فوزية شويش السالم، روائية كويتية متميزة، هذه اول رواية اقرأها لها. سلالم النهار رواية تعتمد أسلوب المتكلم، بلسان بطلتها الأساسية “فهده”، واحيانا بصوت ابنها او احد اقاربها. الرواية لا تعتمد الأسلوب المباشر في سرد أحداثها، بل تعتمد طريقة مبتكرة عند الكاتبة، أنه الحوم حول الموضوع المعاش للشخصية، الدخول في تفاصيل نفسية واجتماعية، ثم التحدث عن شخصيات الرواية ضمن أرضية اجتماعية وحياتية ونفسية معروفه، بالأصح تتحدث الشخصيات عن أنفسها في عالمها ومحيطها.
تبدأ الرواية حيث تتحدث فهده عن حفل تحييه مع اخواتها وأخريات، راقصات في أجواء سرية جماعية، يقوم بها رجال ونساء كويتيين يريدون أن يعيشوا ملذاتهم دون موانع او قيود. في الكويت ينقسم المجتمع الى ثلاث طبقات، المواطنون الكويتيون، الذين هم اسياد البلاد واغنيائها، لهم كل خيرات الكويت، و البدون وهم الكويتيون الغير مسجلين في نفوس الدولة، هم كويتيون منذ سنوات بعيدة، لكنهم محرومون من حق المواطنة، وهم يمثلون حثالة المجتمع وفئته الفقيرة والعاملة والفاسدة، واخيرا العمالة الوافدة من اسيويين وغيرهم، نساء ورجال يقومون مع البدون بكل خدمات المجتمع الكويتي، ليعيش الكويتيين المواطنين كسادة وسلاطين والباقي عبيد للخدمة. فهدة بنت من عشرات الأولاد ذكورا واناث عند اب متعدد الزوجات، الاب “بدون”. نشأت فهدة على كونها من فئة البدون، وأنها بحياتها وغيرها من البدون تعتمد على الخدمات التي تقدمها للاسياد المواطنون الكويتيون. لذلك ربتها امها مع اقرانها على تقديم المتع الجسدية، طبعا بحدود لا تصل لممارسة الجنس، ترقص مع اقرانها، ويغنون ويحيون حفلات تحول حياة الاسياد الى اجواء اجمل وامتع. الاسياد الآخرون لهم واقعهم، احساسهم بتميزهم وغناهم وسيادتهم، لهم عائلاتهم وارتباطاتهم المجتمعية، التي تنمي تميزهم وغناهم ومتعهم السرية والعلنية. يعتمد السادة على خلق هكذا حفلات مغلفة بالسرية، بعيدين عن انظار الزوجات والازواج والاولاد، ليعيش كل منهم على هواه في متع مفتوحة لا ممنوع فيها، ولاحرام. فهده تعرف كل ذلك تذهب لهكذا حفلات مع اخواتها وغيرهم، بحماية خالها، ليقوموا بدور مثيرات الغرائز ومحسنات الاجواء، ويعودون محملين بالمال وبعض الطعام والاعطيات، تربت على ذلك، أدركت فهدة مبكرا أجواء التمييز الذي تعيشه وعرفت انها ان لم تحسن شروط حياتها بذاتها فانها ستكون كأمها زوجة لرجل مزواج مهمتها مزيد من الإنجاب والسير في طريق حياة البدون على قساوتها وسوئها. لذلك قررت ان تتابع تعليمها إلى أن حصلت على الشهادة الجامعية، رغم انها لا تعرف كيف تستفيد منها. فهدة تعرف أن أباها واخوالها يعملون في الاعمال الدنيا واحيانا في الأعمال القذرة والتي يحاسب عليها القانون، أخاها صقور عمل بتجارة المخدرات وقبض عليه وسجن، أخاها الثاني بطاح يعمل في بيع المسكرات، خالها مسير اعمال احد السادة المواطنين، لتغطية كل الاعمال القذرة من جلب عمالة او تشغيلها، او استغلالها لصالح السيد المواطن.
حصل مع فهده متغيرا قلب حياتها رأسا على عقب، لقد اهتم بها أحد السادة وطلب منها الزواج، كان ذلك فوق تمنياتها، ومدخلا لها على الجنة بكل المعاني. السيد المواطن تزوجها بكتاب شيخ بالسر، اخذها الى عرينه، ابعدها عن عالمها، وكتم عنها عالمه، عاش معها انفلاتا جنسيا يظهر جوعا لا يُشبع، ذهب معها الى كل بقاع الدنيا، رأت ما لم تكن تحلم برؤيته، عاشت ما لم تعلم بوجوده، بذخا ومتعا لم يكن يخطر على بالها انه موجود. كان يحبها على طريقته، انها الغريزة المنفلتة من عقالها، وهي تراه كل شيء في حياتها. لم يحدثها عن حياته عن مملكة المال التي تحكمها جدته لأبيه، ويديرها عمه، أموال واستثمارات تدور العالم وتتراكم بشكل فلكي، جدته التي تعيش اسطورة المال والأعمال، في كل بلد لها منزل ولها مراكز استجمام في كل مكان. الشركة الأم تنمو، غير مسموح لأحد أن يغادر الشركة، الكل يأخذ كل ما يريد من الريع، لكن الشركة ستبقى موحدة إدارة وعملا واستثمارا. كان حبيبها هذا الرجل الذي تفرغ لمتعه الشخصية وترك تسيير الأعمال لعمه. استمرت علاقة فهده بحبيبها على انفلاتها ومجونها وغرائزها طويلا، لم يتركوا أي مدخل للتمتع الا ومارسوه. لكن القدر كان حاضرا لهما بقسوة، فقد توفي حبيبها وهما في حالة جماع جنسي. كانت هذه صدمة قاسية جدا على فهده مما جعلها تراجع حياتها كلها وتكتشف انها، لم تكن على علاقة جيدة مع الله، وأنها كانت نهمة لكل شيء دون امكانية للإشباع، وانها كانت مفتقدة للإيمان، وكان موت حبيبها هو من أيقظ حضور الله داخل نفسها. وبالفعل اعتكفت في جبل على ساحل عُمان بصحبة خالتها وزوجها، بحياة بدائية، استرجعت ماضيها، عمقت علاقتها مع الله، اصبحت اقرب للتصوف، قرأت لرابعة العدوية، وتمنت ان تكون مثلها. لم تمض أشهر على اعتكاف فهدة حتى اكتشفت أنها حامل بطفل من حبيبها، لقد رحل عنها وترك بذرته فيها التي ستلده لاحقا ويكون ابنا لعائلة والده الغنية، عائلة المواطنين، تذهب به لعمه، يعترف به ويرعاه. فهده تعيش حياة التدين وتعكسه على كل من يحيطها، يكبر الابن في عز عائلة والده، يسعى عندما كبر لمعرفة واقع حال العائلة، يكتشف أن عائلته وأمثالها يملكون البلاد والعباد والواجهة الاخلاقية المجتمعية، وان البدون من أمثال اخواله هم المنذورون لخدمة السادة المواطنين، والقيام بكل الأعمال القذرة لحساب السادة، ويحاسبون عليها ويدفع السادة الثمن مالا وحماية. يقرر الابن أن يذهب الى باريس و يتعلم ويعود مجددا ليأخذ نصيبه من مال العائلة، ويعدّل من الظلم الذي يعيش في تلافيف المجتمع الكويتي.
يسافر للعلم ومن ثم العودة مجددا لتحقيق حلم العدالة.
هنا تنتهي الرواية.
في تحليل الرواية نقول:
أسلوب الرواية مختلف نسبيا عن غيرها، تعتمد الكاتبة على الغوص عميقا في الموضوع الذي تريد أن يقاربه أبطال روايتها. فمثلا تتحدث عن الرقص مطولا تفلسف ممارسته، كطاقة تحرر وفلتان للغرائز. تتحدث عن الغرائز وعدم إشباعها، تتحدث عن الإيمان وكيف يعيش في نفوس الناس وكيف يجب أن يعاش كعلاقة عشق مع الله، تغوص عميقا في المجتمع الكويتي، كاشفة له، او بالادق فاضحة له. مجتمع السادة المواطنين، والبدون المظلومين. لذلك نرى الرواية مزيجا من الرواية والدراسة الاجتماعية النفسية والانسانية. وهذا اثرى الرواية وجعلها متميزة.
جعلتنا الرواية نطل على حقائق يعيشها إنساننا في مجتمعاتنا حيث اختلال التوازن بين العقل والعواطف والغرائز والإيمان والضوابط المجتمعية. تحدثنا عن امراض الغنى، وامراض الفقر، وأمراض غياب الهدف السامي في الحياة، لذلك نجد ان اغلب الناس يركضون لصناعة مجد زائف نهايته ضارة لصاحبه ولمحيطينه. لذلك كانت خاتمة الرواية بمحاولة الابن أن يعيد ترتيب العلاقة الاقتصادية والاجتماعية بتحقيق مطلب العدالة.
ان الحاضر الغائب في الرواية هو موضوع البدون الذي يتم التعامل معه بصفته حقيقة ابدية، رغم كونه مناقض لانسانية الانسان وشرعة حقوق الانسان. متى تنتصر الانسانية في الكويت وغيرها، ويصبح ككل دول العالم المتحضر كل من يعيش على أرض الدولة لفترة زمنية متفق عليها مجتمعيا ويقوم بواجباته عليها، يصبح مواطنا له كل حقوق المواطنة وعليه كل واجباتها، متى نتحول من النظم السلطانية والاستبدادية في بلادنا العربية، الى النظم الديمقراطية محققين الظروف الأقرب لحياة الانسان الكريمة. حيث الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.
هذا هو المسكوت عنه في الرواية والحاضر ما وراء السطور.
.٤/٩/٢٠١٩.