اعتقلت مع غيري في أواخر السبعينات من القرن الماضي على خلفية إعلاننا عن موقفنا الوطني الديمقراطي من النظام الاستبدادي ومن الطليعة المقاتلة ومعها حركة الإخوان المسلمين الذين تحركوا عسكريا ضد النظام. رافضين استبداد النظام معتبرين أنه السبب فيما حصل ورافضين طائفية الطليعة والإخوان ومعتبريها إجابة خاطئة لمشكلة حقيقية. وانتصرنا وقتها الى الخيار الوطني الديمقراطي وهذا مثل موقف كل القوى السياسية المعارضة: إسقاط الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
كنا في فرع التحقيق العسكري في دمشق، ذلك المكان الأسوأ في فروع الأمن لدى النظام. دخلنا فيه بعد تنقلنا بين عدة فروع. وكلهم يشتركون بامتهان الإنسان وقمعه واستباحته.. كنا مسكونون بالخوف.. نعم.. من التحقيق. ومن الضرب المبرح بكل الوسائل. كرباج، دولاب. تشبيح. وكهرباء.. والبعض ضُرب حتى الموت أو ما قبل الموت.. كل ذلك أمامنا وبيننا وكل ينتظر دوره. بعضنا تمنّى الموت.. بعضنا انهار.. اغلبنا عاد لله والتدين والصلاة والاستغفار وانتظار الفرج.
في يوم ما جاءتنا دفعات جديدة وكثيرة.. المنفردة التي تتسع لواحد أو اثنين.. يوضع بها خمسه او أكثر. الجماعيات غرف ٤×٤ تتسع لعشرين شخص ينامون على حجمهم الشخصي حُشر بها أعداد من المعتقلين من كل الاعمار تصل لمئة وأحيانا مئة وخمسين انسان.. الكل وقوف، النوم إما قرفصة لمدة ساعة وبالدور. أو اتكاء على الحائط.. بعض الشباب يموت واقفا والبعض ينهار والبعض يمثل رجل النظام؟ حتى هنا يوجد من يمتهن انسانيته ويمثل سوط النظام وصوته.. كنا نموت كل ثانية ألف مرة.. احسسنا ان النظام يريد سجن كل الشعب السوري.. وسرعان ما علمنا أن موجة الاعتقالات هذه جاءت على خلفية أحداث حماة.. وان النظام قتل كل مشتبه به وأحضر إلى هنا المتهمين من الدرجة العاشرة.. ممن كان في المساجد او الشوارع او الاحياء حيث اجتاح النظام حماة.
اذكر ذلك العم الذي يشبه والدي ومن عمره، احضروه الى جماعيتنا، كان ودودا اليفا متواضعا، حدثني حيث كنت بجانبه داخل الجماعية المكتظة، عن مهاجمة حماة من قبل سرايا الدفاع والوحدات الخاصة، قال هناك مذبحة حصلت ودُمّرت أحياء وقتل من النساء والاطفال والشيوخ الآلاف، الله رحمني التقطوني ووضعوني معصوب العينين وتحت الضرب المبرح في إحدى عرباتهم العسكرية وأحضروني الى هنا. أنهى العم بوحه في جملة لن انساها: الله يكون بعون سوريا على هذا البلاء…
اذكر ايضا مبين الحموي الشاب الذي أحببته. قال لي لقد أحضروني من أحد جوامع دمشق، حيث كنا ندرس ونقيم وهذا كان يحصل في جوامع سوريا كلها وقتها، وعندما علموا أنني من حماة، اعتقدوا أنهم حصلوا على صيد ثمين، استلموني في المعتقل لأربع ساعات متواصلة من التعذيب والضرب.. وما قبل الموت. وقعوني على أوراق أني من الإخوان المسلمين.. كان يضحك بمرارة ويقول لي المهم يرفعوا التعذيب ولو أعدموني بعد حين.. هو يضحك مرارة.. ويبكي قلبي.. مبين هذا بعد أيام يستدعى في منتصف الليل.. وسينظر لي ممتلئا خوفا واقول له الله معك.. يعيدوه بعد ساعات كتلة مهشمة في بطانية… ويموت بيننا بعد قليل..
الآن أطفئ الذاكرة..
لذلك ثرنا…
2.2.2015
موقف وطني واضح من نظام طاغية الشام الأب والإبن ومن الإسلام السياسي المتمثل بالإخوان المسلمين والطليعة المقاتلة ومن أسباب ومعطيات مجزرة حماة 02-02-1982 من 2015 ومازال هذا الموقف هو السائد لأنه الموقف الأصح .