قسد تطرد زعيم الكردستاني من سوريا: إنقلاب أم مناورة؟

عقيل حسين

تداولت مصادر كردية سورية معلومات عن بدء حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي إخراج بعض قادة حزب العمال الكردستاني من مناطق سيطرته شمال شرق البلاد، بالتزامن مع التحضير لانطلاقة المرحلة الثانية من المفاوضات الكردية-الكردية التي تجري برعاية أميركية، من أجل توحيد القرار السياسي الكردي في سوريا.

وكشف الصحافي والكاتب الكردي هوشنك أوسي السبت، عن قيام مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية “قسد” التي يهيمن عليها حزب الاتحاد، بمنح القيادي في حزب العمال الكردستاني صبري أوك مهلة قصيرة لمغادرة الأراضي السورية، بعد أن قدمت الولايات المتحدة الأميركية قائمة من 30 شخصية فاعلة في الحزب، المصنف على قوائم الإرهاب، موجودين في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، لطردهم من هذه المناطق.

يأتي ذلك بعد نهاية الجولة الأولى من المحادثات التي ترعاها واشنطن بين “الاتحاد الديموقراطي” والمجلس الوطني الكردي السوري، التي انطلقت في نيسان/ابريل الماضي، وكان على رأس شروط المجلس في هذه المحادثات، إعلان حزب الاتحاد فك ارتباطه بالعمال الكردستاني الذي يخوض حرباً مع تركيا منذ ثمانينيات القرن الماضي.

وكان الخبير في شؤون حزب العمال الكردستاني، هوشنك أوسي، قد اعتبر في منشور على “فايسبوك”، أن طرد صبري أوك، الذي كان يشغل منصب مسؤول الأمن والمخابرات في حزب “العمال” من المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، يعادل في تأثيره طرد عبد الله أوجلان من سوريا.

وينحدر صبري أوك، من ولاية أضنة التركية، وكان قد توجه إلى سوريا للمرة الأولى في 2013 واستقر في القامشلي، كمندوب عن جميل بايق، وهو أحد مؤسسي العمال الكردستاني ويقوده حالياً ضمن مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص، كما أنه الرئيس المشترك ل”منظومة المجتمع الكردستاني”، التي تضم مجموعة من الأحزاب الكردية في كل من سوريا والعراق وإيران وتركيا.

ورغم أن البعض اعتبر بدء الاتحاد الديموقراطي اخراج قادة الكردستاني خطوة كبيرة على طريق فك الاتحاد ارتباطه بالعمال الكردستاني، إلا أن آخرين يرون أنها مجرد إجراء شكلي، وأنه لا يمكن لحزب الاتحاد أن يتخلص من هيمنة الكردستاني الذي يسيطر بشكل كبير على مفاصل الاتحاد الذي طالما إعتبر فرعاً له.

وحسب مصادر كردية، فإن مجلس الادارة في الاتحاد الديموقراطي، يتألف من 30 شخصاً، أغلبهم أعضاء في اللجنة المركزية للعمال الكردستاني، ويحملون الجنسية التركية، الأمر الذي يجعل من أي محاولة للتخلص منهم أمراً بالغ التعقيد.

وترى هذه المصادر، أن ما يزيد من صعوبة التخلص من هيمنة الأكراد الأتراك على الاتحاد وجعل الأخير ذي طابع سوري، هو سيطرة كوادر حزب العمال على المفاصل الأمنية والعسكرية في قوات سوريا الديموقراطية، إلى جانب نجاحهم في تعزيز فكر الحزب وإيديولوجيته، ناهيك عن النفوذ الواسع الذي يتمتع به صبري اوك شخصياً، وسيطرته شبه الكاملة على مفاصل حزب الاتحاد.

ولا يقتصر نفوذ أوك على ما يعتبر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وحسب، بل استطاع ومنذ العام 2013، حسب المصادر الكردية، أن يكون الحاكم الفعلي لمجموعة القوى الكردية المرتبطة بحزب العمال في الدول الاربع التي ينتشر فيها الأكراد.

وتضيف هذه المصادر، أن صبري أوك، الذي كان يتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بمثل هذه الخطوة لإرضاء تركيا، عمل بشكل مبكر على تعيين مقربين منه في مواقع حساسة في حزب الاتحاد، حيث أعاد إلى سوريا باهوز أردال (قائد قوات حماية الوطن) التابعة للعمال الكردستاني، وهو كردي سوري من مواليد مدينة المالكية بريف الحسكة، واسمه الحقيقي “فهمان حسين” كان قد توقف عن دراسة الطب عام 1986، والتحق بمعسكر حزب العمال في منطقة البقاع اللبنانية، ومن ثم انتقل إلى جبال أغري في تركيا، قبل أن يستقر أخيراً في مدينة الرقة.

كما أن صبري أوك عين مكانه كمسؤول عن جهاز الاستخبارات، ومقره مدينة الرميلان بريف الحسكة، مصطفى بايق، ابن أخت جميل بايق، خليفة عبدالله أوجلان في قيادة الكردستاني، ما يصعب أكثر من مهمة تخلص حزب الاتحاد من سيطرة كوادر “العمال” حتى لو أراد الأول القيام بذلك فعلاً.

بل إن المصادر الكردية التي كشفت عن هذه التفاصيل، لم تستبعد أن تكون المعلومات التي نشرت مؤخراً حول بدء حزب الاتحاد بإخراج قادة العمال الكردستاني من صفوفه وطردهم خارج مناطق سيطرته في سوريا، أن تكون مجرد حملة دعائية لاظهار استجابة الاتحاد لشرط المجلس الوطني الكردي، الذي يرتبط بعلاقات ودّية مع تركيا، والذي تدعم واشنطن مطلبه بضرورة فك ارتباط الحزب مع “العمال الكردستاني” كشرط أساسي للتوصل إلى اتفاق بين الجانبين.

وما يعزز هذه الفرضية، حسب المصادر ذاتها، أن أول من نشر خبر طلب حزب الاتحاد من صبري أوك المغادرة، وهو هوشنك أوسي، وكان قيادياً سابقاً في العمال الكردستاني، وشغل منصب مدير الإعلام في الحزب، كما أنه ابن شقيق النائب الكردي في مجلس الشعب التابع للنظام عمر أوسي، والأخير متهم من قبل الأكراد المعارضين للنظام بأنه ممثل العمال في البرلمان السوري.

ويرى المشككون أن كمية المديح التي ساقها أوسي في الخبر الذي نشره حول هذا الموضوع، والتي كالها لقائد “قسد” مظلوم عبدي، واسمه الحقيقي شاهين جيلو، يؤشر بوضوح على التوجه لتلميع الأخير وتقديمه كشخصية ذات أجندة كردية سورية، وليس كجزء من العمال الكردستاني.

اتهام يرى فيه البعض أنه جزء من الصراع السياسي بين القوى الكردية السورية، خاصة وأن هوشنك أوسي قد انشق عن العمال الكردستاني منذ وقت طويل، ونشر الكثير من البحوث والمقالات التي تهاجم الحزب وتحذر من خطورة أفكاره وأهدافه.

إلا أنه وبغض النظر عن السجال الأخير، فإن الملف الرئيسي الذي يطرحه الإعلان عن بدء الاتحاد الديموقراطي بإخراج كوادر وقيادات العمال الكردستاني من صفوفه ومناطق سيطرته، يبقى هو الأهم بطبيعة الحال. ورغم وجود من يبدي تفاؤله بهذه الخطوة، إلا أن الغالبية ترى صعوبة بالغة في تحقيق انفصال حقيقي بين حزب الاتحاد وحزب العمال، بالنظر إلى التداخل الكبير بين الجانبين، والسيطرة الكبيرة للعمال على الاتحاد تنظيمياً وأمنياً وفكرياً أيضاً.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى