أصبحت مقتنعا أن الناس تنسج مع الزمن دينها الذي لا علاقة له في كثير من الأحيان بالدين الأصلي. دينا يحدد سلوكها الواقعي وعلاقة الفرد بالمجتمع. أرى ذلك أمامي في العديد من الظواهر والممارسات الاجتماعية. هكذا تصبح العادات والأعراف دينا حاضرا، بينما يصبح الدين دينا غائبا، ظلا باهتا، بل حتى تجري عملية إعادة تفسير وانتقاء لتنسجم مع الأعراف والمفاهيم السائدة.
ففي موقف الفرد من المجتمع تختفي الأخلاق الاجتماعية الإسلامية التكافلية، وتختفي حرمة الملكيات العامة، والتضامن الاجتماعي، ونشر المحبة، لتحل مكانها الأنانية المفرطة حتى يوشك الفرد على أن يدوس بقدمه على مصالح قريبه أو جاره دون وازع من ضمير أو دين.
ويظهر الفارق بين دين الناس والاسلام أكثر ما يظهر في رمضان. فرمضان أصبح مناسبة لإطلاق شهوة الطعام من عقالها بدل كبحها، ومن لا يصدق فعليه الذهاب إلى الأسواق ليرى كيف يهجم الناس على شراء الطعام مع دخول رمضان وكأن البلاد مقبلة على مجاعة وشيكة. أو يسأل محلات الحلويات عن موسمهم السنوي الذي ليس سوى رمضان.
ورمضان أصبح شهر المسلسلات الهابطة والسهر في ” الخيم الرمضانية على الشيشة “
وهو شهر تجد المساجد فيه ممتلئة لصلاة التراويح بمن لا يصلي الفرائض في غير رمضان!
وهو شهر للنوم والكسل.
وقبل الغروب ترى الناس وقد ازدادت عدوانيتها وضاقت صدورها وأوشكت السيارات أن تقفز فوق بعضها في الطرقات. وحين تدخل المسجد تروعك أصوات مكبرات الصوت التي لا تترك حيزا مهما كان صغيرا للخشوع والطمأنينة وهما جذر كل صلاة، فكيف يمكن أن تطمئن وتخشع في حين يكاد الميكروفون يصيح بصوت مرعب وكأنه شخص يقترب من أذنك ليصرخ بكل قوته طالبا النجدة؟
ويزيد في الأمر ابتعاد الخطباء عن الهدوء والموعظة الحسنة والصوت المعتدل والتسلل لقلوب الناس وعقولها بالمعاني السامية وليس بتكرار الجمل المعروفة.
هذا غيض من فيض يظهر كم ابتعدنا عن رمضان الزهد والرحمة وصلة الرحم والتسامح وحسن الأخلاق وكيف نسج الناس رمضانهم الذي يستقبلونه هذه الأيام.
المصدر: صفحة معقل زهور عدي
لماذا أصبحت العادات والأعراف دينا حاضرا؟ والدين دينا غائبا وظلا باهتا؟ يتم إعادة تفسير وانتقاء منه لتنسجم مع الأعراف والمفاهيم السائدة وكما يرغب السلطان؟ لأننا نعيش بعصر التفاهة كما تنسجها الأنظمة، نرى كم ابتعدنا عن رمضان الزهد والرحمة وصلة الرحم والتسامح وحسن الأخلاق وكيف نُسجّ رمضان الذي نستقبله هذه الأيام .