المرأة الوطن ||   اعتراف بالجميل

أحمد العربي

وعيت على الدنيا. وجدتي توقظني لأذهب مع اخي للحضانة. كانت تعد كل شيء. الملابس الفطور والقبل والدعاوي. امي ذهبت مع والدي مبكرا للعمل في الأرض. ودائما هناك أرض. وهناك عمل. وفي كل المواسم. نحن فلاحون.

في الحضانة (عند معلمتي الرائعة). نتواجد في غرفة في المنزل الطيني الصغير، نتجمع حولها كعصافير صغيرة . أمّا اخرى كانت لنا.. لم تتزوج كنّا اولادها. عند العودة للبيت. كنا نأكل ما أعدته جدتي. ونلحق اهلنا الى الحقل مع اغنامنا القليلة لترعى قليلا من العشب .

نحن الاطفال في الحارة والحقل وبيوت الجيران، نحن ابناء الكل. وكل الامهات امهاتنا. عندما كبرنا صارت لنا قضية.. وكانت المرأة امي واختي والصبايا. واحدة من قضايا في وعينا و وجودنا وعملنا السياسي . لهم حق العلم  والعمل واختيار مستقبلهم وما يريدوا. وحقهم أن يكون لهم وجودهم الفاعل في الحياة. يجرحني ان عمتي كان يظلمها زوجها المقامر. وتأتينا وراءها طابور اولادها.. ليحتضنها والدي ويعيدها لبيتها ويؤنب الزوج. عمتي تقول: الاولاد يكسروا الظهر .اختي سمح لها والدي بسن صغيرة بالنزول لمدينة دمشق لتتابع دراستها، وهذا كان نادر الحدوث . وعندما حاول البعض التدخل . قال لهم والدي هذا حق أعطاه الله لها ولن احرمها منه. هذا حدث  في الخمسينيات من القرن الماضي…

 ادركنا عبر الوعي وما عايشناه في المجتمع فهمنا أن المرأة مظلومة ومنذ القدم.. واننا في فهم الإسلام بشكل صحيح و الفكر والسياسة وفي الحياة. علينا أن نعيد الاعتبار لانسانيتنا من خلال إعطاء المرأة حقوقها كاملة…

 كبرت و احببت وصادقت وكانت السياسة نار قلبي وعقلي.. وكانت المرأة أختا لي في قضيتي نعمل سوية يدا بيد.. وكانت القلب الحاضن والعقل المتفهم والراجح.. في أيام المعتقل وعلى شباك السجن تجتمع الام والاخت والأصدقاء والصديقات ندفع معهم الأوراق المهربة منّا ومنهم بلسم الروح. في حياتي أجد المرأة قائدة مركب حياة العائلة. لانها الاكثر وعيا في كثير من الأحيان. وراعية البيت. ومهدئة النفوس وحاملة رسالة الوجود.

في الثورة اعطتنا المرأة كل شيء.. فالام تدفعنا ليكون لنا دورنا. و الاخت تشارك يدا بيد ، تغطي غياب الزوج ناشطا في الثورة أو شهيدا او معتقلا . وتعوض الأولاد عن غياب الأب. وهي في الثورة حيث لا يستطيع القيام بالمهمة غيرها. واجهتني ابنتي يوما قائلة: ان كنتم خائفين او جبناء اجلسوا في البيت نحن سنذهب للمظاهرة . ابكتني خوفا وفرحا . نحن الشهداء قبل التظاهر وبعده. لن اطيل…

.شكرا لله الذي أوجدك (ايتها المرأة) بحياتي. شكرا لك عشت الخلود  مترعا بالحب دوما معك . شكرا انك تحملت هذا التاريخ من الظلم وتحضنيننا بحنان. شكرا انك تبلسمين جراح رجولتنا المريضة، وحربنا الخرقاء الممتدة عبر العالم و التاريخ نحن الرجال الحمقى . شكرا لك اما وحبيبة وحاضنة للحياة و بانيتها كجندي مجهول . شكرا لك انت الام سوريا الثورة التي ستعطينا انسانيتنا وحريتنا.

.لا استطيع تصور ان لا تكوني اللون الانقى والاجمل والاكثر حضورا في لوحة حياتي.

.أنت المرأة الإنسان والحبيبة وانا اغنية الوجود الخالدة.

13.3.2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى