي.
الأهداف الاستراتيجية والكبيرة مهمة بالطبع، فهي توجِّه بوصلتنا، لكنها قد تتحول إما إلى عبء أو إلى نكتة تثير السخرية في ظل عناد الواقع وممانعته، ومن ثم يمكنها أن تأخذ أصحابها في اتجاه اليأس والإحباط كونهم سيكتشفون عاجلًا أم آجلًا أنهم لم ينتجوا شيئًا سوى الشعارات، ولم يبنوا شيئًا سوى كراكيب سياسية ومدنية هامشية أو صروحًا من ورق تطير مع أول ريح.
هذا يعني ضرورة العمل في ساحة السياسة التفصيلية، لا البقاء في ساحة الشعارات الكبرى. قانون الكل أو اللاشيء قانون أحمق في السياسة، وفي الحياة كلها عمومًا. ينبغي لنا عدم الاستهانة بالإنجازات الصغيرة وإهمالها تحت أي ذريعة أو ابتزاز من أي نوع، فهي التي يمكنها أن تزيد هامش القدرة لدينا وتنقلنا إلى محطات أكبر وإنجازات أوسع.
إن قانون موازين القوى والعمل استنادًا إلى قراءة حقيقية للواقع بعيدًا من الرغبات والأمنيات والأهداف هو أهم قانون في السياسة والتاريخ. فليس ضروريًا أن يعمل الحراك في السويداء ضمن سقف الشعارات الماضية، ولا سيّما في ظل تغيرات الواقع خلال ثلاثة عشر عامًا، ومن ثم لا يتحتّم على الحراك الخضوع للابتزاز الذي يخلقه، بشكل مباشر أو غير مباشر، الملاك الحاليون للثورة السورية وكهنتها.
كان يُفترض بفلسطين أن تتحرر منذ زمن بعيد لو كان تحررها مرتبطًا بمدى راديكالية الشعارات المرفوعة. يقينًا لن يحرِّر فلسطين أولئك المستمرون في رفع الشعارات الكبرى المعاندة للواقع من جهة، وفي ظل حالة العطالة من إنجاز أي عمل واقعي حقيقي من جهة ثانية. معنى ذلك أنه من المهم تحويل شعار “إسقاط النظام” الصحيح إلى برنامج عمل تفصيلي وتراكمي يتضمن خطوات واضحة، ويؤمن بأهمية تحصيل المكاسب الصغيرة والبناء عليها.
تجسيد الشعارات والنصوص
عندما نكتب نصوصًا نتخيل أنها أصبحت واقعًا، وعندما نوافق عليها ونعتمدها نعتقد أننا جميعًا مخلصون لها ونلتزمها، لكن الأمور ليست كذلك فعلًا. لا يمكن التحرك من دون نصوص متفق عليها، لكن تطلعات البشر ومصالحهم وحساباتهم أعقد كثيرًا من ذلك.
كيف نعطي للنصوص أهميتها ونخلص لمعانيها؟ لقد وقَّعت “نخب” وشخصيات وحركات سياسية سورية عشرات، إن لم نقل مئات، النصوص والمبادرات، لكن هذه النصوص بقيت حبرًا على ورق، وسار معظمهم في طرق تناقض أو تنسف ما وقعوه. واقعيًا حلَّت التوجهات الطائفية أو البحث عن المصالح المستندة إلى الإثنية محلَّ الوطنية السورية، وحلَّ الاستبداد (السياسي والديني) محلَّ مسألة الحريات، وحلَّ الاستتباع الإقليمي محل الكرامة والاستقلالية الوطنية، وحلَّت العسكرة محلَّ السلمية، وهكذا. حدث ذلك على الرغم من أن الوثائق الموقَّعة من هذه الجهات تؤكد الوطنية والديمقراطية والحرية والكرامة والاستقلالية.
إزاء هذه الحال لا بدَّ من إنتاج تجسيدات واقعية للشعارات المرفوعة والنصوص الموقَّعة. لا بدَّ من تجسيدات عملية لمعاني الوطنية السورية والحرية والكرامة. على مستوى السويداء مثلًا؛ إذا خطا المتظاهرون خطوة في اتجاه الإعلان الصريح عن موافقتهم على حرية الذكر والأنثى بالزواج ممن يريد/أو تريد، بصرف النظر عن دينه/ا وطائفته/ا، فإنها ستكون أعظم خطوة تجسيدية لفكرة الاندماج الوطني. هنا يمكنننا حقًا اكتشاف جدارة الشعارات المرفوعة ودرجة الإخلاص لها. هذه الخطوة بيد حراك السويداء، فإن حصلت ستكون لها آثار إيجابية قريبة يمكن أن تشجِّع جماعات أخرى على خطوها، وآثار بعيدة يمكن أن تصل إلى ساحة السياسة؛ فالاستبداد، السياسي والديني، لا يستمر في الحكم من دون قوانين اجتماعية وأعراف دينية تساهم بطريقة أو أخرى في تثبيت مرتكزاته، وفي رفع الحواجز بين السوريين.
ضرورة المركزية وإنتاج تمثيل سياسي تقدّمي
لا بدّ من إيجاد طريقة لإنتاج قيادة حقيقية وازنة للحراك في السويداء بطريقة عقلانية وديمقراطية، وهي بالطبع قيادة مؤقتة. ولعل أهم ما يمكن أن يفعله الفاعلون الرئيسون حاليًا في الحراك هو دعم الحراك السياسي وإنتاج قيادة مركزية جديرة. نعم “قيادة مركزية”، على الرغم مما تثيره هذه الكلمة من تحسّس في أنفس بعضهم. من دون مركزية لا توجد بركة في أي حركة أو حراك. بديل المركزية الواقعي، كما حصل ولا يزال يحصل، هو إنتاج الفوضى واللاتراكم والهباء والبلاهة.
في ظل غياب المركز السياسي، سوف يُنهك الحراك نفسه بمبادرات لا أول لها ولا آخر، محلية أو من بقية السوريين، ليصبح أمام ركام من المجموعات أو الجماعات أو الانقسامات الخلبية التي لا يعمل بعضها مع بعض أو التي يدمِّر بعضُها بعضًا. إنتاج مركز سياسي للحراك هو أهم خطوة في اتجاه مراكمة الجهد والإنجازات من جهة، ولحماية الحراك وتوجهاته في حال تبلور الصيغة التي سيتعامل بها النظام السوري معه مستقبلًا.
حتى الآن لم يتعرض الحراك في السويداء لاختبارات قاسية مثل تلك التي تعرضت لها مناطق مختلفة في سوريا. بمعنى آخر، لم تتعامل السلطة السورية مع حراك السويداء، حتى الآن، بوحشية كما حصل في درعا وحمص وحلب وغيرها طوال ثلاثة عشر عامًا. ففي حال تغير الأوضاع، ولجوء السلطة إلى العنف العاري، ما الضامن لعدم ذهاب الحراك في اتجاهات لا تخدم القضية الوطنية الديمقراطية؟ لا شكّ في أن وجود مركز سياسي عاقل سيخفف، ولو بدرجة ما، من الآثار المدمرة لعنف السلطة. بعد اطمئنان النظام إلى المسار الإقليمي الدولي ربما وجد ألّا مشكلة لديه، على الأقل حاليًا، في حراك السويداء، وربما لديه قناعة بأنه سوف ينهي نفسه بنفسه، وكان قد راهن سابقًا على حصان أساسي، قبل رهانه على إيران وروسيا وغيرهما، وهو تفسخ الثورة من داخلها، لكن أداءه قد يتغير فيرى حاجة إلى دفع الحراك في اتجاهات مدمرة باستخدام وسائل وآليات عديدة.
بعد مرحلة الشعارات الوطنية الديمقراطية في عام 2011، جاءت مرحلة انحدارية على المستويات كافة، وما تزال مستمرة. اختُزلت الثورة تدريجًا إلى توجه معارض لما يمثله النظام السوري ولتوجهاته كافة ولكلِّ ما له صلة به. مثلًا أصبح توجه النظام “العلماني”، وهو ليس كذلك فعلًا، نقطة انطلاق لإنتاج نقيضه الأسوأ، أي التطرف الديني. وأصبحت العودة بسورية، ليس إلى ما قبل النظام السوري وحسب، بل إلى ما قبل ألف وخمسمئة عام، عنوانًا لكثير من الجماعات والقوى والفصائل والشخصيات. يجري الافتخار مثلًا بأن “جامعة إدلب الحرة” لا تسمح بالاختلاط بين الذكور والإناث، ردًا على “جامعات النظام” التي تسمح بـ “الفساد الأخلاقي”؛ تصوروا جامعة “حرة” لا تسمح بالحريات! بدلًا من إنتاج نظام أكثر تقدمًا بحيث تكون الجامعة عنوانًا للحريات.
ليس من مصلحتنا الانقلاب على كلِّ ما يتعلق بالنظام السوري أو نسف جميع ما أُنتج في ظله، ولا سيّما أن الشعب السوري كان حاضرًا بطريقة أو أخرى في هذا الإنتاج. النسف في السياسة خطر، ويحوِّلها إلى عدمية لا تنتج إلى الفوضى والسراب.
تحتاج سوريا إلى بناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة، دولة محايدة إزاء الأديان والطوائف والقوميات، دولة تعترف بتساوي المواطنين/والمواطنات في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن معتقداتهم وأجناسهم وطبقاتهم… إلخ. من دون وضع هذا الهدف عنوانًا رئيسًا لأي حراك أو ثورة سنكون أمام حركة رجعية لا مصلحة للسوريين فيها. إن كل ثورة لا تضع إنتاج التقدم نصب عينيها تتحول إلى كارثة على مستوى البشر والواقع والتاريخ.
كلمة أخيرة
لم أكتب خلال الأشهر الفائتة أي كلمة بشأن حراك السويداء، ربما بحكم عدم تفاؤلي القديم بالمسار العام للحدث السوري أو ربما هو تقديري أن الحراك لن يخرج عن الإطار العام الذي شهدناه منذ مارس 2011 وإلى اليوم. وربما أيضًا لقناعتي بأن من هم على الهامش، وأنا منهم، لن يكون لهم أي تأثير بحكم عوامل عديدة أهمها اختلاف قراءتهم السياسية عما هو جارٍ وسائد. لكن، بعد مشاركتي في بعض الحوارات التي تخصّ حراك السويداء، ولوم بعضهم لي، وإصرار بعضهم الآخر على أن أكتب أفكاري، استجبت وكتبت، لكنني أعتقد سلفًا أنها أفكار ناقصة، وتحتاج إلى الحوار والتعميق، واستكشاف أهليتها وصلاحيتها فعلًا.
يمكن استخدام الأفكار المعروضة في هذه المقالة بطريقة إيجابية واعتبارها تحذيرات ينبغي الانتباه إليها ومعالجتها أو على الأقل نقاشها، ويمكن التعامل معها بطريقة سلبية بنفي وجودها أصلًا وإدارة الظهر لها… ولكم الأمر!
المصدر: 963+
قراءة ووجهة نظر تحترم لإنتفاضة شعبنا بالسويداء ، اولاً فصل الإنتفاضة عن الثورة السورية هو الخطأ الأكبر وخيراً فعلوا بربطها لأنهم مع ثورتنا منذ اليوم الأول، وكذلك رفع علم الثورة هو دلالة للإرتباط بثورة 2011، لأنه علم الإستقلال الإستقلال من استعمار آل الأسد ونظامه، وشعبنا بالسويداء لم يرغب التعامل كأقلية تستجدي الأكثرية وهذه النظرة هي نظرة لاوطنية.