قوات النظام السوري تقضم جبل الزاوية على وقع تهديدات تركية

أمين العاصي

على وقع استمرار الدعوات التركية للنظام السوري بضرورة الانسحاب من المناطق التي سيطر عليها أخيراً في إدلب، قبل نهاية الشهر الحالي، والحديث عن أن الخيار العسكري قائم، كانت قوات النظام ومليشيات تساندها تسابق الزمن من أجل السيطرة على أكبر عدد ممكن من بلدات وقرى في ريف إدلب الجنوبي، وذلك في ظل عدم توصل الروس والأتراك حتى اليوم إلى تفاهمات على ملف المنطقة، مع استمرار المفاوضات بينهم.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده “لن تتراجع قيد أنملة في إدلب، وستدفع بالتأكيد النظام خارج الحدود التي وضعناها”. وقال في اجتماع الكتلة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” في البرلمان التركي أمس، إن أكبر مشكلة تواجه قوات بلاده العاملة في إدلب حالياً، عدم إمكانية استخدام المجال الجوي، وأن هذه الأزمة ستُحل قريباً. وأضاف أن مطلب بلاده في إدلب هو انسحاب النظام إلى ما بعد نقاط المراقبة التركية، وإتاحة فرصة العودة للنازحين إلى ديارهم. وتابع: “لا مطمع لنا بالأراضي السورية ونفطها، وما نسعى إليه هو تحقيق السلام والأمان للسوريين على أراضيهم”. وحذّر من أن “المهلة التي حددناها للذين يحاصرون نقاط المراقبة التركية بالانسحاب، أوشكت على الانتهاء”.

وأكد أردوغان أن بلاده ستتخذ كل الخطوات اللازمة، بما في ذلك التدخل العسكري المباشر، لمنع حدوث كارثة إنسانية في إدلب، مبيناً أن تركيا لن تقبل موجة جديدة من اللاجئين. وأضاف: “نخطط لفك الحصار عن نقاط المراقبة التركية مع نهاية الشهر الحالي، فالنظام لا يهدف إلى تخليص أراضيه، بل يسعى إلى القضاء على شعبه وتسليم البلاد للمتعصبين الطائفيين القادمين من الخارج”. وأكد أن الذين يهدفون إلى إنقاذ أراضيهم وبلادهم ومستقبلهم، هم المجموعات السورية التي تتحرك مع القوات التركية (في إشارة إلى الجيش الوطني السوري). وأردف: “عززنا وجودنا العسكري في إدلب لتوفير أمن جنودنا هناك ولحماية الشعب من ظلم النظام السوري”.

وفي حديث آخر للصحافيين في أثناء عودته من زيارة الثلاثاء لأذربيجان، قال أردوغان إنه لم يُؤكَّد بعد انعقاد القمة الرباعية المنتظرة بين بلاده وألمانيا وروسيا وفرنسا، حول إدلب في 5 مارس/آذار المقبل. وأضاف: “احتمال كبير أن تجري المحادثات حول إدلب في إسطنبول في 5 مارس، وأن تكون على شكل محادثات ثنائية ورباعية”.

وفي ما يخص اللقاءات التركية والروسية في موسكو وأنقرة، قال أردوغان إنّ من المكن إجراء اتصال هاتفي بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بناءً على نتائج المحادثات القائمة بين الوفدين. وأكد قائلاً: “إننا نريد تطبيق كل ما ينص عليه اتفاق سوتشي، ومن غير الممكن أن نقدّم تنازلات في هذا الخصوص، فنحن نوجد هناك (في سورية) بموجب اتفاقية أضنة المبرمة عام 1998 بين أنقرة ودمشق”.

وبدأ وفد روسي زيارة لأنقرة أمس، للتفاوض مع مسؤولين أتراك حول ملف شمال غربي سورية. ونقلت وكالات إعلام روسية عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف قوله أمس إن بلاده تتوقع نتائج إيجابية للمحادثات مع تركيا.

في غضون ذلك، دعا وزراء خارجية 14 بلداً في الاتحاد الأوروبي، روسيا وتركيا إلى “خفض التصعيد” في محافظة إدلب، وذلك في مقال نشر في صحيفة “لوموند” الفرنسية أمس. وحذر الوزراء الـ14، وبينهم الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هايكو ماس، من أن محاربة “الإرهاب” كما تزعم موسكو لا تبرر “الانتهاكات الكبرى للقانون الإنساني الدولي”. وكتب الموقّعون على المقال: “ندعو روسيا إلى مواصلة المفاوضات مع تركيا لخفض التصعيد في إدلب والمساهمة في إيجاد حل سياسي”. وأضافوا: “ندرك تماماً وجود جماعات متطرفة في إدلب. لن نستخف بتاتاً بمشكلة الإرهاب: نحاربه بعزم… لكن مكافحة الإرهاب لا يمكن ولا يجب أن تبرر الانتهاكات الهائلة للقانون الدولي الإنساني”.

ميدانياً، تابعت قوات النظام ومليشيات تساندها تقدّمها أمس الأربعاء في ريف إدلب الجنوبي في مساعيها للوصول إلى الطريق الدولي “إم 4”. وأكدت وسائل إعلام تابعة للنظام أن قواته سيطرت على قرى جديدة، هي: شنشراح وترملا ودير سنبل ومعرة المخص والبريج وخربة الويبدة وحسانة بريف إدلب الجنوبي. واحتفت وسائل إعلام النظام بالسيطرة على بلدة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي الثلاثاء لكونها ذات رمزية ثورية عالية، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي في محيط الطريق الدولي الذي يربط شمال البلاد بغربها.

من جهته، قال المتحدث باسم قوات النظام، علي ميهوب، في بيان تلاه أمس الأربعاء، إن قواته سيطرت خلال الأيام القليلة الماضية على العديد من البلدات والقرى والتلال الحاكمة، منها كفرنبل وكفر سجنة والشيخ مصطفى وحاس ومعرة حرمة ودير سنبل والدار الكبيرة وحزارين. وأشار إلى أن أهمية ما تمت السيطرة عليه من مناطق جديدة تأتي من كونها تشكل حلقة وصل بين جبل شحشبو وسهل الغاب من جهة، كذلك فإنها تصل بين ريفي حماة وإدلب وبين جبل الزاوية وجبل الأربعين مع سهل الغاب من جهة ثانية.

ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن مصدر عسكري قوله إن قوات النظام تواصل هجماتها من ثلاثة محاور، يقود الأول والثاني إلى مناطق جبل الزاوية الذي يؤدي إلى الطريق الدولي، ويلتف على مقاطع من الطريق بطول 25 كيلومتراً، تصل سراقب بأريحا. فيما يؤدي المحور الأخير إلى جبل شحشبو المتصل بالأول شمالي حماة، بهدف التقدّم إلى سهل الغاب في قسمه الشمالي الغربي على تخوم جسر الشغور. وبيّن المصدر أن هدف قوات النظام استكمال السيطرة على المنطقة الواقعة إلى الجنوب من الطريق الدولي الممتد من سراقب إلى جسر الشغور مدخل ريف اللاذقية الشرقي. وأشار المصدر إلى أن كل تجمّعات الجيش التركي وتحركاته خارج النقاط المتفق عليها هي هدف لقوات النظام، مشيراً إلى أنه سيكون الرد فورياً على أي نقطة تركية تصدر منها رمايات.

من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام نفذت قصفاً صاروخياً على طريق البارة-كنصفرة في جبل الزاوية، مستهدفة رتلاً عسكرياً تابعاً للقوات التركية، الأمر الذي أدى إلى احتراق آلية تركية على الأقل. وأشار إلى أن طائرات حربية روسية شنّت غارات مكثفة على كنصفرة وأطراف النيرب ومعارة عليا وقميناس وبنش وسرمين وأماكن أخرى في جبل الزاوية وجبل شحشبو، بينما نفذت طائرات النظام الحربية غارات على بنش وجوزف وقرى في جبل شحشبو وجبل الزاوية.

في غضون ذلك، تسعى قوات النظام إلى تهجير أهالي بلدات وقرى لم يغادرها أهلها بشكل كامل بعد، لذا عاود الطيران الحربي ارتكاب المجازر بحق المدنيين في العديد من مدن محافظة إدلب وبلداتها وقراها، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات. وقالت مصادر من الدفاع المدني السوري لـ”العربي الجديد” إنّ الطيران الروسي قصف فجر أمس بلدة أرنبة في ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين بينهم امرأة. وأضافت المصادر أنّ عدد القتلى جراء القصف من قوات النظام على مدن إدلب ومعرة مصرين وبنش، بلغ خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 22 قتيلاً، فضلاً عن سقوط 90 جريحاً على الأقل، بينهم عشرات الأطفال والنساء. ووثق فريق “منسقو استجابة سورية” استهداف النظام لأكثر من 17 نقطة خدمية الثلاثاء، مشيراً في بيان نشره أمس إلى أنها موزعة وفق الآتي: ثماني منشآت تعليمية، وثلاث منشآت طبية وإسعافية، وفرن للخبز، وثلاثة تجمّعات للنازحين، ومنشأة واحدة خدمية.

وسيطرت قوات النظام خلال الأيام القليلة الماضية على 30 بلدة وقرية، في ريف إدلب الجنوبي، إذ توغلت في منطقة جبل الزاوية التي تضم نحو 35 بلدة وقرية. ومع التقدّم الذي تحققه قوات النظام باتت على مشارف نقطة المراقبة التركية في قرية شير مغار، شمال غرب حماة، وفق مصادر محلية، قالت إن مليشيات النظام وروسيا باتت على بُعد كيلومترات قليلة لتطويق نقطة المراقبة التركية في قرية شير مغار في جبل شحشبو في ريف حماة الشمالي الغربي.

وتسعى قوات النظام إلى السيطرة على جبل شحشبو الاستراتيجي والممتد بين ريف حماة الشمالي الغربي وريف إدلب الجنوبي الغربي، لكونه يشرف نارياً على أغلب المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في منطقة سهل الغاب شمال غربي حماة، والتي “من الممكن أن تسقط نارياً بمجرد السيطرة على قرى جبل شحشبو”، وفق مصدر في فصائل المعارضة. وأشار إلى وجود تلال في منطقة جبل شحشبو حاكمة لكل الجهات لمسافة عشرات الكيلومترات من الجبل، مضيفاً: “من يسيطر على هذه التلال يتحكم بمناطق ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي”.

ويقع الجزء الأكبر من مساحة الجبل في ريف محافظة حماة، بنسبة تصل إلى نحو 70 في المئة، أما الجزء الباقي فيُعتبر من ريف محافظة إدلب. ويضم الجبل نحو 20 قرية، هُجّر أغلب سكانها على مدى سنوات الحرب السورية. وكانت قوات النظام قد أخضعت منتصف العام الماضي ريف حماة الشمالي في المرحلة الأولى من الحملة العسكرية التي تلت اتفاق سوتشي بين موسكو وأنقرة في سبتمبر/أيلول 2018.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى