اولا. حسن صبرا صحفي لبناني من الجيل القديم، مطلع عن قرب على اغلب الاحداث التي مرت في لبنان وسوريا منذ السبعينات للان، هو رئيس تحرير مجلة الشراع الأسبوعية اللبنانية التي فجرت فضيحة ايران غيت؛ حيث كشف حسن صبرا صفقات الأسلحة الإسرائيلية الى ايران ايام الحرب العراقية الايرانية، بالمختصر حسن صبرا جزء من الخلفية الصحفية المطله على كل ما يحدث بالمنطقة، وخاصة سوريا ولبنان عن قرب ومن خلال صناع الحدث نفسه، ومن هنا أهمية كتابه او شهادته.
ثانيا. والكتاب : سورية سقوط العائلة عودة الوطن ؛ هو اطلالة على سورية كسلطة وواقع سياسي وشبكة علاقات النظام السوري منذ حافظ الاسد وماقبل الى بشار الاسد حتى اواخر عام 2012 ، وهو يعتمد طريقة الرصد لموضوعات منفصلة عن بعضها من حيث السرد ، مرتبطة مع بعضها من حيث رسم اللوحة السياسية لسورية السلطة والسياسة والمجتمع وشبكة علاقة النظام السوري الاقليمية والدولية.
ثالثا. يتتبع حسن صبرا واقع السياسة السورية منذ الخمسينات ويؤكد على دور حزب البعث في اغلب الاحداث السياسية في سورية، منذ الانقلابات الاولى لحسني الزعيم والحناوي والشيشكلي، ومحاولة الضباط البعثيين ان يصنعوا انقلابهم الخاص في الخمسينات ، ورفض ميشيل عفلق قائد الحزب ورمزه لذلك، وكيف حل الحزب نفسه كشرط للوحدة مع مصر عبد الناصر 1958 ، وكيف تم إبعاد الضباط البعثيين الى مصر( الاقليم الجنوبي)، احتراسا من عبد الناصر ان يكون لهم دور سلبي من خلال تواجدهم في سوريا ايام الوحدة، وكيف تكتل هؤلاء الضباط في مصر وصنعوا تنظيمهم السري البعثي (اللجنة العسكرية)، وكان على رأسها حافظ الاسد وصلاح جديد ومحمد عمران (وكلهم علويين) ومعهم احمد المير (اسماعيلي) ، وتوسعت بعد ذلك لتضم من بقية الطوائف والسنة، ولكن بقيت منذ التأسيس ذات هيمنة طائفية للعلويين عليها. هذه اللجنة العسكرية سيكون لها دور في محاولة اعادة احياء حزب البعث مجددا، من خلال دعوة قادته التاريخيين: ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار (الذي كان وقع وثيقة الانفصال، وكانت خطيئة عمره)، وبدأ الاعداد للانقلاب على الانفصال ، خاصة وان اغلب الشعب السوري يرفض الانفصال ويتوق لعودة الوحدة مع مصر، وان اغلب الضباط السوريين كانوا ناصريين مستقلين غير منظمين لكنهم كثر، وتحالف البعث عبر لجنته العسكرية مع الضباط الناصريين وبعض الضباط المستقلين واسقطوا الانفصال في انقلاب آذار 1963.
رابعا. تابع المؤلف مسار اللجنة العسكرية البعثية وعلى رأسها محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد ؛ الذي اعيد للجيش ورفع لرتبة لواء وسلم قيادة القوى الجوية، والتي رتبت البيت الداخلي للبعث واعادت القيادة السياسية عفلق والبيطار، ولكن احتفظت بحضورهم الرمزي فقط، وصفت الجيش من الضباط الناصريين بقيادة جاسم علوان، الذي حاول الانقلاب على البعثيين الذين بدؤوا يبعدوا الناصريين عن الجيش وعن المواقع المؤثرة فيه، وحصلت إعدامات وتسريحات أغلبهم، وسرعان ما سيختلف البعث المدني عفلق والبيطار مع اللجنة العسكرية، و يتم انقلاب داخلي في شباط 1966، يثبت الهيمنة للجنة العسكرية بقيادة حافظ الاسد وصلاح جديد، ويتم ابعاد القيادة المدنية المسماة قومية من سوريا، ومعها محمد عمران من قيادة اللجنة العسكرية الى لبنان، حيث تغادر القيادة القومية عفلق والبيطار وآخرين الى العراق؛ حيث سيطر حزب البعث هناك ما قبل سوريا بشهر واحد في شباط 1963، ، وسرعان ما سيظهر الاختلاف بين صلاح جديد امين البعث الجديد، وحافظ الأسد وزير الدفاع، ويختلفوا على الهيمنة وعلى السياسات الداخلية والخارجية، وتؤدي اخيرا لازاحة صلاح جديد وفريقه، وهيمنة حافظ الاسد وفريقه بعد انقلاب 1970، الذي سمي حركة تصحيحية.
خامسا. منذ عام 1970 واستلام حافظ الأسد السلطة بشكل مطلق في سوريا، وهو يعمل على محورة كل مفاصل الدولة الاساسية حول نفسه وعائلته والطائفة العلوية، مبتدئا من الجيش والامن ثم الى كل مراكز الدولة الاخرى ومناشطها ووزاراتها، سيختار مجموعة من الوجوه السياسية والعسكرية السنية لتغطية حقيقة نظامه الطائفي العلوي، فيعتمد على مصطفى طلاس كوزير للدفاع الى وفاة حافظ الأسد، وكذلك رئاسة الأركان لحكمت الشهابي، ووزيرا للخارجية ثم نائبا للرئيس عبد الحليم خدام، ونائبا لامين القيادة القومية للبعث عبد الله الاحمر..الخ، واغلبهم او كلهم تأبد في مناصبه مع الاسد، طالما حافظوا على الولاء له وتنفيذ سياساته كل الوقت بطاعة عمياء. اما السلطة الفعلية في الجيش والامن فهي لضباط ومسؤولين علويين، وان كان البعض غير علوي ،فإن نائبه المتنفذ الاصلي علوي، سينهي الاسد كل المختلفين مع سياساته داخليا، و سيصنع له شبكة مصالح خارجية.
سادسا. يرصد المؤلف الصراع بين حافظ الاسد و الاسلاميين وكيف استأصلهم واستأصل كل الحراك المدني الديمقراطي معهم، وكيف كانت ردة فعل رفعت الاسد على محاولة اغتيال حافظ ، ومجزرة تدمر التي راح ضحيتها الالاف سواء بمذبحة مباشرة او الاعدامات الدائمة عبر سنوات، وكذلك مجازر حماة وحلب وجسر الشغور وغيرها، وكيف اصبحت سورية بلد خال من اي صوت معارض وان وجد الندرة فهم عاجزين عن اي تأثير مجتمعي ضد النظام.
سابعا. سيطل الكاتب على تمركز السلطة اقتصاديا في يد حافظ الأسد وعصابته، وكيفية صناعة امبراطورية المال في يد الضباط وقيادات الأمن العلويين منذ حافظ الاسد وتوسعها ووضوح هيمنتها الاقتصادية في عهد بشار الأسد. ممثلة برامي مخلوف ومن حوله.
ثامنا. يتحدث الكاتب عن تفكير حافظ الأسد بتوريث الحكم الى ابنه باسل، وكيف تم ابعاد أخيه رفعت حيث حاول الانقلاب عليه بعد مرضه في الثمانينات، وكيفية عزله وارساله الى فرنسا محملا بمئات ملايين الدولارات المأخوذة من معمر القذافي رئيس ليبيا وقتها، وكيف قتل باسل بسيارته على طريق مطار دمشق الدولي، واستحضار بشار الاسد الابن الثاني وتجهيزه ليكون وريثا للحكم ، وكيفية و سرعة تأهيله عسكريا، حيث اصبح رائدا في شهور، ثم عقيدا، ثم كيف بدأ حافظ يصدر بشار الى الخارج، حيث سلمه ملف لبنان ، وجعله عقدة الوصل بينه وبين القيادات العسكرية والامنية، وكيف بدأ بشار بصناعة مجموعته العسكرية والامنية الخاصة، وكيف ابعد حافظ كل منافس محتمل من طريق بشار، من القيادات الأمنية والعسكرية، وبعض من استصغره او تهكم عليه او اساء له كعلي حيدر. وسيصل اخيرا بشار الاسد ليكون حاكم سوريا الجديد، حيث اجتمع مجلس الشعب وعدل الدستور ليطابق سن بشار الاسد، و يرشحه الحزب وانتخبه مجلس الشعب، واصبح قائدا للجيش والقوات المسلحة ورئيس للجمهورية بعد وفاة حافظ، بعملية انتقال سلس للسلطة في سوريا.
تاسعا. يتحدث المؤلف عن مرحلة بشار، وادعائه استعداده لان يفتح صفحة جديدة في موضوع المشاركة السياسية والديمقراطية، وافتتاح المنتديات، وربيع دمشق، وانتعاش المثقفين والسياسيين، واصدار بيانات متتالية : التسع والتسعين ثم الالف، وتشكيل منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان، وكيف انقلب بشار على الحراك المدني والسياسي واغلق المنتديات وزج اهم الناشطين بالسجون، وعادت سورية دولة القمع وجمهورية الصمت السياسي. ويتحدث أيضا عن التحول الاقتصادي الى اقتصاد السوق وتركيز القوة الاقتصادية بيد رامي مخلوف وعصبته، ابن خال بشار الاسد بصفته واجهة عائلة الاسد الاقتصاديه.
عاشرا. يتحدث الكاتب باستفاضة عن علاقة النظام السوري بلبنان ودوره فيه، منذ الدخول السوري الى لبنان على اثر الحرب الاهلية اواسط سبعينات القرن الماضي، حتى لحظة كتابة الكتاب يتحدث عن خمسين عاما من الحضور السوري في لبنان، التدخل السوري في لبنان تحت دعوى حمايته من الاجتياح الاسرائيلي، ولضبط الصراع بين الثورة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات، المتحالفة مع القوى الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط، وكيف كان الدخول مقدمة للسيطرة المطلقة على لبنان دولة وشعبا، وتحوله الى موقع استثمار سياسي واقتصادي للنظام السوري وشبكته العسكرية الأمنية، سنعرف تفاصيل حول اغتيال كمال جنبلاط بيد السوريين، بعد ان وصل الخلاف الى مرحلة الصدام، جنبلاط مع المصالحة الوطنية والاستقلال في الإرادة والحكم للبنان، وحافظ الاسد يريد استتباع لبنان لسلطته وبرضى امريكي (اسرائيلي) ، للقيام بدور اساسي في انهاء الوجود الفلسطيني المسلح للفدائيين في لبنان ، بالتناغم مع الاجتياح (الإسرائيلي) للبنان 1982، والذي ادى لخروج الفدائيين من بيروت ثم من طرابلس 1983 ، تحت دك مدافع النظام السوري، متسترا باحمد جبريل عميلها الفلسطيني الصغير، الذي ما زال يجند بعض المرتزقة الفلسطينيين ضد ثورة الشعب السوري حتى الان. سيسرد الكاتب تفاصيل كثيرة عن علاقة النظام السوري مع لبنان منذ دخوله اليه، ودوره في اتفاق الطائف، ودور العربية السعودية فيه ايضا، وبداية التعامل بين حافظ الاسد ورفيق الحريري، الذي سيكون عراب الحل والتسوية في لبنان، وعبر ضخ الاموال التي ترضي الاطراف وخاصة النظام السوري واركانه المهيمنة في لبنان، غازي كنعان ورستم غزاله ، وتطورات العلاقة كمقدمة للقرار الاممي 1559 ، واغتيال الحريري، والخروج السوري من لبنان 2005 ، والمحكمة الدولية لاغتيال الحريري واتهام النظام السوري وعلى رأسه بشار الاسد واركان حكمه بهذه الجريمة، ويمر على رعاية النظام السوري للمصالح المشتركة مع ايران في لبنان منذ حركة الخميني 1979 ، والعمل على خلق حزب الله من ايران واستيعابه وتحويله لاداة بيد النظام السوري، تستخدم عند الحاجة سواء في الملف الداخلي اللبناني، او على الحدود مع فلسطين كسلاح يستخدم لخدمة سياسة النظام بمواجهة الاسرائيليين، وكيف سيعوض وجود حزب الله خروج النظام السوري من لبنان، بكونه محتكر السلاح والقوة في لبنان ، تحت حجة مقاومة العدو الصهيوني.
حادي عشر. يغطي الكاتب العلاقة المعقدة بين نظام حافظ الاسد ومن ثم ابنه مع القضية الفلسطينية، فهو نظام مدعي سياسيا بأنه يريد تحرير فلسطين، وتحرير الجولان التي خسرها النظام في حرب 1967 مع (اسرائيل)، والتي سيعمل على مواجهة عار الهزيمة حيث كان حافظ الاسد وزيرا للدفاع السوري حينها، ويتحرك مع السادات لصناعة حرب 1973 ، التي كان نتيجتها كامب ديفد والصلح بين مصر السادات و(إسرائيل)، واتفاق حافظ الأسد الاستراتيجي مع (اسرائيل) بفك الارتباط في الجولان الذي حول الجبهة السورية لمنطقة هادئة لعقود، وعمل حافظ الاسد للهيمنة على الثورة الفلسطينية ، لاستثمارها وفق أجندته، سيصطدم مع ابو عمار ياسر عرفات، ولن يتفقوا حتى موتهما معا، سيستخدم احمد جبريل ومنظمته لاهدافه المباشرة لتخريب الثورة، حيث استخدم كواجهة لاخراج ابو عمار من طرابلس 1983 ، سيتعامل مع منظمة ابو نضال التي انتقلت من حضن العراق لحضن سوريا، مستخدمة كبندقية للايجار، بأعمال ارهاب ضد دول وممثليها لخدمة دول اخرى دون اي فائدة على القضية الفلسطينية، بل تضرها، من احتضان العراق لابو نضال ومن ثم القذافي الى سورية، كان اداة استخبارية سيئة، وانطفأت عندما انتهى دورها.
ثاني عشر. يتحدث الكاتب كثيرا عن علاقة حافظ الاسد مع حكم البعث في العراق ، راصدا صراع الاخوة الاعداء، وكيفية استثمار هذه العلاقة من قبل الاسد الاب والابن لمصلحة نظامه، منذ ايام صدام الى احتلال العراق الى الان. ويتحدث ايضا عن تفاصيل العلاقة بين النظام السوري مع ايران، حيث كانت ايام حافظ الاسد شبه ندية، وكيف اصبحت في عهد بشار الاسد تبعية كاملة، خاصة بعد ان اصبح النظام اسيرا لحضور حزب الله العسكري والمليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والجيش الإيراني وبتروله والضخ المالي والاقتصادي، التي لولاها ولولا الدعم الروسي العسكري المطلق لسقط النظام السوري منذ سنوات.
اخيرا. الكتاب شهادة وممتلئ بالمعلومات ، وفيه الكثير من المعلومات المأخوذة من اصحاب العلاقة مباشرة، وصعب ان نحيط بكل ما ذكر، المهم انه يمثل -مع غيره من الكتب والوثائق- شهادة ادانة على النظام السوري برمزية حافظ الاسد ومن ثم بشار الاسد وعصبتهما، الذي قاد سوريا لتصبح دولة فاشلة: اكثر من مليون شهيد ومثلهم مصاب ومعاق، واكثر من 12 مليون انسان لاجئ داخل سوريا وخارجها، واكثر من نصف سوريا مدمر، سوريا محتلة عمليا من الإيرانيين والروس والمليشيا الطائفية، سوريا التي اصبحت محتلة من الامريكان الذين يغطون الانفصاليين الاكراد ال ب ي د (قوات سورية الديمقراطية)، سوريا التي اصبحت مسرحا لصراع دولي اقليمي ، وقوده الدماء السورية، وحاضر سوريا ومستقبلها، ومستقبل شعبها، المنتظرة على ابواب المؤتمرات الدولية حل ما ،على الاغلب يعيد انتاج نظام الاسد الذي خدم كل الاعداء وعلى رأسهم (إسرائيل).
الكتاب ينتهي قبل سنوات من التدوين، وما حصل بهذه السنوات اكد ان النظام العالمي الظالم ضد الشعب السوري، و سيعمل لعدم سقوط العائلة الاسدية، اما الشعب السوري وثورته فما زال يتحرك من أجل أهدافه المعلنة اصلا ، مراكمة على اصراره كل ماحصل مع الشعب السوري من مآسي: الحرية والكرامة والعدالة واسقاط الاستبداد وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية… ولو بعد حين.
24.12.2017