ماذا وراء رغبة “حماس” في التنازل عن حكم غزة؟

عز الدين أبو عيشة

نائب رئيس المكتب السياسي قال إن السلطة ليست غاية الحركة وإنها تدعم تشكيل حكومة تكنوقراط

بعد خمسة أشهر من الحرب العنيفة على غزة يبدو أن حركة “حماس” شعرت بنفسها في مأزق كبير، بخاصة في ما يتعلق بحكمها في القطاع، إذ تصر إسرائيل على مواصلة القتال حتى تتخلى الحركة عن إدارة السلطة، مما دفعها إلى التلميح الواضح عن تنازلها عن سدة الحكم بصورة كاملة.

ففي حديث غير عادي وبعبارات واضحة، قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” موسى أبو مرزوق، “نحن غير معنيين بحكم قطاع غزة، ولا ننظر إليه بعين الاهتمام، ونؤيد تشكيل حكومة تكنوقراط”.

تصريح أبو مرزوق هذا يعد التصور الأول الذي وضعته “حماس” لـ”اليوم التالي” للحرب ويرى المراقب السياسي زيد الأيوبي أن الحركة أدركت أنها لن تكون قادرة على مواصلة حكمها للقطاع بعد الحرب لاعتبارات كثيرة، أبرزها ملف إعادة الإعمار، وأنها لن تكون مقبولة من السكان المحليين ولا المجتمع الدولي.

يضيف أبو مرزوق، “لا تنظر (حماس) إلى حكم غزة كغاية لها، منذ زمن بعيد ونحن نطالب السلطة الفلسطينية بتولي مهمتها في القطاع، لكن لدينا مطلب واحد، وهو عدم التنازل عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني”. ويتابع “منذ عام 2017 عندما شاركنا في تشكيل حكومة وحدة وطنية، أعلنا بقبول ما يقبل به الشعب الفلسطيني دون اعتراض، هذا يعني أننا نؤيد دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية”، مشيراً إلى أن “قناعات (حماس) غير ذلك، وتتمثل في دولة فلسطينية على كامل الأرض من بحرها إلى نهرها، لكن متطلبات المرحلة تغيرت”.

الواقع يشير إلى أن ذلك الطرح لم يكن تصور “حماس” قبل أسابيع، بل كانت الحركة متمسكة ببقائها على سدة حكم غزة، وتطالب بضمانات دولية لذلك، وتعهد رئيس المكتب السياسي للفصيل إسماعيل هنية بعدم وجود فوضى في القطاع بعد العدوان، معللاً ذلك بأن المؤسسة الحكومية والأجهزة الأمنية ما زالت قائمة وتمارس عملها على أكمل وجه، لكن هذا حديث غير واقعي على الأرض.

ضغوط

ثمة عوامل كثيرة دفعت “حماس” إلى الإعلان الرسمي عن استعدادها للتنازل عن حكم غزة، من بينها ما يتعلق بإسرائيل التي تواصل الضغط العسكري الكبير على الحركة، وتهددها بالعمل على تفكيك جناحها العسكري، وإصرار تل أبيب على جعل السيطرة الأمنية بيد الجيش.

أما العوامل الفلسطينية، فتمثلت في التذمر الشعبي من تمسك “حماس” بالحكم على رغم حجم الدمار والويلات الذي أصاب النازحين، وحالة المجاعة التي يعيشها سكان شمال غزة، وتعطش المدنيين إلى قرار وقف إطلاق النار، فضلاً عن الضغط الدولي غير المؤيد للحركة.

على أي حال، فإن إعلان “حماس” عن رغبتها في ترك الحكم وتسليمه لحكومة تكنوقراط، تزامن مع إجراء هنية وفريقه السياسي محادثات لإرساء هدنة إنسانية في غزة تتضمن وقف الحرب في نهاية المطاف.

يعقب الباحث السياسي زيد الأيوبي “لن يكون هناك وقف للحرب إلا بعد خلق جسم بديل عن حماس في غزة، ويبدو أن الحركة المنهكة في القتال أدركت ذلك بعد أن شرح لهم الوسطاء الأمر، لذلك بدأت قياداتهم في الترويج للتخلي عن الحكم”.

وبالفعل، يؤكد أبو مرزوق أن هناك انفراجة في شأن وقف الحرب، وأن الحركة تسعى إلى ذلك لأجل وقف الإبادة التي يمارسها الجيش في القطاع، ومن أجل عودة النازحين إلى شمال غزة، وهذان شرطان خلال المفاوضات قد يتم التوصل إليهما.

لقاء فصائلي وحكومة تكنوقراط

كما أن استعداد الحركة للتخلي عن السلطة في القطاع تزامن مع دعوة روسيا جميع الفصائل الفلسطينية إلى اجتماع في موسكو، لمناقشة إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة تكنوقراط وانضمام “حماس” لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وجاءت هذه الدعوة، بعد لقاء جمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مع رئيس دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في شأن التوافق على تشكيل حكومة تكنوقراط، وانضمام “حماس” لمنظمة التحرير، والتزام الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل.

حول ذلك، يقول عضو اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية عزام الأحمد “نسعى إلى الوحدة مع (حماس) وعلى الحركة التجاوب معنا للنزول على الأرض، وينبغي عليها الموافقة على شروط مسبقة”. ويضيف “يجب أن تقبل (حماس) بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير، والتفاهم في شأن قضية المقاومة، نحن ندعو إلى المقاومة الشعبية، ولا شيء غير ذلك، والتزام القانون الواحد والنظام الواحد والسلاح الواحد”.

ويوضح الأحمد أنه يجب على “حماس” الذهاب إلى حكومة تكنوقراط كما يرغب العالم، وأن تكون مرجعيتها عباس، لتستطيع إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره.

ضغط إسرائيلي وحلول بديلة

لكن “حماس” التي وافقت على حكومة تكنوقراط ما زالت عنيدة ولا ترغب في مرجعية عباس. ويقول ذلك عضو المكتب السياسي في الحركة حسام بدران “يجب أن تكون المرجعية للحكومة الفصائل الفلسطينية، هذه مرجعية وطنية تراقب أداء الحكومة، وتحاسبها على كل تقصير”.

وبينما لا تزال هناك فجوة بين “حماس” و”فتح” من المتوقع أن تعمل موسكو على حلها، إلا أن تخلي “حماس” عن حكم غزة، تزامن أيضاً مع إفصاح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن خطة “اليوم التالي” للحرب، والتي لا تستبعد دوراً للسلطة الفلسطينية بالقطاع، لكنها تحاول خلق حلول بديلة عن “حماس”.

يقول الوزير الإسرائيلي في “كابينت الحرب” بيني غانتس “الحكم في غزة لا يمكن أن تكون (حماس) فيه، ولا ينبغي أن تكون إسرائيل فيه كذلك، يجب أن يكون هناك إدارة مدنية للقطاع ستشمل على الأرجح فلسطينيين محليين مدعومين إقليمياً”. ويضيف “في أي وضع مستقبلي ستحافظ إسرائيل على تفوقها وقدراتها العملياتية في قطاع غزة بأكمله، هذا شأنه ألا يسمح لعناصر (حماس) بالعودة للسيطرة على القطاع أو الأماكن التي يعمل فيها الجيش الإسرائيلي”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى