قبل بداية شهر رمضان، تبذل الإدارة الأمريكية جهوداً أخيرة للتوصل إلى صفقة تبادل للمخطوفين ووقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة. نقل الرئيس الأمريكي أمس الكرة إلى ملعب حماس. فقال للمراسلين إن إسرائيل ردت إيجابياً على الخطة التي اقترحتها الولايات المتحدة ومصر وقطر، وأن الصفقة مرهونة الآن بإعطاء جواب إيجابي من قبل حماس. “سنعرف في الأيام القريبة القادمة”، هكذا قدر الرئيس رغم أن الصفقة قد تعقد حتى بعد بداية رمضان، وقد حذر من تطور “وضع خطير جداً” إذا استمر القتال في القطاع خلال هذا الشهر.
عندما يتحدث بايدن عن حماس فهو يقصد بالأساس رئيس حماس في القطاع السنوار. العلاقة بين السنوار والعالم الخارجي تجري بين حين وآخر مع توقفات طويلة بين الفينة والأخرى، وترتبط بالرسائل التي تنقل من مخبئه في القطاع إلى قيادة حماس الخارج. جهود إسرائيل للعثور على السنوار فشلت حتى الآن، لكن الجيش و”الشاباك” يواصلون مطاردته على أمل العثور عليه في خانيونس أو رفح.
على خلفية مواقف حماس المتصلبة في المفاوضات، والإبطاء في نقل الرد، ثار الشك لدى جهاز الأمن بأن السنوار قد غير طبيعته. حسب أحد التقديرات، أصبح أقل اهتماماً بالصفقة الآن، ويحاول المضي بعملية بديلة، وتصعيد إقليمي في بداية رمضان.
عندما شنت حماس هجومها في 7 تشرين الأول، عول السنوار على انضمام شركائه في المحور الراديكالي، حزب الله وبدرجة معينة إيران، إلى جهوده لمهاجمة إسرائيل، خطة لم تتحقق. فحزب الله الذي تعتقد إسرائيل أنه لا يعتبر شريكاً في عملية حماس وفي توقيتها، فتح جبهة أخرى مع إسرائيل على الحدود مع لبنان، لكنه أدار عملية محدودة لم تتصاعد إلى حرب شاملة. الآن في ظل الخصائص الدينية لشهر رمضان، ربما أمل السنوار في إطلاق جهود أخرى تشعل النار في القدس والضفة الغربية، وربما مظاهرات كبيرة في الدول العربية. يبدو هذا كمقامرة كبيرة استمراراً لرهان قيادة حماس في القطاع.
في هذا الشأن، يحصل السنوار على مساعدة معينة من الطرف الإسرائيلي من خلال استفزازات وزير الأمن الوطني بن غفير الذي يشعل الأجواء حول الحرم ويحاول فرض القيود على صلاة المسلمين في رمضان. أما رئيس الحكومة، نتنياهو، الذي بدا في البداية وكأنه استجاب لضغط بن غفير، أعلن أمس بعدم فرض قيود على صلاة العرب الإسرائيليين. وحتى الآن، يمكن لبن غفير تأجيج النفوذ بمجرد زياراته وتصريحاته قرب الحرم في شهر رمضان.
ما يريده السنوار سيظهر قريباً. ربما عليه الأخذ في الحسبان، إضافة إلى ضغوط الوسطاء، وضع المدنيين في القطاع. حتى الآن أظهرت قيادة حماس، المختبئة في الأنفاق، عدم مبالاة بمصير المدنيين الذين يناضلون للعثور على الطعام ويتعرضون للإصابة بجموعهم بالقصف الإسرائيلي. ولكن امتداد الضائقة حتى رمضان، في الوقت الذي تحذر فيه المنظمات الدولية من تفشي جوع حقيقي في القطاع، قد يؤثر أيضاً على اعتبارات حماس.
الأمر الذي أصبح واضحاً هو التغيير الذي حدث في موقف الولايات المتحدة؛ ففي الفترة الأخيرة منذ الحادثة التي قتل فيها 100 شخص من سكان غزة أثناء الانقضاض على قافلة المساعدات (بعضهم أصيب بنار الجيش الإسرائيلي) هناك ارتفاع واضح في عدد قوافل الشاحنات التي تدخل المساعدات الإنسانية إلى القطاع. الأمريكيون أيضاً ينزلون المساعدات إلى القطاع يومياً. بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومتحدثون آخرون في الإدارة، أكدوا أمس على الحاجة لزيادة المساعدات. “لا مبررات”، قال الرئيس الأمريكي داعياً إسرائيل للسماح بإدخال المزيد من المساعدات.
الكارثة الإنسانية المتزايدة في القطاع تحتاج المزيد من اهتمام القيادة الأمنية في إسرائيل. يبدو أن عدداً من القادة الكبار يعتبرون ذلك مشكلة لمنسق أعمال الحكومة في “المناطق”، ويريد عدم إزعاجه في مواصلة الحرب. في المستوى السياسي من يتفاخرون بصور الدمار والمعاناة في القطاع ويعتبرونها عقاباً مناسباً على المذبحة. لا يعد هذا فقط رداً إشكالياً من ناحية أخلاقية، بل ثمة قصر نظر استراتيجي.
الاقتراح المطروح
مبعوث الرئيس الأمريكي عاموس هوكشتاين زار مؤخراً بيروت والقدس في إطار محاولة أمريكية أخرى للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. يبدو أن هوكشتاين نفسه يعرف أن هدفه لن يتحقق على الفور. من الواضح أن أي تقدم نحو إعادة الهدوء على الحدود مع لبنان مرهون أولاً بالإعلان عن وقف إطلاق النار، حتى لو وقفاً مؤقتاً، في قطاع غزة.
الإثنين الماضي، قتل عامل أجنبي هندي بصاروخ مضاد للدروع وأصيب سبعة أشخاص في مستوطنة “مرغليوت” الحدودية. إطلاق الصواريخ المضادة للدروع هو الآن التهديد الرئيسي لمنطقة الحدود، في حين أن معظم الصواريخ بعيدة المدى والمسيرات التي يطلقها حزب الله يعترضها سلاح الجو أو تخطئ أهدافها.
أدخل حزب الله صواريخ مضادة للدروع بمدى أكبر، 8 – 10 كم، للمعركة. صواريخ دقيقة جداً، بعضها مزود بقدرة متطورة للتوجيه، مداها الفعال يصعّب على الجيش الدفاع عن الحدود من داخل أراضي إسرائيل ويبقي البلدات القريبة من الحدود فارغة ولا يسمح بعودة السكان إلى بيوتهم، خلافاً للعودة الكثيفة نسبياً للسكان إلى بلدات غلاف غزة.
حزب الله يتكبد القتلى في كل يوم في القتال أمام الجيش الإسرائيلي، ونسبة الخسائر سجلت في غير صالحه. إسرائيل هي التي توسع قطاع المعركة، إلى درجة قصف البقاع في لبنان في نهاية شباط. رئيس حزب الله، حسن نصر الله، لا يوقف إطلاق النار رغم الثمن الذي يدفعه رجاله (230 قتيلاً حتى الآن)، ورغم أن 100 ألف من سكان جنوب لبنان تركوا بيوتهم.
وقال هوكشتاين لمن تحدث معهم في المنطقة إن الإدارة الأمريكية تستمر في اعتبار المواجهة في لبنان الخطر الرئيسي على سلامة المنطقة، إلى درجة الخوف من اندلاع حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط. تلاحظ واشنطن أن الطرفين يحاولان البقاء في إطار قواعد اللعب غير المكتوبة للمواجهة العسكرية، ولكنهما يخافان من سوء التقدير الذي سيؤدي إلى تصعيد سريع والوصول إلى مواجهة شاملة.
يدرك الأمريكيون وجود أصوات تدعو إلى الحرب سواء في إسرائيل أو حزب الله، بغية استغلال الوضع لإحداث تغيير استراتيجي في صالحهم. وهذا هو السبب الذي دعا بايدن لتخوفه من نشوب حرب، التي براها الأمريكيون حرباً لن تنتهي بالضرورة لصالح إسرائيل.
إذا تحققت المعجزة وتم التوصل إلى صفقة في الجنوب، فستبدأ الإدارة الأمريكية العمل ساعات إضافية في الشمال أيضاً. مبعوث الرئيس الأمريكي سيقدم اقتراحاً للطرفين، بلوره في وثيقة خطية. الأمريكيون لا يقدمون أي تفاصيل في الوثيقة، لكن الأمر يتعلق بانسحاب قوات وحدة النخبة، “الرضوان”، إلى ما وراء المدى المقدر للصواريخ المضادة للدروع، وليس بإخراج كامل لجميع مقاتلي حزب الله من المنطقة. فكثيرون منهم يعيشون في القرى القريبة من الحدود. وستُبذل محاولة لمنع حركتهم مع السلاح، لكنها لن تمنع وجودهم في المنطقة.
الاقتراح الأمريكي سيشمل أيضاً انتشاراً كبيراً لقوات الجيش اللبناني إضافة إلى تعزيز قوة “اليونيفيل”.
هل سيكون هذا كافياً لإقناع سكان الشمال الإسرائيليين بالعودة إلى بيوتهم آمنين؟ يأمل الأمريكيون ذلك ويرونه العرض الأفضل الموجود على الأجندة، مع أخذ البدائل في الحسبان.
المصدر: هآرتس /القدس العربي
الادارة الأمريكية بقيادة “بايدن” تسعى جاهدة لتحقيق صفقة التبادل ووقف اطلاق النار قبل شهر رمضان، وقبل دخول الانتخابات الرئاسية مرحلتها الحرجة لمرشح الديمقراطيين، ويبدو بأن قادة المقاومة تلعب بالوقت ضمن معرفتها للأجواء والأوضاع، فهل ستتم الصفقة وفق الرؤية الأمريكية ام وفق شروط المقاومة؟ الأيام سستكشف ذلك.