ترتبط قضية تعنيف المرأة بشكل وثيق بمكانتها في المجتمع، ودورها فيه، وبطبيعة المجتمع نفسه، وتقدمه وتطوّره. كما أن قضيّة تعنيف المرأة ليست منفصلة أبدًا عن قضايا أخرى تتعلق بالحقوق والواجبات، والحريات الأساسيّة، المكفولة قانونيًا ودستوريًا للأفراد والجماعات ومختلف الفئات الاجتماعية والمكوّنات.
في المجتمعات الاستبدادية تزداد قضايا المرأة، عمومًا، تعقيدًا وصعوبة، ولا ينحصر مفهوم العنف ومعناه على الإيذاء الجسدي، فقط، بل يشمل الحطّ من الكرامة الإنسانيّة، وكل ما هو متصل بالإيذاء النفسي والتمييز والغبن في الحقوق. العنف ضد المرأة يرتكز إلى نواقص ومسالب ثقافيّة، مجتمعية، قانونية، اقتصادية وسياسية، أشار إليها في عام 2005 تقرير التنمية البشرية في الوطن العربي، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الانمائي، تحت عنوان: “نحو نهوض المرأة في الوطن العربي”.
العنف ضدّ المرأة في المجتمعات الاستبدادية انعكاس لأوجه عنف السلطة ضد المجتمع، وهو هنا لا يستثني أحدًا، ولكنه يتجلّى بشكلٍ واضح وصارخ لدى الأضعف بحكم هامشيّة و”دونية” المرأة في هذه المجتمعات، واقتصار دورها على الوظائف البيولوجية. المجتمع الذكوري هو بالطبع استبدادي، بقي حائلًا دون تمكين المرأة من ممارسة دورها المجتمعي وزاد في استخدام العنف والقمع ضدّها، وحرمانها الكثير من الحقوق، وبقيت التشريعات تميل لصالح الرجل في أبسط الحقوق الإنسانية، والأدمية.
في “سورية الحديثة” لم يكن حال المرأة على خير ما يرام، كما يظن البعض، بحكم زيف ادّعاء النظام عن مجتمع التقدم والعدالة، أو “علمانيته”، وسياسات التطوير والتحديث، ويكفي الإشارة الى أنه بعد عام 2000 سحب الترخيص الذي أعطي لجمعية (المبادرة الاجتماعية) ولم يرخص لرابطة (النساء السوريات) ولا لـ (جمعية معًا لدعم قضايا المرأة) التي طلبت ترخيصها الناشطة المعروفة الدكتورة مي الرحبي مع مجموعة من الناشطات وتعرضت للاستدعاء والتضيّيق على نشاطها، ومن باب التذكير فانه بعد “ثورة” 8 آذار/ مارس، مُنعت كافة الجمعيّات النسوية باستثناء الخيرية منها وألحقت بالاتحاد النسائي الذي ظلّ ذا طابع دعائيّ إلحاقي ضمن الهيمنة على المجتمع والدولة بموجب المادة 8 من الدستور .
في اليوم العالمي ضد تعنيف المرأة، من المهم الوقوف عند الأسباب الحقيقية للظاهرة والعمل على استئصالها في سورية القادمة، باعتبارها واحدة من التحدّيات المجتمعية الكبرى، وعاملًا من عوامل النهضة والتنمية والحداثة، في دولة القانون والمؤسسات التي عمادها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتضمين ذلك في التشريعات والدستور. في الأسباب العميقة للظاهرة يمكن القول إن الأمر شديد الارتباط بالتأخر التاريخي والحضاري، وكل مفرزاته، من الجهل والأميّة والعدمية الثقافية وسوء تفسير النصوص الدينيّة والقَوَامة وتوزيع الثروة، والاستئثار وغيرها. كُلّها أسبابٌ لم تعالج بشكل صحيح على مدار عصور وتقلّب أنظمة، بما لا ينفي محاولات جادّة بهذا الصدد. بقيت المرأة مُلكًا خاصًا وتابعًا للرجل في مجتمع ذكوري لا يعترف بالشراكة ولا يقيم للفرد اعتبارًا بكونه كائنًا حرًا هو الأساس في العمارة الإنسانية.
تفضح الدراسات الاجتماعية والإحصاءات، في سورية، تدني مكانة المرأة من حيث تعنيفها وتعرضها لأشكال مختلفة من الإيذاء النفسي والجسدي، ففي دراسة مسحية تحليليّة ميدانية قام بها رئيس مجلس إدارة (جمعية رعاية المسجونين وأسرهم بحلب) المحامي محمد علي صايغ، في سجن حلب المركزي عام 2008 تبين أن ما نسبته 10,8 بالمئة من المحكومين هم مدانون على خلفيّة جرائم ذات طابع جنسي، كالتحرش، أو الاعتداء على قاصر أو شروع بالاغتصاب، ما يعتبر نسبة عالية وظاهرة تستحق البحث والدراسة والمعالجة.
خلال المرحلة السلمية من الثورة السورية 2011 كانت المرأة سبّاقة في بعض الأحيان على الرجال، بدءًا من التجمع أمام وزارة الداخلية في دمشق، مرورًا بمظاهرة دوما الحاشدة، وليس انتهاءً بمظاهرة البيضا في بانياس. ولكنها اليوم في مرحلة العسكرة والحرب الهمجية التي شنّها النظام على شعبه والتداخلات الكثيرة مع بروز قوى وميليشيات من ألوان مختلفة (لسنا هنا بصدد أرقام وشواهد عليها) يصبح حال المرأة في غاية السوء. وبالمجمل هناك نكوص عما حققته المرأة من مكتسبات عبر عقود من النضال النسوي والمجتمعي، سواء في المناطق الخاضعة للنظام أو لـ “داعش” أو غيرها من الميليشيات، فهي إما قاصر أو عورة وإما فاجرة ماجنة، لتغيب صورة المرأة – الإنسان المناضلة الفاضلة، إلا فيما ندر.
مكانة المرأة ودورها في المجتمع أحد معايير قياس التقدم الإنساني في العالم وفي أي مجتمع، فتقدمها ودورها مرتبط بمشروع كبير يرقى الى مستوى الطموح في وطن حر مستقل عزيز بأبنائه، وعلى ذلك فإن الحاجة ماسّة لجهود جبارة تبدأ بالمرأة وتنتهي معها.
المصدر: جيرون