يوم المعتقل السوري على الأبواب ||  والمعارضة لا حراك

أحمد مظهر سعدو

لعل واقع المعتقل السوري ومنذ بدايات ثورة الحرية والكرامة، من أكثر منغصات المسألة السورية ألمًا، ومن أشد القضايا الوطنية أهمية، ومع ذلك ما برحت أجندات المعارضة الرسمية السورية بكافة ألوان الطيف السياسي والعسكري، بعيدة كل البعد، عن محاولات إنتاج حالة جديدة تبين أهمية وأولوية الاشتغال الجدي، على قضية وطنية سورية بهذا الحجم، وهذه الأهمية. الاعتقال السياسي في سورية جرم يومي يرتكبه نظام المقتلة الأسدية منذ 16 تشرين ثاني/ نوفمبر ١٩٧٠ وحتى يومنا هذا، وقد تصاعد اضطرادًا منذ بدايات الثورة السورية عام ٢٠١١ ضمن سياسات قمعية فاشيستية، يريد منها نظام الأسد لجم أي حراك شعبي على طريق كنس نظام الاعتقال والقتل والعسف والنهب، نظام الفساد والإفساد الممنهج. ويبدو أن الصمت الدولي والإقليمي عن مثل هكذا ممارسات فاق كل حد، وهو مل سمح لهذا النظام بالاستمرار في ممارساته العنفية المتناقضة مع كل الأعراف الدولية، والقانون الدولي الإنساني أو حتى القوانين الوضعية السورية، منتهكًا بذلك إنسانية الإنسان، وهادرًا بكل صلف وغرور إنسانية البشر في  سورية، عبر زجهم في غيابات السجون والمعتقلات، حيث لا يعرف أي إنسان من ذوي المعتقلين طيف معلومة عن مصائر المعتقلين، ولا حتى عن حيواتهم واحتمالات العيش  أو الموت، لشباب سوري في عز نشاطهم وعطائهم، وكان يفترض أن يكونوا في خارج أقبية الأسد كطاقة بشرية مهمة، ليشاركوا  في بناء  الأوطان، لا أن يغيبوا أو يعيشوا في الزنازين ضمن ظروف لاإنسانية ولاعقلانية، وتتنافى مع كل محددات ومؤطرات الشرائع الوطنية السورية والعالمية والدينية والإنسانية كذلك .

يقترب موعد الاحتفاء بيوم المعتقل السوري ضمن حالة من الصمت المطبق، ومن كل شرائح ومؤسسات المعارضة الرسمية السورية، التي مازالت منشغلة بهمومها البراغماتية، و(محاصصاتها) و(مناكفاتها) البينية، داخل كينونتها الأنوية، وعلى هامشها أيضًا، وما انفك حراكها يدور ويتحرك هلاميًا في حيثيات اللا جدوى، ومن ثم التسول وراء الدول المجاورة والكبرى أيضًا، توخيًا وزحفا نحو مؤتمر هنا، ولقاء هناك، وعبث غير مفيد، في سياقات لا تقترب أبدًا من الحالة الوطنية السورية، بقدر أنها باتت تنافق وتداهن للآخر القريب أو البعيد.. وهذا الحال يدعونا كسوريين من جديد إلى أن ندق ناقوس الخطر ونعيد صياغة وإنتاج الخطاب السياسي الوطني والحقوقي والإنساني والاجتماعي أيضًا ضمن محاولة  الخروج من عنق الزجاجة وأوجاعها،  والبحث عن مخارج جدية عملية وموضوعية تساهم بالفعل لا بالقول في إطلاق سراح ذاك الكم الكبير من المعتقلين السوريين الذين جاوز عديدهم ال ٩٠٠ ألف معتقل في المسالخ البشرية للنظام القمعي، منذ بدء ثورة الحرية والكرامة وحتى اللحظة الراهنة  حيث يسجل في سورية كل شهر ما ينوف عن 200 معتقل جديد على الأقل، حسب متابعات وإحصاءات أممية وعبر المنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والمعتقلين والمغيبين قسريًا.

وهنا لابد من الاقتراب إنسانيًا وعاطفيًا ووعيويًا من معاناة ذوي وأسر المعتقلين، ومشاركتهم همومهم حيث لا ينام لهم أي جفن، وهم يعيشون ويتخيلون حجم المعاناة المفجع في السجون الأسدية لأبنائهم وبناتهم من سوريين وأيضًا فلسطينيين سوريين، الذين جاوز عديد معتقليهم في سجون الأسد عشرات الآلاف، أي أكثر ممن تم اعتقالهم على يد الطغيان والاحتلال الصهيوني خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة.

إن واقع المعاناة الصعب والمضني الذي يعيشه أبناء سورية المنتفضون (ضد آل الأسد ومن أجل دولة سورية ديمقراطية)،  في زنازين القهر والسلب والهدر هو واقع مر ومميت ولا تتحمله الجبال، ولعل من دخل يومًا إلى سجون ومعتقلات المجرم بشار الأسد، أو أبيه حافظ الأسد يدرك تمام الادراك  ماهية المعتقل الأسدي، وماذا يعني أن يعتقل الإنسان في زنازين أفرع الأمن لنظام الأسد، أو ضمن أي سجن أو معتقل من معتقلات آل الأسد أو تحت هيمنة قتلة مجرمون لا يخافون الله، ولا يوقفهم أو يثنيهم عن ممارسة هذه الأنواع من تعذيبهم وهدرهم للناس أي أحد، فهم ينظرون إلى  المعتقل الموجود لديهم وفي سجونهم على  أنه (إرهابيًا معارضًا) لهم، وبالتالي فإن دمه وروحه مستباحة لديهم، وبإمكانهم ومن حقهم كنا يعتقدون أن يفعلوا به ما يشاؤون دون حسيب أو رقيب داخلي أو خارجي، في ظل دولة التغول الطائفي والقمعي وانتهاك سيادة القانون.

لكن يبقى السؤال هل يمكن أن تستمر حالة التهميش والتخلي عن هؤلاء المعتقلين الذين ينتظرون الفرج والحرية، ويتصورون أنهم قد تركوا خارج السجن أهلا لهم، وكذلك معارضة وطنية سورية سوف تعنى بقضيتهم، وتنشغل بأي وسيلة لإخراجهم من يد بشار الأسد المستبد الفاشيستي.

نعم إنهم منتظرون وانتظارهم لا يجب أن يطول أكثر وأكثر ، وإخراجهم من المعتقل أحياء  يجب أن يكون أولوية لكل أطياف المعارضة، إذ لا يوجد ما هو أهم من مسألة إطلاق سراح المعتقل السوري،  أو الفلسطيني في سجون الطاغية  المجرم، ولابد من التحرك على كافة الصعد، من أجل إعادة إنتاج متغيرات جديدة، سياسية وغير سياسية، تساهم بشكل حثيث في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو من بقي حيًا في سجون بشار الأسد ولا عذر لأحد، ولا يجب أن نركن أو نصمت عن هذا المطلب وهذه القضية، حتى  لا نصل إلى يوم يتجاوز  فيه بقاء المعتقل بين أيدي الجلاد ال ١٨ عشر عامًا التي بقيها رياض الترك والكثير من المعتقلين، بعد أن رحل رياض الترك الى جوار ربه، وهو الذي بقي مثل ذلك، في زنزانته الانفرادية، فأصبح أمثولة للصمود والحرية.

المهمة الوطنية الأهم اليوم هي البحث عن مخرج جدي وحقيقي لإطلاق سراح المعتقلين في سورية، وهي مهمة وطنية يفترض أن يدركها كل من تنطح للمسؤولية السياسية، أو الإنسانية واعتقد أنه يمثل السوريين في المحافل الدولية، أو أنه معني بإعادة سورية إلى دولة المواطنة وسيادة القانون، وكنس الاستبداد الشمولي، وتهيئة الظروف لحيوات سورية سمتها الحرية وأداتها الديمقراطية، وغايتها الوصول إلى دولة وطنية سورية خالية من العسف الأسدي، ومنع حالات إعادة انتاج أي أدوات قهر جديدة من أين أتت وأنَّى جاءت.

 

المصدر: موقع المجلس العسكري السوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى