بالنسبة لمراقب خارجي يسمع بالزيارة الرابعة لوزير خارجية أقوى دولة في العالم لمنطقة الشرق الأوسط تحت عنوان تفادي التصعيد، يعتقد أن دول المنطقة تُجهز الجيوش وتُعد العدة لرمي إسرائيل في البحر، أو على الأقل تلوّح بإيقاف إمداد داعمي إسرائيل بالنفط والطاقة اللازمة لاستمرار توريد وتصنيع الأسلحة والقنابل التي يُقتل بها أهل غزة!
وقد يفهم مراقب آخر أن المقصود بالتصعيد، هو وقف القوة الإسرائيلية المتوحشة والمنفلتة من كل عقال عند حدها وعدم السماح لها بالتمادي أكثر، خصوصاً أن أعداد الشهداء والجرحى الفلسطينيين قد بلغت أرقاماً يصعب على العقل استيعابها، وعلى أي منظومة أخلاقية قبولها، فعند كتابة هذه السطور كان عدد من قتلهم هذا العدوان 23357 شهيداً و59410 جريحاً، والعدد مرشح للزيادة للأسف فمعدل الشهداء وصل إلى حدود 11 شهيداً و27 جريح في الساعة الواحدة!
لكن هذا المصطلح- خفض التصعيد- يذكرني ويذكر السوريين عموماً بمناطق خفض التصعيد في سورية، والتي اكتشفنا أن المقصود منه أنه فقط لطرف واحد وليس لكلا الطرفين، فالمطلوب والذي حصل بكل الأحوال هو منع تصعيد قوات المعارضة السورية ضد النظام، لكنه لم يمنع أبداً تصعيد قوات النظام ضد المناطق الخارجة عن سيطرته والتي سُميت مناطق خفض التصعيد في جولة استانا الرابعة بين النظام السوري والمعارضة برعاية روسية في 2017، والتي شملت: محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب)، مناطق معينة من شمال محافظة حمص، الغوطة الشرقية، ومناطق معيّنة من جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة ) والتي استمر النظام بالتصعيد ضدها بل وقضمها حتى بقيت نصف منطقة في الوقت الحالي، مع “تصعيد”.
لا يبدو أنه ثمة اختلاف بين خفض التصعيد في سوريا من 2017 وحتى الآن، وبين ما يراد له أن يكون خفض تصعيد في المنطقة وغزة، فعلينا نحن العرب أن نبقى في دائرة الشجب والاستنكار لهذا العنف المفرط الذي يستخدم ضد المدنيين، والقلق لعدم دخول قوافل الغذاء والدواء، بينما من يدعوُن إلى خفض التصعيد يرسلون قنابل (MK-84) لاستهداف المشافي والأطفال، فحسب الواشنطن بوست الأمريكية فقد أرسلت الولايات المتحدة ما لا يقل عن 15 ألف قنبلة وأكثر من 50 ألف قذيفة مدفعية منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 حتى منتصف كانون الأول من العام نفسه، لا عجب! فمن يُحدثنا عن احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، ثم يدعم كل هذه الجرائم ضد الإنسانية استباقاً للزلازل التي قد يتمخض عنها طوفان غزة، ويقف بكل صفاقة ضد حقوق الضحية في الدفاع عن نفسها، بل ويشرعن حرب إبادة وتطهير عرقي، ولن يتورع أن يطالب بوقف التصعيد ويداه ملوثتان بالدم.
وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيس الدبلوماسية الأمريكية، الذي يجوب المنطقة لخفض التصعيد هو أحد المشاركين في مجلس الحرب الإسرائيلي، إضافة إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ونائبه الذي لم يفوت فرصة التوقيع على القذائف التي تنهمر فوق رؤوس أطفال غزة، هذا يعني أنه لا يهتم لا هو ولا إدارته لأرواح الأطفال ولا دماء أهل غزة، ما يهمه الآن هو مضيق باب المندب وتدفق التجارة العالمية فيه، وما يهمه أيضا أن تبقى الدول العربية تمارس الشجب والاستنكار ولعب دور الوسيط وكأنه من يَقتل الفلسطينيين في غزة من كوكب أخر، وبينما ترفع جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني بسبب ارتكابه جرائم إبادة نقفُ نحن العرب موقف المتفرجين!
المصدر: الحرية أولًا