اللاجئون السوريون، حكاية ملايين الأشخاص الذين أُكرهوا مجبرين على ترك بلدهم، دون وجود أدنى أمل لهم في العودة، معظمهم دمرت منازلهم أو نهبت أو استولى عليها النظام وأزلامه، ذلك النظام الذي كان سبب هجرتهم وفرارهم للنجاة بحياتهم التي لم تعد تشبه الحياة في شيء. هؤلاء المشردون الذين يسهل العثور عليهم في مخيمات مترامية في بلاد ومدن غريبة وبعيدة عن حياتهم السابقة، يعيشون في أردأ هامش للحياة، بلا أفق أو غد منتظر “مطرودون من العالم”، ربما يشكلون واحدة من أكبر مآسي ومخازي عصرنا الذي نعيش فيه.
بالرغم من قدم ظاهرة اللاجئين والمهجرين قسريا من بلادهم وبيوتهم، إلا أن تنامي هذه الظاهرة بشكل كبير وغير مسبوق في العقدين الأخيرين، شكلا أزمة إنسانية على صعد متعددة، ربما يصعب الإحاطة بها في مطالعة سريعة لهذه الظاهرة المأساوية وتداعياتها، فالأزمات التي تولدها هذه الظاهرة وتضاعف أعداد ضحاياها ما تزال في تصاعد مضطرد. ولم تستقر هذه الظاهرة إلى اليوم على حال يمكن معها دراسة تداعياتها ونتائجها وآثارها، سواء على البلد المصدر للمهاجرين اللاجئين، أو على البلد المضيف، ناهيك عن بلدان العبور وعلى العابرين، ومع اشتعال ثورات الربيع العربي شهد العالم موجات لجوء جماعية فراراً من القتل والموت، وشهدت بلدان الجوار والقارة الأوروبية أعدادا كبيرة كانت تجتاح المعابر والحدود برا وبحرا، بشكل مباغت لم يترك لبعض الدول فرصة بناء آليات عاجلة في التعامل الإنساني والقانوني لاحتواء لهذه الموجات المتسارعة من اللاجئين.
هذه البيئة المضطربة كانت سببا في موت الآلاف غرقاً و برداً في البحار والغابات والطرق الجبلية، وهي من خلقت طبقة من تجار البشر وتجار الحروب الجشعين، الذين وجدوا في هذه المجموعات البشرية الكبيرة الهاربة من جحيم الحرب، صيدا سهلا لإثرائهم ونمو تجارتهم، فالمهربون وبائعو تأشيرات العبور ومزورو وثائق السفر، وحتى تجار المخدرات وتجار الأعضاء البشرية وغيرهم كثير، كانت جموع اللاجئين هدفا مرصودا بعناية للابتزاز ونهب حفنة الدولارات التي جمعوها ببيع كل ما يملكون، لتكون لهم زوارق نجاة إلى حلم بالخلاص وإلى عالم منشود يستطيعون العيش فيه بسلام.
عند الحديث عن الحروب عامة والحروب الأهلية بشكل أكثر تفصيلاً، يمضي التخيل بنا إلى ساحة القتال وصوت القنابل والرصاص وصور الضحايا الميتين والناجين الجرحى ومبتوري الأطراف، لكنه قلما تحضرنا صور ملايين العائلات والنساء والأطفال الذين، خرجوا من بيوتهم إلى عالم مجهول ليس معهم من حياتهم الماضية سوى لفافات وحقائب صغيرة جمعوها على عجل، يخرج النازح واللاجئ فاراً من بيته الذي يعني له بشكل ما البيئة التي نشأ بها، والمحيط الاجتماعي الذي شكل جزءاً أساسياً من هويته ومعززات تماسكه وبقائه، كما يتم اقتلاعه عبر عملية النزوح من جذوره وذكرياته، وأدواته الشخصية وحتى الشطر الأكبر من ملابسه ومقتنياته، التي ترسم شطراً من ملامحه اليومية.
بحسب تقارير مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، إن أكثر من “114 مليون” شخص في العالم أُجبروا على الفرار من ديارهم خلال عام 2023. ربما يشكل اللاجئون السوريون نسبة خمسة في المئة منهم وهذا عدد مهول، وإذا أضفنا إليه أعداد النازحين داخليا ربما سيتضاعف العدد، وهذه بمفرده كفيلا بإعطاء الصورة المريعة التي يعيشها السوريون في ظل الخذلان الدولي والإصرار على إبقاء قاتل النساء والأطفال بشار الأسد في كرسي الحكم حتى يومنا هذا، وبغياب أية وعود أو آليات أممية تعد بإنقاذ ما تبقى من شعب سوري، يرزح تحت حكمٍ لا يعد إلا بالمزيد من القتل والتهجير القسري.
من المعيب على الكثير من الاتجاهات التي درست أزمة اللاجئين، أنها أنحت باللائمة على ما سمي يومها بالربيع العربي الذي كان تعبيراً عفوياً عن انتفاضة شعوب، لم تعد تحتمل وطأة الفساد والاضطهاد والتهميش وغياب أفق لمستقبل مأمول وإن بالحدود الدنيا، والذين تحولوا بفعل عسف الأنظمة المستبدة إلى طبقة من العبيد أو آلة الإنتاج التي ينبغي لها بكل السبل إنتاج المزيد من الثروات لحكامهم الذين لا تشبع بطونهم ولا يكتفون بما نهبوه خلال عقود.
عقبات كثيرة تعترض حياة اللاجئين عموما وتجعل الهوة بينهم وبين حياة آمنة مستقرة في اتساع مستمر، فهم أولاً يواجهون أزمة انقطاعهم عن الهوية والثقافة التي شكلت عبر زمن طويل ذواتهم الواعية، إضافة إلى إحساسهم العميق بأنهم في معظم دول اللجوء مواطنون من الدرجة الثانية، ناهيك عن أزمة اللغة التي تحاصر معظم اللاجئين الذين تجاوزوا سن الأربعين، والذين يجدون صعوبة بالغة في تعلم لغة جديدة، خاصة أولئك الذين لم تحسم إقاماتهم او أوراق استقرارهم في البلد المضيف، وإذا أضفنا لما سبق تنامي الممارسات العنصرية في العديد من المجتمعات العربية والأوروبية، حيث بات من السائد والرائج إحالة الأزمات التي تعصف في أي بلد يحلون فيه لعلة وجودهم، وجعلهم في الفضاء المتوتر أصلاً سبباً في نشوء أو تضخم هذه الأزمات، وفوق هذا جميعاً، عدم وجود أفق أو سند قانوني يحميهم من المزيد من التهجير والطرد في العديد من البلدان التي يحلون فيها.
ستبقى مأساة اللاجئين في اتساع مستمر ما لم تعد الدول القادرة على الفعل بإيجاد حلول جذرية للسبب الأساسي الذي ولّد وفاقم هذه الظاهرة، وإن دفن الرأس بالرمال والتغاضي عن هذه الأزمة الإنسانية العالمية، لن يبقيها محبوسة في إطار جغرافي تحدده دول اللجوء، فطوفان اللاجئين سيبقى في فوران مستمر ما لم تعالج أسباب تناميه، ولن يحدث هذا في بلدان تحكمها قوى مستبدة، وتغيب فيها الحريات بالحدود الدنيا، وهذا نذير بتسونامي بشري غاضب يخلق أو يعزز الفوضى التي بدأت ترخي ظلالها السوداء على عالم مضطرب أصلاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
هل اللاجئون السوريون أُكرهوا مجبرين على ترك بلدهم بدون أمل بالعودة لأن معظمهم دمرت منازلهم أو نهبت أو استولى عليها النظام وأزلامه أصبحوا مشردوا العصر بمخيمات مترامية في بلاد ومدن غريبة وبعيدة عن حياتهم السابقة؟ إنها حكاية ملايين السوريين،ستبقى مأساتهم باتساع مستمر ما لم إيجاد حلول جذرية للسبب الأساسي الذي ولّد وفاقم هذه الظاهرة.