يعمل عشرات الأشخاص في مدن التسويات بريف دمشق على النبش بين ركام الأبنية بحثا عن مجوهرات أو نقود محتملة، من مخلفات المعارك التي اندلعت في المنطقة قبل سنوات، في ظل وجود عشرات الطمائر والمدخرات التي تركها الملاك الأصليون للمنازل قبل نزوحهم في العام 2012.
وتقول مصادر محلية من ريف دمشق لـ موقع تلفزيون سوريا إن عمليات البحث والتمشيط التي تشمل الأبنية الطابقية المهدمة، والتي هجرها أصحابها إما لأنهم نزحوا منها عشية اندلاع المعارك في المنطقة أو لأنهم قتلوا في هذه المعارك وفي قصف المدفعية والمقاتلات الحربية الذي استهدف المدنيين بين عامي 2012 و2018، تتم تحت إشراف الفرقة الرابعة.
وتستقبل الفرقة الرابعة -بحسب المصادر- جميع ما يتم استخراجه من تحت الأنقاض من طمائر ذهبية وأدوات منزلية وأثاث، ويحصل الأشخاص الذين يعملون لصالحها على نسبة من قيمة المبيعات، حيث ينشط سوق بيع المسروقات أو ما يعرف بسوق “التعفيش” حتى الآن، على الرغم من مضي سنوات على تنفيذ اتفاقيات التسوية مع قوات المعارضة في المنطقة.
ما قصة الطمائر؟
تعود فكرة دفن المدخرات المالية والذهبية إلى قرون طويلة على مر التاريخ. وعشية اندلاع المعارك في داريا والمعضمية والغوطة الشرقية أواخر العام 2012، أقدم عشرات السكان على دفن مدخراتهم على صيغة طمائر في أماكن متفرقة من منازلهم، للحفاظ عليها وضمان عدم نهبها من النازحين على يد عناصر الحواجز الأمنية التي كانت تتمركز في محيط كل بلدة.
كما هجر معظم السكان منازلهم من دون ترحيل شيء من أثاثها أو أدواتها الكهربائية وأدوات المطبخ، وغرف النوم، وهو ما نشط سوق التعفيش بعد فترة من الزمن، حيث كان جنود النظام يسرقون المنازل ويفرغونها بشكل كامل، فور دخولهم المناطق التي كانت تتمركز فيها فصائل المعارضة.
تحت بلاط مطبخ منزله بمدينة المعضمية، دفن أبو عصام مبلغ مليون و500 ألف ليرة وألفي دولار، ومصاغات ذهبية لا يقل وزنها عن ربع كيلوغرام من الذهب الخالص، وذلك قبل نزوحه من المدينة عشية المعارك وقبيل وقوعها تحت حصار مشدد من قوات النظام.
حاول أبو عصام التواصل مع ثوار المدينة إثر توقيع اتفاق تهدئة بين النظام والمعارضة في العام 2014، لكنه صدم بأن المنطقة التي يقع فيها منزله -وهي منطقة زراعية في أطراف المدينة- خرجت عن سيطرة الثوار، ما جعله يخشى من احتمالية سرقتها في أي وقت، بحسب ما أكّد لـ موقع تلفزيون سوريا: “هذا ما حدث فعلا، فقد عدت إلى المدينة في العام 2019 وكان أول ما قمت به هو تفقد مكان المدخرات فكانت الصدمة الكبيرة. عناصر النظام أقدموا على خلع بلاط الشقة، ويبدو أنهم عثروا على الطميرة في أثناء هذه العملية فسرقوها”.
أشخاص محظوظون
خلافا لقصة أبي عصام البائسة، حالف الحظ بعض الأشخاص في العثور على مدخراتهم، بعد انتهاء المعارك والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم المدمرة، ولا يشكل هؤلاء الأشخاص أكثر من 20 بالمئة تقريبا من العائدين، بينما ضاعت مدخرات النسبة الأكبر من السكان، إما بسبب سرقتها من قبل عناصر النظام، أو لعدم استطاعتهم الوصول إلى أماكنها للأسباب الأمنية، وهو ما يرفع من فرص سرقتها في ظل استمرار عمليات نهب المنازل، حتى اليوم.
في العام 2019، كان أول ما فعله أبو حسن ابن مدينة داريا هو تفقد المكان الذي أخفى فيه مدخراته. تعرضت شقته للتعفيش الكامل “ولكن المرحاض الإفرنجي غير المستعمل الذي أخفيت بداخله نصف كيلو من الذهب بقي على حاله، وبقيت المدخرات أيضا”، بحسب ما أفاد لموقع تلفزيون سوريا.
يقيم أبو حسن اليوم في داريا، وقد مكنه الحصول على مدخراته من استئناف تجارته في الملابس الرجالية. ويقول: “الحظ حالفني لأن تعب العمر لم يذهب هباء، هناك عددا كبيرا من الأشخاص في مدينتي فقدوا مدخراتهم وهم الآن تحت خط الفقر بمراحل”.
استمرار عمليات التعفيش
يبدو أن ما خلفه السكان الأصليون للمناطق المدمرة في ريف دمشق من مدخرات وأثاث وأدوات منزلية، ما يزال يثير شهية شبيحة النظام، نظرا لقيمته العالية، وهو ما رصده موقع تلفزيون سوريا في عدد من المناطق، حيث يواصل أشخاص مقربون من النظام، خاصة من الفرقة الرابعة، عمليات البحث بين الأنقاض بهدف استخراج أي شيء يمكن بيعه أو الاستفادة منه، من البيوت المهجورة.
ويمكن إلحاق هذه العمليات بما يعرف بـ “لجان التعدين” وهي مجموعة منظمة من الأشخاص الذين انخرطوا في مرحلة ما بعد اتفاقيات التسوية، في تهديم المنازل واستخراج الحديد منها، وهي لجان تتبع للفرقة الرابعة بشكل مباشر، و”تنبثق عن “لجان التعفيش” التي تمتلك القدرة على تأمين القوة البشرية اللازمة لتنظيم وتنفيذ النهب الممنهج للأحياء والضواحي، التي يتم تجريدها من كل المواد التجارية والخردة المعدنية وأي شيء ذي قيمة، كالإلكترونيات والأدوية والأثاث المنزلي والثياب، وفق ما ورد في دراسة حملت عنوان: “الدويلة السورية الموازية: الفرقة المدرعة الرابعة”.
وتعمل لجان التعدين -وفقا للدراسة- على نهب وإعادة بيع منهوبات محددة مثل النحاس والخردة المعدنية الأخرى. وهذه اللجان مرتبطة بالفرقة الرابعة، ويشرف الممثلون المدنيون فيها على شحن معظم الخردة المعدنية إلى مصانع التعدين المملوكة لرجال أعمال مثل محمد حمشو، الذي عرف على الدوام بأنه وسيط تجاري يمثل ماهر الأسد شخصيا.
وكما ترتبط عمليات استخراج الطمائر، بعمليات التعفيش واللجان التي أسستها الفرقة الرابعة لهذا القطاع، فهي ترتبط أيضا بسوق التعفيش الذي يعرف ب”أسواق السنة” ويقام عادة في البؤر المؤسسة على ركيزة طائفية مثل “السومرية” و”المزة 86″، حيث تشكل البضائع المعفشة فرصة ثمينة لإيجاد بعض المصاغات الذهبية والعملات الأجنبية المخبأة كطمائر داخلها.
تروي مصادر أهلية لموقع تلفزيون سوريا قصصا للعثور على مدخرات داخل السجاد أو البرادات أو الغسالات المعفشة، حيث خبأها أصحابها داخل هذه الأدوات بعد لفها بقطع من القماش والنايلون، على أمل العودة السريعة إلى بيوتهم واستخراجها.
لكن فرصة حصول أصحاب هذه المدخرات عليها صفرية، بسبب تعرض الأدوات التي يسهل حملها ونقلها كالأدوات الكهربائية إلى السرقة من قبل قوات النظام، وغالبا ما ينتبه إليها ضباط النظام في أثناء عمليات التفتيش، وقد يصدف أن يحصل عليها أحد الزبائن أيضا.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
إنه جيش التعفيش، والقتال للحفاظ على كرسي الطاغية وسلطته الإستبدادية، إنها مميزان ميليشيات نظام طاغية الشام، فلا غرابة ما تم ويتم بمناطق سيطرته بعد تهجير أهلها، داريا ظلت ثلاث سنوات منع سكانها لتفقد ممتلكاتهم لينتهوا من التعفيش، صور واقعية للتعفيش .