أولًا: إن أي حديث عن المسار السياسي للثورة السورية. لا بد أن نؤكد بداية أن الثورة السورية. لم تكن عملاً منظما ومدروسة من قبل نخبة ما. او أحزاب او ناشطين أو غيره. وان سمتها العفوية. وانها انطلقت من مظلومية فئات الشعب السوري كافة. وخاصة الشباب. وانها طالبت بإسقاط الاستبداد والفساد والظلم والقهر والاستحواذ الاقتصادي. والهيمنه على الجيش والأمن وكل مفاصل الدولة من قبل النظام وأعوانه. وتبلور حراكها علنا وضمنا. معبرا عنه بالمطالبة. بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل
ثانيا. لذلك وبعدما تطور الحراك وتصاعده ولم يستجب النظام لمطالب الشارع الشعبي. كان لابد أن يبدأ الحراك بتشكيل تنسيقياته في كل المواقع. وان تتواصل التنسيقيات وتتفاعل وتحاول أن تعمل موحدة ووفق رؤى واحدة ومسار محدد. ومع الوقت ومع تحول موقف النظام المستبد. للتعامل بالعنف الوحشي مع التظاهر. بدأت تتشكل نويات خلايا الدفاع عن المتظاهرين. و ستشكل لاحقا الجيش الحر
ثالثا. على المستوى السياسي بدأت بقايا الأحزاب السياسية. وقوى المجتمع المدني. ببلورة موقف لها من الحراك. وان تتواصل مع التنسيقيات لتوحيد المواقف. وان بشكل فردي ومتدرج. ولن نفصل هنا بأن هذه القوى كانت اصلا منضوية في إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي. وأن بعضها كان على مسافة من الاعلان. لأسباب اغلبها حزبية. وان هذه القوى سرعان ما شكلت ممثليها السياسيين. المجلس الوطني السوري. وهيئة التنسيق الوطنية. وكانت قد دخلت كلها في مخاض طويل عبر لقاء القاهرة وغيره. قبل تبلورها في تشكيلها الثنائي ذلك. مع العلم انها كقوة سياسية حاولت أن تعبر عن الثورة ومطالبها وان خلافاتها بالعمق ليست ذات اهميه. لأن واقع حال التغيرات على الأرض تجاوزت الكل…
فليس مطلب التدخل الخارجي لإسقاط النظام ممكنا. كما أن مطلب استمرار الثورة سلمية مستحيلا. كما أن استقلالية الثورة عسكريا وسياسيا كان أقرب الى الأمنية التي سحقها الواقع… فكل الاطراف الدولية والاقليمية ضالعة بالحالة السورية مع او ضد. وباشكال مختلفة. و مصالح هذه الأطراف… لذلك كان اختلاف المجلس الوطني وهيئة التنسيق غير ذي معنى. ويعبر عن جهل سياسي. ان لم نقل عن مصالح حزبية وشخصية ضيقة
رابعا. كانت الحاجة الموضوعية لوجود من يعبر عن الثورة سياسيا. سواء لأطراف الثورة و ناشطيها. او الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للثورة. لذلك تم تبني المجلس الوطني السوري وأعطي من الدعم والتغطية ما يجعله يتماهى مع الثورة ومطالبها… ولكن واقع حال الحراك ببعده العسكري والسياسي. وتحول الحالة السورية الى بؤرة صراع يراد لها التمادي في تعميق الصراع وتوسيعه اقليميا ودوليا. وأن لا حل في الأفق. وبعد أن تحولت الحالة السورية لصراع بين الاطراف الدولية والإقليمية على الأرض السورية وبالشعب السوري وبدمه. ولكل اصطفافه وأسبابه لفعل ما فعل… حيث دخلت ايران وروسيا وحزب الله والمرتزقه الطائفيين من العراق وأفغانستان وغيرهم. حلفاء استراتيجيين لدعم للنظام بالمطلق ومنعا لسقوطه. كما أن تشكيل مجموعة الدعم للثورة السورية الموك والموم وكذلك الدول التي ساعدت لوجستيا او ماديا أو عسكريا للثوار. جعل الثوار في حالة مواجهة للنظام دائمه. فلم تستطع أن تسقطه ولم يستطع أن ينهيها.. كما ان وجود داعش والنصرة في صلب الصراع وتحولهم لطرف فاعل. وتحول داعش لكيان وامتداد يخوض صراعه مع الكل. وظهور التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وتحوله لأولوية. جعل المشهد سياسيا يأخذ منحى آخر
خامسا. لكل ذلك لم يعد المجلس الوطني بتشكيلة الاولي يرضي كل الأطراف الداعمة للثورة. فهي ايضا تبحث عمن يمثل امتدادا لمصالحها في الثورة سياسيا. ومن باب ادعاء تجاوز النقص في تمثيل الشعب والثورة.. تم بناء الائتلاف الوطني … الذي توسع وأخذ الشرعية وتمثيل للثورة السورية… ركن المجلس الوطني على الرف كبنية محددة
سادسا. كان لابد للائتلاف أن يكون شريكا فاعلا في كل ما يناقش أو يقرر بشأن الثورة السورية. فهو اما حاضرا او له من يتكلم باسمه في المحافل الدولية. بدء من لقاءات فينا الى لقاءات جنيف الأولى التي بلورت بيان جنيف الذي عبر عنه بعد ذلك بالقرار 2254. الذي يتحدث عن انتقال سياسي في سوريا. بمرحلة انتقالية. وأبعاد الاسد ورموزه عن السلطة. وبناء دولة ديمقراطية بدستور جديد. وبرلمان منتخب .وانتخابات رئاسيه… كل ذلك بقي نظريا حيث تم اللعب على التفسير. وتم تفشيل لقاءات جنيف. وكانت الامور تعود دوما لنقطة الصفر واستمرار الصراع على الارض
سابعا. لعب النظام وحلفائه على موضوع وحدة تمثيل الثورة السورية سياسيا من قبل الائتلاف. رافضين لذلك. فتم تسليط الضوء على هيئة التنسيق.. وان لها الحق في تمثيل ما أصبح يسمى المعارضة. (كلعبة سياسية مدروسة بأن ما يحصل في سوريا. هو صراع بين سلطة شرعية ومعارضة لها. وليس ثورة على السلطة. ترفض شرعيتها وتسعى لإسقاطها استبداد ظالم وقاتل وتبني الدولة الوطنية الديمقراطية). وتم كذلك بناء منصات أخرى اعتبرت من المعارضة. وهي ليست اكثر من أشكال تعبير عن مصلحة النظام. ولأجل كسر وحدة التمثيل للثورة. كمنصة حميميم والاستانة وموسكو… وتم دعم تشكيل منصة القاهرة من اطراف اقليمية هي الإمارات ومصر والاردن.. وبعض القوى الإقليمية والدولية.؟!! . في مواجهة الائتلاف على أنه يتبع بتحركاته.. تركيا وقطر والسعودية كأطراف اقليمية اخرى داعمة للثورة بأجندة مختلفة
ثامنا. أدى التوافق الأمريكي الروسي للتوصل الى اقرار بيان جنيف 1 . وإقرار مجلس الأمن للقرار 2254. وعبر عنه على الأرض بقرار وقف إطلاق النار. ومن ثم بدء بالمسار السياسي. لذلك أعطيت السعوديه تفويضا. بتشكيل ممثلا سياسيا للثورة السورية. أدخلت به هيئة التنسيق وبعض الاطراف الاخرى لتكون الممثل السياسي والعسكري للثورة السورية. في المحافل الدولية. ونشأ ما عرف بالهيئة العليا للتفاوض عن الثورة السورية ومقرها الرياض. والتي خاضت بعض الجولات التفاوضية.. مع النظام والأطراف الراعية. و بحضور ديمستورا كممثل لمجلس الأمن. ولم تتمكن من الوصول لاي خطوة عملية سياسيا. واقترن ذلك بفشل الهدنة على الأرض. واختلاف روسي امريكي.. جعل العملية كلها فاشلة سياسيا وعسكريا
تاسعا. ان عدم نجاح الهدنة. والفشل التفاوضي. وغياب أمريكا عن التفاعلات بشأن المشكلة السورية. لانشغالها في الانتخابات الرئاسية. والانتقال بين عهدين. ادى لدخول روسيا بقوة عسكرية عدلت مع حلفاء النظام موازين القوى على الأرض انتهت بهزيمة عسكرية لقوى الثورة. توجت في سقوط حلب بيد النظام وحلفائه. وحاول الروس استثمار نصرهم العسكري بمحاولة صناعة مسار سياسي. يحققوا به أجندتهم الخاصة في سوريا. وهي إعادة إنتاج النظام السوري أمنيا وعسكريا. وشبكة حلفائه. مع محاولة تغيير رمزي في التعبير السياسي عبر إدماج بعض السياسيين السوريين بالسلطة السورية. وعبر استيعاب ماتبقى من قوى الجيش الحر بعد انهاكها ووضعها وجها لوجه مع النظام من جهة. وداعش من جهة. وأمام النصرة التي بدأت ترتاب مما يحصل. وتقوم بأعمال استباقية لتحمي نفسها. وتحتل الساحة وبأي وسيلة
عاشرا. واستثمرت روسيا تركيا ومطالبها بحماية امنها القومي اتجاه ال ب ك ك في تركيا وامتدادها ال ب ي د في سوريا. وضد داعش ايضا. واعطتها ضوء أخضر لتمتد بأعمالها القتالية في سوريا. داعمة للجيش الحر وعبر صمت أمريكي… وسارعت روسيا للدعوة لمؤتمر الاستانة ليكون منصة عسكرية لتثبيت وقف إطلاق النار في سوريا. و ليكون بديلا سياسيا عن الهيئة العليا للتفاوض. لكن وعي فصائل الثورة المشاركة. والحضور التركي.. ووعي روسيا بانها ليست مطلقة اليد في التصرف في سوريا. جعل نتائج الاستانة سياسيا هزيلة. و صبت في صالح قوى الثورة السورية. وأن المسار السياسي للقضية السورية هو من اختصاص الهيئة العليا للتفاوض وعبر جنيف… وفشل الروس ايضا تمرير مشروع الدستور المقترح لسوريا. ولو حتى للاستئناس.. وكان موقف الكل بأن الدستور السوري شأن سوري بحت ومهمة السوريين حصرا… وهو جزء من مسار تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254
حادي عشر. لم تنتهي محاولات الروس بأن ينفذوا اجندتهم السورية. وخاصة أن معالم سياسة أمريكا ترامب بدأت تظهر عداء مطلق للإسلام السياسي والمتهم بالإرهاب. وبالتالي السكوت عن دور روسيا بسوريا. وتركيز هجومها على إيران باعتبارها الداعم الاول للارهاب. و العمل لضرب الاتفاق النووي الدولي معها… لذلك عملت روسيا على جذب الامم المتحدة الى مؤتمر الاستانة وحضور ديمستورا. ومباركة ما حصل. من جهة. والدعوة الروسية لرموز كثيرين من المعارضة السورية بعضها حقيقي والاغلب مزيف. لتؤكد ان الهيئة العليا ليست الوحيدة التي تمثل المعارضة والثورة في مواجهة النظام. وبالتالي العمل على تعدد التمثيل للمعارضة والثورة. وهذا يعني التشتيت والتناقض والصراع ان أمكن بين مدعي تمثيل المعارضة والثورة السورية. وهذا يؤدي لاضعافها أمام النظام وامام حلفائه ويؤدي إلى التراجع بأجندة المطالب ليصب كل ذلك في إعادة إنتاج النظام. وإنهاء الثورة. وعبر جعجعة كبيرة عن توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب الداعشي والنصرة… على ما في الدعوة لمحاربة النصرة من أنها. كلمة حق يراد بها باطل. تؤدي لإضعاف قوى الثورة وإلغاء مشروعيتها أمام حاضنتها الشعبية. والدخول في معركة وجود إمام النصرة تؤدي اخيرا لانهاك كل الأطراف. ليتم التدخل الدولي ومع النظام وحلفائه ليلتهموا الكعكة السورية كاملة وكأن شيئا لم يكن
.اخيرا. أمام هذا الواقع بكل تعقيداته. وان قوى الثورة السورية السياسية والعسكرية. في حالة ضعف واستضعاف. وأمام مأزق النصرة وما تمثله من عطب ومطب في سياق الثورة السورية وكيفية معالجته. مطلوب من قوى الثورة السياسية والعسكرية. أن تصر على وحدة عملها ووحدة موقفها. وان تتوسع سواء ضمن مظلة الهيئه العليا للتفاوض او غير مسمى وعبر ادماج أوسع طيف ثوري سوري سياسي وعسكري. على رؤية سياسية تنفذ اجندة الثورة بحدها الادنى بيان جنيف 1. وقرار مجلس الأمن 2254. وعبر وحدة التمثيل. وان تعتبر ان كل من لا يلتزم باجندة الثورة يعتبر ملحقا بالنظام. وانها واعتمادا على دعم حلفاء الثورة السورية. فهي غير معنية بأي تسويات مع المنصات المدّعات. أو أي تنازلات عن اجندة الثورة ومطالبها.. وأن لا يتم أي تنازل سياسي أو ميداني. يضر بالثورة وبحقوق الشعب السوري. بعد سنوات من الصراع. بوجود الملايين من المهجرين. ومئات آلاف الشهداء والمعتقلين و المصابين. وفاقدي لقمة العيش وبعد أن دمرت أغلب سوريا بمواردها الحياتية كامله
.لن يكون ثوارنا وثورتنا جسر عبور لأعداء الشعب. النظام وحلفاؤه ليعودوا استمرار سلطتهم واستنزافهم للشعب والدولة وكأن شيئا لم يكن.
8.2.2017
قراءة موضوعية عن مسار الثورة السورية وقيادة المعارضة بمراحلها من التنسيقيات الى المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق والتدخلات الخارجية الداعمة لنزظام طاغية الشام من أذرع ملالي طهران والحرس الثوري الايراني وروسيا، الجميع لم يكن يرغب بنجاح الثورة السورية فكانت الخطة “ب” بدعمها وتسليحها للتحكم بمسيرتها .