وإذا كان البعض قد انحصر اهتمامه بجمال عبد الناصر الحاكم، وتاه البعض الآخر في تجربة حكمه… سلبياته وإيجابياته … أما أنتِ يا دمشق فكان شغفكِ بجمال عبد الناصر الثائر وما عدى ذلك مجرد تفاصيل فيها الإيجابي والسلبي…
لذلك أدركتي يا دمشق بحسكِ التاريخي أن ولادة فكرة الثورة، في ذهن جمال عبد الناصر، كما حددّها في ” فلسفة الثورة ” أبعد من حادث نادي الضباط ، وحريق القاهرة ، وحرب فلسطين ، وحصار الفلوجة ، ومظاهرات طلبة الإسكندرية ، وتنظيم الضباط الأحرار وتجربة الحكم بعد ذلك بما لها وما عليها… فكل تلك التفاصيل لم تحجب شغفك بالوفاء لتلك البذرة الجوهرية التي أورقت ثورية جمال عبد الناصر .
إن بذور الثورة ولدت في أعماق جمال عبد الناصر لم تبدأ منه وأنما كانت ممتدة الجذور عبر أجيال عربية متعاقبة إليه. ..!
دعونا نترك الحديث لجمال عبد الناصر ذاته حيث يقول : (ولدت الثورة في أعماقنا حين ولدنا ، وأنها كانت أملاً مكبوتاً خلقه في وجداننا جيل سبقنا .. )، ويضيف : (.. لم يكن الذي حدث يوم 23 يوليو ”تموز” تمرداً عسكرياً ، وفي الوقت ذاته لم يكن ثورة شعبية ..) ، ثم يعبّر جمال عبد الناصر عن حالة الإحباط التي تلت حدث 23 يوليو ”تموز” ، فيقول : (لقد كنت أتصور قبل 23 يوليو ”تموز” أن الأمة كلها متحفزة متأهبة ، وأنها لا تنتظر إلا طليعة تقتحم أمامها السور ، فتندفع الأمة وراءها صفوفاً متراصة منتظمة تزحف زحفاً مقدساً إلى الهدف الكبير … وكنتُ أتصور دورنا على أنه دور طليعة الفدائيين ، وكنت أظن أن دورنا هذا لا يستغرق أكثر من بضع ساعات، ويأتي بعدها الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير … ، ثم فاجأني الواقع بعد 23 يوليو ”تموز” … قامت الطليعة بمهمتها ، واقتحمت سور الطغيان، وخلعت الطاغية، ووقفت تنتظر وصول الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير … وطال انتظارها .. لقد جاءتها جموع ليس لها آخر .. ولكن ما أبعد الحقيقة عن الخيال .. كانت الجموع التي جاءت أشياعاً متفرقة ، وفلولاً متناثرة تعّطل الزحف المقدس إلى الهدف الكبير ، وبدت الصورة يومها قاتمة مخيفة تنذر بالخطر …)، فهل من يتمّعن في ذلك النداء؟ وهل من سيلبي الدعوة ؟، وهل هكذا كانت البدايات … و تطور الأمور ، بعد ذلك ، معروف ، لكن ، جمال عبد الناصر أحسّ منذ اللحظة الأولى بمخاطر الفلول المتناثرة فقال : (أن الجموع التي جاءت أشياعاً متفرقة ، و فلولاً متناثرة كانت تعطل الزحف المقدس إلى الهدف الكبير ).
هكذا كان حلم جمال عبد الناصر منذ البداية: ( طليعة تقود الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير)، و نحن ، نقول ، الآن ، و بعد التجربة المرة ،أن الفلول المتناثرة ، ما زالت ، إلى ، الآن ، تعطل هذا الزحف …
لقد كانت الجماهير العربية ، الأتكالية على جمال عبد الناصر ، تنتظر منه ، أن يفعل كل شيء بمفرده … تصورت ، أنه قادر على فعل كل ما تريد ، و أنه مسئول عن تحقيق ، كل ، ما تريد … و عندما ، لم يستطع ، أن يحقق لها ، كل ، هذا الذي تريده ، لإن أجهزة السلطة الإقليمية لا يمكن أن تكون الحامل لمشروع تحرر أمة تتحالف مافيات العالم شرقاً و غرباً للعدوان على وحدتها بل على و جودها كما أن الجماهير العربية لم تعرف كيف تلبي نداءه خذلته فلم تلبي النداء (ببناء طليعة منظمة متراصة لتباشر زحفها المقدس باتجاه الهدف الكبير)
لقد تفاقم عجز الجماهير العربية بعد غياب جمال عبد الناصر فانكفأت الجماهير خائبة ، و ظلت على حالها كما وصفها جمال عبد الناصر ذاته : (جموع ليس لها آخر أشياعاً متفرقة، و فلولاً متناثرة تعطل الزحف المقدس إلى الهدف الكبير)
هكذا حدث الفراغ ، الذي ملأه الأعداء و تفاقمت موجات المآسي و الدمار و التخريب و الفساد و إشهار الخيانة و الصهينة … تتالى على هذه الأمة قتلاً و توحشاً بانتظار أن يلبي جيل عربي نداء جمال عبد الناصر التاريخي ببناء الطليعة العربية تقود الزحف المقدس للصفوف المتراصة المنتظمة إلى الهدف الكبير، و هذا النداء من جمال عبد الناصر الآن، بالضبط الآن برسم #الجيل_العربي_الجديد عله يحقق ما فشل جيلنا الهرم الذي تاه في زواريب الفتن و الصراعات الدينكشوتية…
وصباح الياسمين يا دمشق…
(14/1/2019)
المصدر: صفحة الراحل حبيب عيسى
بذكرى ميلاد الرئيس القائد الراحل جمال عبد الناصر يستذكر الكاتب والمناضل العروبي الراحل حبيب عيسى الله يرحمهما ويسكنهما الفردوس الأعلى [إن بذور الثورة ولدت في أعماق جمال عبد الناصر لم تبدأ منه وأنما كانت ممتدة الجذور عبر أجيال عربية متعاقبة إليه. ..!] لتنكفأ الجماهير العربية بعد غيابه خائبة ويتفاقم عجزها كما وصفها الرئيس القائد، أين روافع الفكر القومي العربي الناصري لتنهض بالأمة ؟.