“إن الخطوة التي يجب أن تسبق الصلح مع إسرائيل هي إقامة ديمقراطيات اشتراكية، محل الحكومات الرجعية في الدول العربية… “
من خطاب بن غوريون أمام كنيست العدو عام 1951
كانت وما زالت سورية ولاّدة أحزاب وكيانات سياسية ونظام انتخابي حرّ، وقد سبقت أخواتها العربيات خوضَ التجربة الديمقراطية الحديثة. ولم تدُم هذه الحالة طويلاً بسبب استيلاء العسكر على الساحة السياسية في البلاد. وكان أكثرها سلبية استيلاء حزب “البعث العربي الاشتراكي” على مقاليد الحكم في 1963 حيث بدأت سطوة الديمقراطيَّة تصاب بالعَوار. ومن ثمَّ استفحال العطب التام عندما قام حافظ الأسد عام 1970، بانقلابه الذي أسماه “الحركة التصحيحية”،
وبذلك شهدت سورية “الديمقراطيَّة واستنساخ الحكام الطحالب” خلال فترة قصيرة بدأتها عقب نيلها الاستقلال من الاستعمار الفرنسي في نيسان 1946.
تآريخ لا تُنسى
بدأت سورية في معاصرة الحياة السياسية بالمعنى الحداثي (الديمقراطيًّة) خلال الانتداب الفرنسي (1946-1920). وظهرت آنذاك العديد من الأحزاب. كان أبرزها “الكتلة الوطنية”، التي كانت من أبرز التكتلات السورية التي صارعت بجانب مراكز القوى التقليدية الوطنية تلك الشخصيات المستقلة المتحالفة مع سلطات الانتداب الفرنسي. وبعد الاستقلال 1946، انقسمت “الكتلة الوطنية” إلى الحزب “الوطني” وحزب “الشعب”. وقد نجح حزب “الشعب” في السنوات التالية أن يهيمن على أكثرية المقاعد في الانتخابات النيابية. وجاء الحزب “الوطني” في المرتبة الثانية، قبل أن يبدأ منافسُه حزب “البعث” اعتباراً من منتصف الخمسينات.
استفاضة حول “حزب البعث العربي”
في 7 أبريل 1947 تحت اسم “حزب البعث العربي “. وكان مؤسسيه الثلاث هم:
السياسي السوري ميشيل عفلق (مسيحي).
الأستاذ صلاح الدين البيطار (مسلم سني).
أتباع المفكر زكي الأرسوزي (من الطائفة العلوية).
عقد المؤتمر المؤسس المؤتمر الوطني الأول في مقهى الرشيد بالقرب من مكان “المركز الثقافي الروسي” حالياً.
تخلف زكي الأرسوزي عن حضور المؤتمر لأسباب طارئة، مما اضطره إلى تكليف أتباعه الحضور نيابة عنه.
وبغياب زكي الأرسوزي، تمَّ اعلان قيام حزب البعث بتوقيعي “عفلق و “البيطار”.
لم يغفر زكي الأرسوزي لعفلق وبيطار سرقة اسم «البعث» منه.
نشأ الحزب بعدد قليل من الأعضاء خلال الأربعينيات.
كان بعض ضباط الجيش من أعضاء الحزب ، الذين كانوا في مقدمة الذين قاموا بانقلاب مارس 1949 الذي تزعمه الضابط حسني الزعيم -وهو ضابط أمريكي الهوى. وقد تمت الإطاحة بالرئيس شكري القوتلي.
عندما اعتلى حسني الزعيم سدَّة الحكم، كان رئيساً لا يؤمن بالديمقراطية، وتميز بكونه قمعياً خلاف الرئيس القوتلي.
عاد حزب البعث مجدداً بالمشاركة في انقلاب آخر للإطاحة بالرئيس القمعي حسني الزعيم .
وفي هذه المرحلة عاد القليل من سيادة الديمقراطية التي أدت إلى فوز حزب الشعب بأغلبية في انتخابات عام 1949.
كانت توجهات حزب الشعب السعي إلى إنشاء اتحاد بين العراق وسورية.
أعلن ميشيل عفلق دعمه الصريح إلى فكرة حزب الشعب حول اقتراح اتحاد بين العراق وسورية.
وكانت المفارقة، أن قام “عفلق” بإقناع “أكرم الحوراني” زعيم الحزب العربي الاشتراكي في نفس الوقت، كي يدعم الأخير انقلاب جديد بقيادة أديب الشيشكلي.
وفي العودة إلى تآريخ لا تُنسى، فإنَّه في عام 1949، تصاعدت التجاذبات الإقليمية وسياسات التحالفات المشبوهة بين السعودية والعراق. وتزايدت وتيرة النقمة على الزعامات السياسية التقليدية التي اعتبُرت مسؤولة عن حدوث نكبة فلسطين وقيام إسرائيل….
استفاضة حول “حزب البعث العربي
وكذلك تفاقمت الخلافات الديمقراطيَّة بين السياسيين في سورية بعد اندلاع الجدال حول مدِّ خطوط التابلاين، التي سُميّت بعد تأسيسها (شركة نفط العراق المحدودة). ومع ازدياد انتقادات البرلمانيين للجيش وقياداته، تشكلت اللبنة الأولى لانقلاب حسني الزعيم، الذي تمَّ التخطيط له بمعاونة كبار الضباط.
تنفيذ الانقلاب الأول
يوم الأربعاء 30 / آذار / 1949، في تمام الساعة الثانية والنصف فجرًا، أعطى الضابط حسني الزعيم أوامره لوحدات من الجيش السوري بتطويق القصر الرئاسي، ومبنى مجلس النواب، والوزارات الرئيسية، ومقرات الشرطة والأمن الداخمرلي. تمَّ اعتقال رئيس الجمهورية شكري القوتلي مع عدد من النواب والوزراء. وقد تمت عملية التطويق والاستسلام في جميع هذه المواقع سلمًا ودون إطلاق رصاصة واحدة.
لقد كان حكم حسني الزعيم قاسياً على الساسة وأفراد الشعب. خاصة بعد أنْ ألغى العمل بالدستور، الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
تنفيذ الانقلاب الثاني
في آب /1949، أقدم سامي الحناوي على القيام بالانقلاب الثاني بعد ثلاثة أشهر من الأول فقط مستثمراً السخط الشعبي. وشرع على الفور بتنظيم انتخابات ديمقراطيَّة لجمعية تأسيسية، تمت في 15 تشرين الثاني / 1949. أسفرت نتائجها عن فوز حزب الشعب بالمركز الأول. كان حزب الشعب المدعوم أساسًا في حلب وحمص، يدافع عن فكرة الوحدة مع العراق تحت التاج الهاشمي. وهو ما راق لقادة الانقلاب. في حين خلق ضغط سعودي – مصري على الحكومة والجمعية التأسيسية لمنع تحقيقه، أو أي تعاون سياسي أو اقتصادي.
وهذا تسبب في حدوث الانقسام السياسي الذي سرى إلى الجيش. ورغم أن الحناوي أصدر قرارًا يحظر على الجيش أي نوع من التدخل السياسي، أو الولاء الحزبي، إلا أن القرار لم يطبق فعلاً. وباتت سورية مهيأة لأحداث مجهولة الارهاصات.
تنفيذ الانقلاب الثالث
في 19 كانون الأول/1949، قام العقيد أديب الشيشكلي الذي كان يدعم الزعيم في انقلابه، بالتحرُّك مع مجموعة من الضباط. واعتقلوا سامي الحناوي في دمشق، ليتمّ الانقلاب سلميًا.
قال الشيشكلي أيضًا عبارته الشهيرة:
«نحن جمهوريون، ولا نحتاج لمَلكٍ أبداً… وأنَّ النظام الجمهوري سيستمر على حالهِ.»
وبالفعل، أعاد الشيشكلي الديمقراطية لسورية. وطلب من الرئيس السوري هاشم الأتاسي تأليف حكومة جديدة، شكلها خالد العظم، ومثل بها الجيش بضابط من وزارة الدفاع. وقبل الجيش جميع أعضائها، ولكن بقي يتدخل في أغلب أعمالها.
تنفيذ الانقلاب الرابع
جاء الانقلاب العسكري الرابع عام 1951، بقيادة أديب الشيشكلي، بعد محاولته الجادة في الحفاظ إبان انقلابه الأول على النظام الدستوري قائمًا. ولكنه اضطر إلى تصحيح تجاوزات السياسيين في تلك الفترة وعلى رأسهم حكومة ناظم القدسي وبطانة الرئيس هاشم الأتاسي الذي أجبره على الاستقالة فور قيام الشيشكلي مجدداً بانقلابٍ ثانٍ تصحيحي للديمقراطية أي (الانقلاب الرابع) في الحياة السياسية في سورية.
كان الدافع وراء هذا الانقلاب، هو عدم سماح الشيشكلي لحزب الشعب الذي فاز بأكبر كتلة نيابية في انتخابات 1949 من الحكم بضغط من الجيش وهذا أدى في عام 1950 لحدوث عدة أزمات سياسية وحكومية متتالية بسبب ضعف الائتلافات الحاكمة، فقد كان عهد الرئيس هاشم الأتاسي وحكومة ناظم القدسي يواجه عدم موافقة الجيش على تدابيرها في تلك المرحلة.
وذلك جعل الشيشكلي الذي كان مدعوماً من المملكة العربية السعودية، أن يتوافق معها في ناحية اعتراضهم على اتفاق التعاون المشترك مع العراق الذي كان رئيس الوزارة قد طرحه «كخطوة أولى على طريق اتحاد فيدرالي مع العراق».
هذا الاتفاق قد أدى بعد عودة الشيشكلي من زيارة شملت الرياض والقاهرة، إلى قيامه بانقلاب عسكري في 29 نوفمبر 1951، واعتقل في إثر ذلك جميع أعضاء الحكومة بعد رفض رئيسها معروف الدواليبي تعيين فوزي السلو وهو أحد جنرالات الجيش وزيرًا للدفاع بتزكية من الشيشكلي، ثم أعلن استقالتها.
كان الانقلاب سلميًا، وحاول الرئيس هاشم الأتاسي تشكيل حكومة مدنية جامعة لكنه فشل، فاستقال من منصبه، وعاد إلى حمص، بعد أن وجه خطاب الاستقالة إلى الشعب.
أما مجلس قيادة الجيش، فأعلن توليه مجتمعًا مسؤولية الحكم. وعهد إلى الجنرال فوزي السلو جميع الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، كما حل البرلمان. ومن ثمَّ نظم قادة الانقلاب الانتخابات، التي أفضت بفوز الشيشكلي رئيساً للجمهورية مع دستور جديد وتطبيق نظام الحزب الواحد، الذي استمر لفترة تقارب العامين. وقد كتب أحد الصحفيين السوريين :
«السوريون لم يعودوا يهتموا بالجيش، أو من يحكم البلاد، كل ما يهمهم حاليًا عودة الاستقرار الذي غاب عن السابق».
تنفيذ الانقلاب الخامس
أطاح الانقلاب العسكري في سوريا 1954 بنظام أديب الشيشكلي ونظام الحزب الواحد الذي تزعمه. ويعتبر هذا الانقلاب أنه أنهى حكم العسكر وأعاد السلطة لمدنيين، على غرار (انقلاب سامي الحناوي في 1949)، لتزدهر بعده الفترة المعروفة باسم «ربيع الديموقراطية -1954-1958»، كما أنه الانقلاب الوحيد الذي بدأ من حلب، بعد أن اندلعت عام 1953 الاحتجاجات الطلابية هناك، وشكلت أولى بوادر تزعزع نظام الشيشكلي.
في 25 فبراير 1954، قام الجنرال فيصل الأتاسي مع الفرق العسكرية في حلب باعتقال الجنرال محمد تامر خان القائد العسكري للمنطقة الشمالية، وسيطر الجيش أيضًا على مباني ومؤسسات هامة ومنها إذاعة حلب، التي أذيع منها بيان باسم «إذاعة سوريا الحرة»، يدعو في جميع الفرق العسكرية في الجيش «للالتحاق بالثورة». قبل انتصاف الظهر كانت الوحدات العسكرية في اللاذقية ودير الزور وحمص ودرعا قد انضمّت للانقلاب ولم يبق في حوزة الشيشكلي سوى الفرق العسكرية في دمشق وريفها.
ورغم إمكانية صمود الشيشكلي ودفاعه عن العاصمة، إلا أنه وقف وقفة الأبطال معلناً في مساء 26 فبراير 1954 استقالته حفاظًا على وحدة الجيش السوري، ومنع حدوث حرب أهلية يراق فيها الدم السوري. وغادر دمشق برًا نحو بيروت بغطاء من قادة الانقلاب، ومنها انتقل إلى المنفى في الرياض أولاً ثم البرازيل. وبعد سنوات طويلة أقدم مهاجر سوري على اغتياله وهو في مزرعته ثأراً للطائفة الدرزية، التي أخمد الشيشكلي ثورتها بالطيران والمدافع.
بعد استقالة الشيشكلي، تولّى مأمون الكزبري رئيس مجلس النواب الحكم مؤقتًا، إلا أن أقطاب الحياة السياسية وقادة الانقلاب فسخوا الدستور. وأعادوا العمل بدستور 1950. واعتبروا هاشم الأتاسي رئيسًا حتى نهاية ولايته الدستورية عام 1955.
بعد هذه الفترة الذهبية من الحياة السياسية النشطة في البلاد بين عامي 1954 و 1958، عقدت الوحدة السورية المصرية التي حظيت بدعم من غالبية القوى السياسية والشعب السوري آنذاك، وبموجب استفتاء جرى في شباط من عام 1958، تنازل الرئيس شكري القوتلي عن الرئاسة لصالح جمال عبد الناصر، الذي أصبح رئيساً للجمهورية العربية المتحدة، وكانت سورية إقليمها الشمالي.
غير أن تجربة الوحدة لم تدم طويلاً، ففي أيلول 1961، وقع انقلاب بقيادة عبد الكريم النحلاوي، أعلن بموجبه انفصال سورية عن مصر، وبعد أن تم انتخاب برلمان جديد، اختير ناظم القدسي رئيساً لجمهورية سورية في حكومة الانفصال بين عامي 1961 و 1963.
تنفيذ الانقلاب السادس
أطلق مجازاً اسم انقلاب على انتفاضة لضباط الجيش السوري الساخطين جرت في 28 سبتمبر 1961 ، حيث اعتبر أنه سادس انقلاب عسكري في تاريخ سوريا الحديث، أدى إلى انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة، وتمت من جديد إعادة تأسيس الجمهورية السورية المستقلة.
وقد اختار العقيد عبد الكريم النحلاوي، تاريخ 28 سبتمبر، الساعة الرابعة صباحا، بالتنسيق مع رتل مدرع تحت إمرة وحدات حرس الصحراء بقيادة العقيد حيدر الكزبري، والقوات حامية دمشق وسلاحها الجوي. لدخول دمشق والاستيلاء على مقرات الجيش والإذاعة، وعلى المطار أيضاً، وتم إلقاء القبض على كبار الضباط التابعين للجيش السوري والمشير عبد الحكيم عامر لذي كان مكلفاً بزيارة سورية (الإقليم الشمالي) من قبل رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر.،وو ُضع وزير الداخلية السوري عبد الحميد السراج رهن الإقامة الجبرية.
وكان سبب حدوث الانفصال هو سطوة المصريين على مفاصل الحكم ومراكز القوى العسكرية والموارد الاقتصادية في سورية، خاصة بعد تعطيل الحياة السياسية واغلاق الأحزاب الوطنية فيها. الأمر الذي جعل السوريون يدركون مخاطر مستقبل نظام عبد الناصر الدكتاتوري المستبد.
وهكذا أوكل للسياسيين من الأحزاب السياسية التقليدية مهمة تشكيل حكومة الانفصال. كانت الدولة التي تم استعادتها تعتبر استمراراً للجمهورية السورية. وكانت فترة الحكومة الانفصالية (29 سبتمبر 1961 – 8 مارس 1963)، وقد كانت أول الدول التي اعترفت بعودة الجمهورية السورية هما الأردن وتركيا.
انتخب الدكتور في الاقتصاد ناظم القدسي (وهو من مدينة حلب) رئيساً للبلاد، وأوكلت إلى مأمون الكزبري مهمة تشكيل حكومة جديدة تتألف من السياسيين القدامى للحزب الوطني وحزب الشعب. كانت حكومة النخب السورية التقليدية، ولكنها وعدت بالحفاظ على بعض سياسات عبد الناصر التقدمية والاشتراكية. وقد تم تعيين اللواء عبد الكريم زهر الدين، قائداً عاماً للجيش، على الرغم من عدم مشاركته في التخطيط للانقلاب.
وقد أبقت الجمهورية المستعادة على علم الجمهورية السورية القديمة، الذي تبنته الثورة السورية عام 2011 علماً لها، بعد رفض العلم الذي أُقر استعماله من قبل الانقلاب البعثي الذي انقض على حكومة الانفصال.
من الملاحظ أنَّ مبدأ لَيِّ عنق الديمقرطيِّة بالاشتراكيَّة الذي ورد في اقتباس خطاب “بنْ غوريون” في الكنيست الاسرائيلي 1951 -المنشور أعلاه-، قد بدأ ت مراحل تطبيقه في سورية منذ أيام الوحدة مع مصر (اشتراكية عبد الناصر)، وتَدَحرجَ مثل كتلة الثلج في المشهد السوري.
تنفيذ الانقلاب السابع
حدث في سوريا الانقلاب السابع 8 آذار عام 1963 أو ثورة الثامن من آذار ،كما سمَّاها حزب البعث عندما انقلب على حكومة الانفصال (الرئيس ناظم القدسي والحكومة المنتخبة برئاسة خالد العظم)، مستلهمين تلك الخطة من الانقلاب العسكري الناجح لحزب البعث في العراق في 17 تموز 1968 .
تعاظم استنساخ الحكام الطحالب
خططت اللجنة العسكرية للحزب لتنفيذ هذا الانقلاب دون العودة للقيادة المدنية، إلا أن ميشيل عفلق زعيم الحزب وافق على الانقلاب. وكان من أبرز اللجنة العسكرية الضباط محمد عمران، صلاح جديد،سليمان حداد، حافظ الأسد. وكذلك مؤيديهم من خارج الحزب الضابطين الناصريين راشد القطيني، ومحمد الصوفي، بالإضافة إلى أحد المستقلين وهو زياد الحريري. وبعد نجاح الانقلاب عيّن بشكل مؤقت اللواء لؤي الأتاسي، ثم أعقبه أمين الحافظ، الذي حكم من تموز 1963، وحتى شباط 1966، حين أطاح به انقلاب أفرزته الصراعات داخل قيادة “البعث” التي دفعت بنور الدين الأتاسي، رئيساً للجمهورية.
خلال هذه الفترة توقفت التعددية السياسية، وحُلّت جميع الأحزاب، ما عدا بعض الأحزاب الصغيرة، ذات التوجهات اليسارية والقومية حيث تم احتوائها بما سمي “الجبهة الوطنية التقدمية” فيما بلقد شكّلت مُنعطفًا رسميًا في تاريخ الدولة السورية.
وبدأ صراع بين الناصريين في مجلس قيادة الثورة وحزب البعث، حيث سعى الناصريون إلى إعادة تأسيس الجمهورية العربية المتحدة. وقد حشدَ الناصريون الكثير من الأصوات المؤيدة للاتحاد. لكنَّ حزب البعث عملَ على تعزيز سيطرتهِ على الجيش السوري، وأقدم على طَرْد الآلاف من الناصريين والمحافظين من الجيش، واستبدال مناصبهم من قبل البعثيين.
وكان المنافس التاريخي للقوى البعثية هو جماعة الإخوان المسلمين. وقد واكب ذلك موقف المعارض أكرم الحوراني وأنصاره منَ الحزب الشيوعي السوري. وازدادت الأمور اختلاطا موقف الغالبية العظمى من المسلمين السنة الذين كانوا قوميين عرب، ولم يكونوا بعثيين مما جعلهم يشعرون بالعزل الجماعي.
ظل حزب البعث مسيطراً على السلطة وانضمّ له الكثير من الأقليات مثل العلويين، والإسماعيليون ، والدوز. هذا فضلا عن الريفيين من العامة. ولكن تراجعَت قليلاً سيطرت البعثيين في أعقاب احتجاجات حماة 1964 وغيرها من المدن. وهذا أسفر عن فوز جديد للبعثيين «المتطرفين» لفترة لم تدم طويلاً. وتسببت ذلك في نشوب صراع على السلطة بين البعثيين المعتدلين الذينَ سيطروا على القيادة القومية لحزب البعث، والبعثيين المتطرفين الذين سيطروا على القيادة القطرية. الأوالتي أدت إلى الانقلاب العسكري (الثامن) الذي حصلَ عام 1966.
تنفيذ الانقلاب الثامن
نتيجة الضرب بيد من حديد على مظاهرات بعض المدن السورية عام 1964، تفاقم الخلاف بين المتصارعين على السلطة داخل اللجنة العسكرية محمد عمران وصلاح جديد حول الأسلوب في قمع المظاهرات، مما أدى إلى الانقسام الأول داخل اللجنة العسكرية ، الذي تدحرج ككرة الثلج وحسم الأحداث اللاحقة.
في هذه المرحلة بالذات؛ دعمَ حافظ الأسد ممارسة العنف والقمع ضدّ مثيري الشغب،أي أنّه انحازَ لصالح صلاح الجديد مما تسبب في سقوط عمران، ومن ثمَّ أعدَّت اللجنة العسكرية خطة محكمة سريَّة للاستيلاء على حزب البعث بالكامل. لكنّ ميشيل عفلق أمين عام القيادة الوطنية كان قد طلب إجراء تبديل في قيادات الحزب ردًا على كل ما حصل، ولكن اضطرّ في وقتٍ لاحق إلى سحب طلبه تفادياً لارتفاع وتيرة الاحتجاجات.
ولما كشف اللواء عمران بعض المعلومات حول القيادة الوطنية للشعب، قامت اللجنة العسكرية بفصله، مما زاد الصراع بين الفرقاء مجدداً. واستمرت اللجنة العسكرية في محاولاتها المُتكررة من أجل الإطباق الكامل على مفاصل حزب البعث، لكنَّ الفشل كان حليف القيادة الوطنية التي احتجت على اللجنة متهمة إياها محاولة السيطرة على كامل البلاد. وفي النهاية نجحت اللجنة العسكرية فعليا في تحقيق مآربها بعد أنْ عقدت العديد من التحالفات مع مجموعة من الأحزاب المُختلفة.
وفي خضم تلك الإرهاصات المضطربة، تسلل ضابط مرسوم مسبقاً من قبل بعض أجهزة المخابرات الدولية، منتهزاً فرصتين:
الفرصة الأولى: إصدار البلاغ 66 في حرب حزيران 1967 الذي أدى إلى تسليم الجولان للعدو الإسرائيلي دون مجابهة عسكرية،
الفرصة الثانية: الانقضاض على زملائه الضباط عام 1970، حيث تمَّ سجنهم خلال ساعات على حين غرة، منهياً بذلك تلك الإرهاصات ومستبيحاً حكم البلاد وتوريثها لأسرته من بعده.
تنفيذ الانقلاب التاسع
كانت أحداث أيلول الأسود، من أهم الخلافات شركاء الانقلاب الثامن في سورية صلاح جديد (الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي) وحافظ الأسد (وزير الدفاع)، حيث وصلت إلى ذروتها عندما رفض حافظ الأسد المساندة الجوية للقوات السورية التي تدخلت في الأردن لصالح منظمة التحرير الفلسطينية في حربها مع المملكة الأردنية (أحداث أيلول الأسود)، ما أدى لفشل مهمة القوات السورية، فدعا صلاح جديد إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية في 30 تشرين الأول لمحاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد، و أصدر المؤتمر قراره الشهير بضرورة إعفاء حافظ الأسد من منصب وزير الدفاع، فسارع حافظ الأسد بأوامره للجيش باحتلال كافة فروع الحزب والوزراء البعثيين. وقد ساعده بتنفيذ تلك المهمة اللواء مصطفى طلاس – رئيس الأركان – ورفعت الأسد – شقيق حافظ – الذي كان يرأس قوى الأمن.
وهكذا تمَّ اعتقال صلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي “السني” في 13/10/1970م، وفر كثيرون من ذوي المناصب العليا إلى لبنان تفادياً للاعتقال. ولقي العديد من الرفاق المناضلين أشباه حافظ الأسد من البعثيين -المدنيين والعسكريين- المعارضين له نفس المصير .
وعين أحمد الحسن الخطيب”السني” رئيسًا للجمهورية مؤقتًا، ثم جرى استفتاء شعبي شكلي -وليس انتخاباً- في 22 آذار/ مارس 1971 على قائد الانقلاب التاسع، الذي سماه الأسد زوراً ( الحركة التصحيحية).
نشرت نتيجة الاستفتاء في وسائل الإعلام الرسميَّة أنَّ المشاركة الشعبية بلغت 95% وفوز حافظ الأسد (بأكثرية ساحقة 99.2%). وبعدها تمَّ تعديل الدستور بتمديد فترة الرئاسة من أربع سنوات إلى سبع سنوات. وجاءت الاستفتاءات اللاحقة في الأعوام 1978 و1985 و1992 و1999 بنتائج مشابهة مترافقة بشعار “الأسد للأبد”.
قام الأسد بتعيين لجنة لصياغة دستور جديد على مقاسه في عام 1973م، حيث أُقِرَّ في 12 آذار من نفس العام بعد إستفتاءٍ شعبي على شاكلة استفتاء تسلمه السلطة لعام 1971م.
نصّ الدستور على:
أن يكون رئيس الجمهوريَّة “عربيًا سوريًا”.
تمَّ تنصيب حزب البعث قائداً وحيداً للدولة والمجتمع.
يتم ترشيح رئيس الجمهورية من قبل القيادة القطرية لحزب البعث عن طريق مجلس الشعب للاستفتاء دون وجود أي مرشح آخر.
منح الدستور صلاحيات شبه مطلقة:
هو رئيس للسلطة التنفيذيّة.
وله سلطة إصدار التشريع منفردًا أو حجب تمرير تشريع أقره البرلمان.
ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والمعيّن للمحكمة الدستورية العليا.
والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة،
وله صلاحيات أخرى مثل:
تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين.
استفتاء الشعب في قضايا تُعد مقررة حتى لو كانت مخالفة للدستور.
فضلاً عن كونه منتخبا لمدة سبع سنوات مفتوحة الإعادة والتكرار.
كما عدّ الدستور الاقتصاد السوري اشتراكياً يقوم على القطاع العام بشكل أساسي.
ورغم أنَّ الدستور جاء على اقرار قوانين للحريات والحقوق، لكنها كانت شكليَّة وبقيت معطلة لا يعمل بها.
ومن أسباب تعطيل تلك القوانين المتعلقة بالحريات العامة والحقوق المجتمعية هو سنّ بعض القوانين -بعثية الهوية – لأنها فوق دستورية ومنها:
قانون الطوارئ لعام 1963 والذي يحظر التظاهر ويتيح الاعتقال التعسفي والتنصت رغم أنها جميعًا حقوق دستورية، ومنع التجمع لأكثر من ثلاثة أفراد إلا بترخيص أمني يبرر ذلك.
قانون حماية الثورة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 1965.
قانون المحاكمات العسكرية رقم 109 لعام 1968، والذي شرّع تقديم المدنيين للمحاكمات العسكرية.
قانون إحداث محاكم أمن الدولة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968. وغيرها من المحاكم الاستثنائية.
قانون إعدام كل منتسب أو ينتسب لجماعة الإخوان المسلمين رقم 49 لعام 1980 على خلفية أحداث الثمانينات.
ولم يخضع هذا الدستور خلال 39 عاماً سوى تعديلين:
التعديل الأول عام 1981م لتغيير العلم.
التعديل الثاني عام 2000م بعد وفاة حافظ الأسد تم إحداث، تمَّ تعديل سنّ رئيس الجمهورية من 40 سنة إلى 34 سنة، كي يتيح لوريث أبيه”بشار الأسد” استلام السلطة.
الخاتمة:
من سياق ما تمَّ تلخيصه أعلاه، نستطيع استخلاص الإجابة على سؤال يطرحه البعض من الذين لا يتقنون علم السياسة:
لماذا قامت ثورة الشعب السوري في 13 آذآر 2011 ومازالت مستمرة إلى اليوم؟
وما الذي يطمح إليه السوريون بعد أن توالى على رئاسة سورية 29 رئيساً خلال 82 عاماً، منها 43 عاماً لعائلة الأسد؟
وهم:
محمد علي العابد من 1932 إلى 1936
هاشم الأتاسي (المرة الأولى) من 1936 إلى 1939
ناصوحي سالم البخاري (لأشهر معدودة في 1939)
بهاء الدين الخطيب من 1939 إلى 1941، (رئيس مجلس المفوضين الاحتلال الفرنسي)
خالد العظم (لأشهر معدودة في 1941)
الشيخ تاج الدين الحسني أو (الحسيني) من 1941 الى 1943
جميل الألوسي (لأشهر معدودة في 1943)
عطا الأيوبي (لأشهر معدودة في 1943)
شكري القوتلي (المرة الأولى) من 1943 إلى 1949
حسني الزعيم بانقلاب عسكري في 1949
محمد سامي حلمي الحناوي بانقلاب عسكري في 1949
هاشم الأتاسي من 1949 إلى 1951
أديب الشيشكلي (المرة الأولى)، يوم واحد في 1951
فوزي السلو من 1951 إلى 1953
أديب الشيشكلي (للمرة الثانية) من 1953 الى 1954
مأمون الكزبري (المرة الأولى)، ثلاثة أيام انتقالية في 1954
هاشم الأتاسي من 1954 إلى 1956
شكري القوتلي من 1955 إلى 1958
جمال عبد الناصر من 1958 إلى 1961
مأمون الكزبري (المرة الثانية، ولمدة أشهر معدودة في 1961)
عزت أنوس (لأشهر معدودة في 1961)
ناظم القدسي من 1961 الى 1963 انتهت بانقلاب وتسلم حزب البعث السلطة
لؤي الأتاسي (لأشهر معدودة في 1963)
محمد أمين الحافظ من 1963 إلى 1966
نور الدين الأتاسي من 1966 إلى 1970 انتهى بانقلاب (الحركة التصحيحية)
أحمد الحسن الخطيب من 1970 الى 1971
حافظ الأسد من 1971 الى 2000
عبد الحليم خدام (رئيساً لمدة أسبوع بالوكالة)
بشار حافظ الأسد من 2000 الى اليوم.
المصدر: مآلات