كما كان متوقعاً منذ أيام، فقد وقّع الرئيس الأمريكي على حزمة قرارات من أكثر من 3400 صفحة، ومن ضمنها 25 صفحة متعلقة بقانون حماية المدنيين السوريين (قانون «قيصر») يتركز القانون من وجهة نظر المُشرع الأمريكي على خمسة محاور رئيسية:
1 تقييم دور البنك المركزي السوري في عمليات غسيل الأموال.
2 – توسيع الحظر على قطاعات التكنولوجيا والبترول ومعدات الطيران والمعاملات مع الحكومة السورية، لمنع استخدام هذه الموارد لاستهداف المدنيين.
3 – حماية حقوق المدنيين السوريين، بمنع عمليات الاستيلاء وإعادة البناء على ممتلكات المهجّرين.
4 – دعم عمل المنظمات الحقوقية العاملة على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
5 زيادة الرقابة على العمليات الإنسانية داخل سوريا، في ضوء تواتر التقارير عن حرف المساعدات الإغاثية عن الوصول لمستحقيها.
تختلف التقييمات حول هذه البنود، وقدرتها على إنهاء الحرب وتحقيق انتقال سياسي في سوريا، حيث تتفق معظم الدراسات الأكاديمية على أن العقوبات الأمريكية عبر التاريخ حققت أهدافها المعلنة في أقل من ثلث الحالات، لكن مما لا شك فيه أن أكثر هذه البنود وقعاً، وأطولها أمداً على المواطن السوري، سيكون وضع البنك المركزي السوري. تاريخياً، مولت الحكومات حروبها عن طريق البنوك الحكومية، كما نشط في ظروف الصراعات اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي، الذي لا يتبع أي نوع من القوانين، ورغم قساوته على المواطنين، إلا أن اقتصاد الحرب في حد ذاته ينظر إليه، ضمن الأعراف الدولية، على أنه جزء متوقع من منظومة الحرب، ما لم يتم إثبات دعمه لانتهاكات حقوق الإنسان، وانتهاك القوانين الدولية. تنشط أيضاً في هذه الظروف عمليات غسيل الأموال من تجار الحروب عن طريق نشاطات مشبوهة، أو عن طريق بعض البنوك الخاصة، قلما نرى عقوبات اقتصاديه أممية، على الرغم من أنها الأكثر تأثيراً، تستهدف أمراء اقتصاد الحرب، بسبب صعوبة ضبط هذه العمليات، بينما قد تشارك دول متعددة، كما في حرب البوسنة، بفرض حظر اقتصادي محدود على جميع البنوك، لوقف شراء الأسلحة بهدف إيقاف آلة الحرب ودفع العملية السياسية. لا يشمل هذا النوع من الحظر عادة باقي أنواع التداولات المالية غير العسكرية.
في الفقرة الثانية من «قانون قيصر» يطالب المُشرع من وزاره الخزانة الأمريكية العمل على تقييم علني خلال 6 أشهر عن دور البنك المركزي السوري في عمليات غسيل الأموال. ففي حال إثبات هذه العمليات، ستضطر الإدارة الأمريكية، بموجب القانون، إلى اتخاذ موقف علني أكثر تشدداً من موقفها الحالي، ما سينعكس حتماً على حركة النقد العام في سوريا على المدى المتوسط، حيث سيكون جميع جهاز البنك المركزي ضمن دائرة الاتهام. كما سيؤثر تورط البنك المركزي السوري على قدرة ورغبة الجهات الدولية في التعامل أساساً مع البنك.
تتوافق الدراسات الأكاديمية على محدودية فعالية العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية في تحقيق أهدافها في تغيير سلوك الحكومات المستهدفة بالحظر، إذ تظهر الدراسات أن العقوبات الأممية تبطئ الناتج القومي للدول المستهدفة بمعدل 2 في المئة سنويا، ويستمر أثرها لعشر سنوات، بينما تؤثر العقوبات الأمريكية المنفردة على الناتج القومي بأقل من نصف في المئة سنوياً، ويستمر أثرها أقل من سبع سنوات، حيث تنجح الحكومات المستهدفة في إيجاد طرق بديلة علنية أو سرية، لتجاوز هذه العقوبات، ولكن حتى ذلك الوقت ينشط اقتصاد الحرب والاقتصاد الموازي، ما يعزز سيطرة أمراء اقتصاد الحرب على المجتمع، ويُمكنهم من تحويل الحظر الاقتصادي إلى ضغوط على المواطن، الذي يعاني أصلا من وقع الحرب. تتوافق هذه الخلاصة مع الدراسات السياسية على أن العقوبات الأمريكية وحيدة قد فشلت تاريخياً في أكثر من ثلثي الحالات، في تحقيق أهدافها السياسية المعلنة لتغيير سلوك الحكومات المستهدفة، أو لتحقيق انتقال للسلطة.
على الرغم من ذلك تعمل إدارات حكومية مختلفة في الولايات المتحدة، بشكل مستمر على وضع ضوابط لفرض مستويات مختلفة من الحظر على الشخصيات والمؤسسات المنغمسة في ملفات محددة، كانتهاكات حقوق الإنسان والإرهاب وغسيل الأموال وتهريب المخدرات حول العالم، لكن يعتمد مدى تطبيق هذا الحظر على تقييم الرئيس للمصلحة العليا للولايات المتحدة، تماماً كما تم تضمينه أيضاً في «قانون قيصر» مع فارق أن المشرعين هنا طالبوا البيت الأبيض بتوضيحات دورية علنية ما يزيد الضغط على الدبلوماسية الأمريكية ويضيق حدود مناوراتها.
ماذا عن المواطن السوري؟
لا بد من التذكير أولاً أن التعليمات التنفيذية لـ»قانون قيصر» لم تطبق بعد، وأن سوريا واقعة أساساً ضمن سلسلة من قوانين العقوبات الأمريكية منذ عام 2004. تتعلق هذه العقوبات بملفات حقوق الإنسان وملفات العراق ولبنان. شملت هذه العقوبات لاحقاً قطاعات كالنفط، كما شملت عام 2006 البنك التجاري السوري بدعوى غسيل الأموال، ومع نهاية عام 2010، كان على قائمة العقوبات الأمريكية حوالي 20 شخصية سورية.
من ناحية التعاملات الاقتصادية حسب «قانون قيصر»، فإن الشركاء التجاريين للحكومة السورية سيُمنعون من الحصول على الفيزا الأمريكية، وسيتم الحجز الاحتياطي على ممتلكاتهم في الولايات المتحدة، ما سيؤثر بشكل رئيسي على الشركات المتعددة الجنسيات. قبل بضعة أشهر أعلنت الموازنة العامة السورية لعام 2020 بانكماش قُدر بـ 30 في المئة مقارنة مع عام 2019. كما خفض بند الدعم الاجتماعي بنسبة 50 في المئة عن عام 2019، وغاب الوضوح في ما يتعلق بتحديد الموارد لضبط ارتفاع الأسعار، ما سيزيد الضغط على المواطن الذي يعاني أصلا من تبعات اقتصاد الحرب، واقتصاد أمراء الحرب داخل وخارج سوريا. تعكس هذه الموازنة بوضوح حالة الاقتصاد السوري والآثار المتوقعة على المواطن الُمنهك حتى بدون أي عقوبات جديدة.
قد لا ينتهي الجدل إن كان «قانون قيصر» قادراً على فرض تغييرات إيجابية لرفع ضغط اقتصاد الحرب عن المواطن السوري، أو أنه سيعيد تجربة العقوبات في العراق، لكنه يضع مسؤولية تاريخية على مجموعات الضغط السورية الأمريكية الداعمة للقانون، حيث إن حماية المواطن السوري وخلق مستقبل وطني أفضل له يجب أن يبقى محور أي تحرك سياسي ومقياس نجاح أو فشل هذا التحرك.
المصدر: القدس العربي