حلب لم تسقط بل سقط المتخاذلون ممن ادعوا صداقة الشعب السوري، وسقطت الإنسانية وقيم الحرية التي يتغنى بها الغرب والعالم المتحضر عندما شاهدوا بأم أعينهم همجية مغول العصر من قوات روسية وميليشيات إيرانية وفلول قوات النظام والشبيحة يدمرون حاضرة الشرق بأعتى أنواع الأسلحة الفتاكة من طيران ومدفعية وصواريخ ارتجاجية وقنابل عنقودية وفوسفورية وغاز الكلور، انتقاماً من المدينة التي انتفضت في وجه عصابة الأسد وتمردت على الظلم والجور ملتحقة بأخواتها من المحافظات الثائرة رافضة عيش الذل والعبودية، بعد أن أطبقوا عليها الحصار ومنعوا عن أهلها الغذاء والدواء والماء والكهرباء، في حالة مشابهة بل مطابقة تماماً لما يفعله الكيان الصهيوني الآن بشعب غزة.
لم يكن يوم الثاني والعشرين من شهر كانون الأول من عام 2016، حين غادرت آخر حافلة خضراء المدينة، بما تحمله معها من آهات وآلام وقهر تعجز عن حمله الجبال الراسيات، هو يوم السقوط الحقيقي لأحياء المدينة الشرقية، التي صمد أحرارها في وجه الغزاة مدافعين عنها بكل بسالة وإقدام راسمين أروع لوحات البطولة والتضحية والفداء، ورغم الحصار والدمار والفارق الكبير في موازين القوة ما كانت حلب لتسقط لولا خذلان الصديق والقريب وتفاهمات إقليمية ودولية بيعت فيها الشهباء الغالية بمزادات رخيصة دفعت كل سوريا ثمناً باهضاً لها.
بدأت الفاجعة ولحظة السقوط في الخامس عشر من شهر آذار عام 2013 حين تمكن رتل دبيب النمل المدجج بأحدث أنواع الأسلحة الثقيلة بقيادة العقيد في جيش النظام سهيل الحسن وغطاء جوي يحرق أمامه الأخضر واليابس، من الوصول إلى معامل الدفاع ومركز البحوث العلمية بالقرب من مدينة السفيرة جنوب شرقي حلب، شاقاً طريقه إلى مطار النيرب العسكري ومطار حلب الدولي، وصولاً إلى تجمع الكليات العسكرية في الراموسة، كاسراً الطوق الذي فرضه أبطال الجيش الحر على قوات النظام في المدينة التي كانت محاصرة تماماً بعد أن تم قطع طريق خناصر الذي كان يعتبر الشريان الحيوي لقوات النظام، والسيطرة على الحواجز الممتدة من مطار حلب إلى الراموسة (حاجز المنارة وحاجز الكازية وحاجز البقر)، بعد معركتي تحرير حي الشيخ سعيد واللواء 80، في شهر شباط من العام نفسه، وكان قد سبق ذلك بأشهر قطع الطريق الدولي حلب – دمشق M5 على النظام بشكل كامل.
لم يكن وصول الرتل سهلاً فقد استغرق عدة أشهر، وعلى الرغم من ضعف الإمكانيات العسكرية والمادية واللوجستية خاضت مجموعات الثوار من أبناء المنطقة معارك ضارية في مواجهته كبدته فيها خسائر كبيرة، وارتقى من أبنائها الكثير من الشهداء، في حين كانت الجماعات الإسلاموية متمثلة بجبهة النصرة التي لم يكن قد انفصل عنها تنظيم داعش، ترابط على معامل الدفاع والبحوث العلمية، لكن في حقيقة الأمر كانت تحرسها وتمنع أي عمل عسكري لفصائل الجيش الحر عليها، وكانت تنسحب أمام الرتل دون مقاومة تاركة مجموعات الجيش الحر من أبناء المنطقة وحيدين في مواجهة الرتل دون أي مؤازرة أو إمداد بالسلاح الثقيل ومضادات الدروع التي يملكونها.
رغم التحذيرات الكثيرة التي أطلقناها والشهيد عبد القادر الصالح والعقيد عبد السلام حميدي ابن مدينة السفيرة حين ذهابنا إليها لتفقدها بعد أن أصبحت خط جبهة أمامياً، بأن سقوط مدينة السفيرة سيكون بداية لسقوط حلب، إلا أن تحذيراتنا لم تجد صدى عند قادة الفصائل المنشغلين حينها بتقوية مناطق سيطرتهم ونفوذهم خوفاً من غدر جبهة النصرة من جهة، وخوضهم معارك استنزاف مع قوات النظام على جبهات الأحياء المحررة من المدينة من جهة أخرى، ولم يدركوا أهمية الحفاظ على طريق حلب دمشق الذي يمر عبر بلدات خناصر وأثريا وقرى البادية السورية.
خاض الثوار معارك كر وفر كثيرة في قرى ريف حلب الجنوبي -الذي كان مهملاً من قبل جميع الفصائل رغم أهميته الكبيرة- استهدفت قوات النظام على الطريق الحيوي وتحرير مواقع عسكرية مهمة لقوات النظام كان أهمها مدينة خناصر الاستراتيجية وكتيبتها الصاروخية المتمركزة في أعلى الجبل، وكتيبة المنطار وكتيبة عزان وجميعها كتائب دفاع جوي، إلا أن النظام تمكن من استعادتها في أكثر من مرة، إلى أن كانت الضربة الموجعة والقاصمة التي تلقاها الثوار والثورة السورية وكانت بداية الانتكاسة والتراجعات، حين سقطت مدينة السفيرة في الثلاثين من شهر تشرين الأول عام 2013.
حينها شعرت الفصائل بالخطر المحدق بالمدينة فاستنفرت القوات والمؤازرات ولكن كان قد سبق السيف العزل، وانهارت الخطوط الدفاعية بعد أن استبسل أبناء المنطقة بالدفاع عنها رغم غدر تنظيم الدولة (داعش) وجبهة النصرة، والخذلان الكبير من أغلب فصائل الجيش الحر في مؤازرتهم.
تقدمت قوات النظام بقيادة العقيد سهيل الحسن الملقب بالنمر تحت غطاء جوي ومدفعي وصاروخي عنيف جداً بشكل سريع بعد سقوط مدينة السفيرة، باتجاه أطراف مدينة حلب وسيطرت على بلدات تل عرن وتل حاصل وتيارة ودويرينة ومحطة السكك الحديدية والمحالج التي كانت جميعها تحت سيطرة تنظيم داعش، دون أي مقاومة وكأنها عملية استلام وتسليم، وتمكنت من السيطرة على الإسكان العسكري وشركة أرامكو وسوق الغنم والمواصلات، وقطع طريق حلب الباب القديم بعد أن تسللت إلى مواقع الفصائل الثورية في تلة الشيخ يوسف وقتلت مجموعة من قادة ومقاتلي لواء التوحيد فيها واستولت على السلاح وأجهزة الاتصال التي كانت بحوزتهم.
في تلك الأثناء كانت تلوح بالأفق بوادر حرب مؤجلة مع تنظيم داعش حرصاً على عدم انهيار الجبهات مع النظام، فمنذ شهر أيلول عام 2013 بدأت إرهاصات تلك المعركة تظهر من خلال خطف واغتيال التنظيم لقادة من الجيش الحر وملاحقتهم والتضييق عليهم في مواقع رباطهم على الجبهات، ليصل الأمر حد إعلان الحرب على لواء عاصفة الشمال، وبعد معارك ضارية جداً دارت بين الطرفين استشهد فيها الكثير من عناصر اللواء وقادته، تفكك على إثرها اللواء بشكل شبه تام، وتمكنت داعش من السيطرة على مدينة اعزاز وهي المعقل الرئيسي لعاصفة الشمال.
في أثناء تقدم رتل دبيب النمل باتجاه خناصر والسفيرة في شهر تشرين الأول / أكتوبر من العام نفسه، لم يكتفِ التنظيم بالغدر بفصائل الجيش الحر التي تتصدى للرتل، بل قام بخلط الأوراق وإرباك الساحة مرة أخرى بالهجوم على لواء شهداء بدر- النواة الرئيسية للفرقة 16- والذي كان يرابط على جبهات الأشرفية والشيخ مقصود والخالدية والسكن الشبابي في مواجهة قوات النظام وميليشيا تنظيم “وحدات حماية الشعب / حزب العمال الكردستاني” المتحالفة مع النظام، إلا أن اللواء صمد في مواجهة التنظيم وكبده خسائر كبيرة، ودحره عن المنطقة رغم وقوف أغلب الفصائل متفرجة ومنها من كان شامتاً يتمنى أن تقضي داعش على اللواء، وخاصة بعض قادة لواء التوحيد الذين وقفوا أيضاً متفرجين على بغي التنظيم على لواء عاصفة الشمال، مانعين قادة المجموعات العسكرية من مؤازرة لواء العاصفة بذريعة أنهم لا يقاتلون مسلمين، فكان رد الجميل من قبل التنظيم على تورعهم في قتاله سريعاً، إذ هاجم مجموعات لواء التوحيد في مدينة الباب وفتك بهم وسيطر على المدينة مرتكباً أفظع المجازر بمقاتلي اللواء والمدنيين، دون أن يقدم لهم القادة الورعين أي مؤازرة.
في الجزء الثاني تفاصيل معارك الريف الشمالي مع قوات النظام وتنظيم داعش وكيف أباد أحرار المنطقة رتل دبيب النمل في بلدة رتيان وغيرها من الوقائع التي شكلت نقاط تحول كبيرة في مسار الحدث.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا
لم تسقط حلب بل سقط المتخاذلون ممن ادعوا صداقة الشعب السوري، وسقطت الإنسانية وقيم الحرية التي يتغنى بها الغرب والعالم المتحضر ، لأنهم أغمضوا أعينهم وسكتوا عن جرائم طاغية الشام وقوى الاحتلال والغزو نظام ملالي طهران وازرعته الطائفية الارهابية وروسيا.بوتين بحق شعبنا بحلب ، قراءة موضوعية لسقوط حلب .