قراءة في رواية : أحاسيس في المنفى

أحمد العربي

اسمى الزهار روائية جزائرية واعدة… روايتها احاسيس في المنفى هي العمل الأدبي الأول الذي اقرؤه لها …تعتمد الرواية في سردها على لسان الراوي الذي يرصد حياة دلال الفتاة الجزائرية الثرية جدا. الوحيدة لعائلتها. عائلتها المكونة من والدها ووالدتها وهي فقط. تبلغ من العمر ثلاثين عاما، وهي بمثابة رئيسة تنفيذية لشركات ابوها التاجر الكبير…

تعيش دلال في عالمين، الاول واقعي والآخر نفسي. فما تعيشه امام الاخرين يظهر دلال الفتاة المتمكنة من نفسها، التي تعرف كيف تدير الشركة و التفاوض مع الشركاء الآخرين، وتكون ناجحة وتحصّل الافضل في كل العقود. تلبس اجمل الملابس من ماركات عالمية باهظة الثمن، هذا غير الساعات والحلي وأدوات التجميل .  تتعامل مع الخدم في قصرهم الكبير بفوقية وتعالي وتقسو عليهم عند كل صغيرة وكبيرة كل الوقت. والدها جبار متسلط مشغول دائما بصفقاته، يعتمد معها ومع المحيط به من العاملين معه لغة الأوامر دائما. دلال ابنته في عمله هي مجرد كادر يقوم بالمطلوب منه في أفضل حال، لا تتلكأ ، هي دائما تحت الطلب. أما والدتها، فهي انسان ضعيف ضحية تسلط والدها وعنفه اللفظي دائما. تحس بالغبن والظلم منه ومن الحياة أيضا. ترى بدلال بقعة النور المضيئة في حياتها. تتقرب من ابنتها دائما وتجد بها تعويضا عن مظلومية عاشتها، كما أغلب النساء في مجتمع ذكوري مهيمن دون وجه حق من اعراف ودين وقيم. هو المجتمع المتخلف يعطي للرجل الذكر حق ظلم المرأة في كل صغيرة وكبيرة…

أما ما تعيشه دلال في عالمها النفسي الداخلي فهو احساس في الغبن والظلم من جراء معاملة والدها لها. فهي مجرد أداة تعمل بكل امكانياتها ضمن مؤسسته امبراطوريته المالية. ليس لها إلا الطاعة والتنفيذ. وقتها كله لتتابع ما يطلبه منها والدها. وهي لذلك تفقد إحساسها الذاتي بأنوثتها وحقها أن تعيش مشاعرها كامرأة وان تجد من يحبها وتحبه. وان تصنع أسرة وتنجب اطفالا. الأمومة حاجة تعيش التعطش لها. لقد رفض والدها الكثير ممن حاولوا خطبتها. لكونهم لا يملكون ثروة. زواجها عند والدها صفقة يجب ان تزيد ثروته وممتلكاته. لقد وصلت الى سن الثلاثين ومازال يرفض أي متقدم لها للزواج. كما تدرك دلال مظلومية والدتها. وتدرك أن والدها يسير في طريق يجعله وتجعلها معه عبيد لعملهم التجاري. يستهلكهم ويمنع عنهم التمتع بالحياة بكل ما فيها من خيرات.…

كما تكشّف لدلال أن والدها منقطع عن أي تفاعل اجتماعي لا يحقق له مصلحة مباشرة. فقد امتنع عن الذهاب للمشاركة في عزاء صديق عمره الذي توفي حديثا. كما اكتشفت دلال ان والدها متهم بقتل صديق آخر له بينهما علاقات تجارية. وتبين بعد حين انه فعلا هو من دفع أحد العاملين معه لدس السم له وقتله…

تحاول دلال التعويض عن حاجتها النفسية بالذهاب الى نادي الفروسية وركوب الخيل. وكذلك بشراء الاغراض الثمينة بكثافة و بالسفر إلى خارج الجزائر في رحلات استجمام او عمل. وفي إحداها كانت المطبات الهوائية قاسية خافت دلال كثيرا، وعند النزول من الطائرة تعثرت بالطيار الذي لفتت نظره واهتم بها. وجمتهم الأقدار في أكثر من فرصة. وأصبح يوحي لها بأنه يودها. وهي كانت نافرة منه ظاهرا. ومتقبلة له باطنا. فهي بأمس الحاجة للحب. لكنها تعرف أن والدها سيقف حجر عثرة امام مشاعرها و ما تتمنى. كانت تهرب للخيال والنوم والبكاء…

وصل الطيار أخيرا الى عنوانها. وطلبها خطيبة من والدها. وبالطبع رفض ابوها الخطيب دون أن يسألها. كما أحضر لها خطيبا وهو احد التجار الكبار من الذين يعمل معهم. يكبرها بعقود. هو في عقده الثامن وهي في عقدها الثالث. بالطبع قبل الأب وفرض على دلال القبول، وهي انصاعت. كان الخطيب الكهل دبلوماسيا محنكا أشبع حاجة دلال النفسية للحب والاهتمام وحتى حبها للثروة والمال. عوضها عن والدها الذي لم يحترم مشاعرها و يعاملها بحب وحنان يوما. قبلت بالخطيب الكهل وكأنه هروب من ظرفها الاجتماعي لعلها تعوض مع هذا الزوج الكهل الثري المتفهم المحب اللبق الذي شجعها على الكتابة وعلى تنمية اهتماماتها الأدبية وحدّد موعد الزواج…

لكن متغيرا حصل غير كل شيء، فقد ذهبت دلال الى بيت خطيبها لمتابعة امور الزواج. واكتشفت انه يهودي الدين حيث وجدته معتكفا في غرفته يتعبد حسب الطقوس اليهودية. و اكتشفت ان الطيار الذي تقدم لها ايضا انه ابن خطيبها الكهل. وهكذا وجدت نفسها في حالة ضياع عاطفي. وزاد الأمر سوء هو اعتقال والدها بعد ان اعترف احد العمال عنده أنه دس السم لصديق والدها بناء على اوامره مما أدى لوفاته. وهكذا أصبح والدها في السجن…

تنتهي الرواية باعتقال الوالد وسجنه واكتشاف الخطيب وابنه الطيار انهم يهود…

لم ينتهي الأمل في نفس دلال فها هي تعمل لتكتب ما عندها من قصص واشعار وتنشرها. وها هو عمها يساعدهم ويدير معها املاكهم. اضافة لوجود ابنة عمها المجايلة لها بالعمر يعيشون حياتهم المشتركة وإمامهم احلام يجب ان تتحقق…

بالتعقيب على الرواية اقول:

اننا امام رواية اجتماعية و نسوية بامتياز. فهي تدخل في صلب الحياة وضرورة التوازن في كل حاجات النفس حب وأسرة وأطفال، وأن يكون الإنسان متوازنا في ملاحقة سبل العيش فلا يكون على حساب ظلم النفس والاخرين. وان استباحة حقوق وملكيات وحياة الآخرين. مرفوض بالشرع والقانون والدين. كذلك عند الإنسان ذي العقل القويم والراجح. وأن المخطئ يحاسب ولو بعد حين. وإن لم يكن في الدنيا فهو محاسب في الآخرة عند رب عادل…

كما عاينت الرواية واقع المظلومية التي تعيشها اغلب النساء في بلاد العرب والمسلمين. رغم أننا ننتمي للإسلام الذي حض على إنصاف المرأة وإعطائها حقوقها كاملة. المشكلة بالتخلف وهيمنة العقلية الذكورية. والحل أن تنشأ مؤسسة العائلة المتكافئة وأن الذكر والأنثى هما المكون الإنساني للوجود عليهما بناء الحياة وبهما تعمر الدنيا وتتحقق السعادة والهناء…

مطاوب الكثير لاسترداد المرأة حقوقها. حققت الكثير وما زال المطلوب كثير…

تمر الرواية عرضاً على مشكلة فلسطين واحتلال الصهاينة لها. كما أوضحت كيف يكون في بعض البلاد العربية بعض اليهود متخفين بصفتهم مسلمين لحسابات لهم . هذا موضوع مهم يجب ان يسلط عليه الضوء…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رواية “أحاسيس في المنفى” للروائية الجزائرية “اسمى الزهار” قراءة جميلة وتعقيب موضوعي للكاتب “احمد العربي” الرواية تنقل إحساس الفتاة الجزائرية التي تدير شركة والدها وتمارس الإدارة بطريقة ناجحة ولكن إحساسها بالغبن نتيجة نظرة والدها لها، لتكون رواية اجتماعية و نسوية بامتياز. فهي تدخل في صلب الحياة وضرورة التوازن في كل حاجات النفس حب وأسرة وأطفال،

زر الذهاب إلى الأعلى