أثار مجلس الشعب (البرلمان) السوري، كثيرا من الجدل بعد أن أقر، مؤخرا، مشروع قانون يتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، حيث اعتبره بعض المحللين أنه يستهدف عشرات آلاف، وربما مئات آلاف الممتلكات، من أراض ومبان ومصالح تجارية وصناعية تعود ملكيتها لمعارضي نظام بشار الأسد.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية التابعة للنظام “سانا”، قد ذكرت الخميس، أن البرلمان قد أقر “بالأكثرية مشروع القانون المتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، وأصبح قانوناً، وتتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، وتكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي”.
وبحسب الوكالة، فإن رئيس الوزراء السوري يتحكم “بملكية الأموال المصادرة بحيث يمكنه نقلها إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري دون مقابل بناء على طلب الوزير المختص، دون أن يترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل (لم يحدد) يؤول إلى الخزينة العامة في حال نقل الملكية إلى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي”.
وفي هذا الصدد، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في تصريحات لموقع “الحرة”: “القانون الجديد يشمل من صدر بحقهم حكم مبرم من قبل الجهات القضائية.. وهؤلاء غالبيتهم الساحقة من المعارضين ومن صدره بحقهم إدانات على خلفيات تهم مرتبطة بـ(الإرهاب)”.
وفي المقابل، أكدت عضوة مجلس الشعب السوري، غادة إبراهيم، في حوار سابق مع صحيفة “الوطن” المحلية أن الغاية من ذلك القانون، هو “أن تعود ملكية هذه الأموال إلى الدولة لاستثمارها بما يحقق عوائد لخزانة الدولة وبالتالي ينعكس ذلك إيجاباً على المواطنين، وخصوصاً أن هذه الأموال كانت تصادر سابقاً ولا تستثمر وتبقى على وضعها الراهن”.
ولفتت إلى أن “أسباب مصادرة الأموال متعددة وتكون كبيرة ولا تأتي إلا بموجب حكم قضائي مبرم أي نهائي لا رجعة فيه، وبالدرجة الأول تكون فساداً إدارياً أو وطنياً وبالتالي يجب أن يكون الشخص المتورط في هذه الملفات ثبت عليه الجرم”.
“قواعد آمرة”
وفي رده على ما ذكرته إبراهيم وغير ذلك من الحج التي يوردها مؤيدو النظام السوري، أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في تصريحات لموقع “الحرة” أن ما يسمى بمجلس الشعب هو “عبارة عن مجلس صوري جرى تعيين معظم أعضائه مكافأة لهم على ولائهم للنظام المستبد الحاكم، وبالتالي فهم رهن إشارته، وهم جاهزون لإقرار أي قوانين سواء كانت تستهدف معارضين أو حتى موالين”.
وأضاف عبد الغني: “وبالنسبة للقانون، موضوع الحديث، فهناك ما يسمى (القواعد الآمرة) في القانون الدولي والتي تمنع صدور مراسيم أو قوانين محلية تنتهك حقوق الإنسان، وفي حال حدث ذلك تصبح تلك قوانين باطلة”.
وتابع: “وعليه فإن القانون الذي جرى إقراره يعتبر باطلا لأنه ينتهك بالفعل حقوق الإنسان حيث إنه يستهدف معارضين أو محايدين لم يدعموا النظام خلال السنوات الماضية، ويمكن أن يستهدف موالين لم ينفذوا أومر السلطة”.
وشدد عبد الغني على أن النظام يسعى عبر إصدار القانون على انتهاك حقوق الملكية للمواطنين، مضيفا: “القانون الأخير يعطي صلاحيات للسيطرة على أي ممتلكات شخصية تحت ذرائع وحجج واهية”.
من جهته أكد المحامي الناشط الحقوقي، غزوان قرنفل، في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “ذلك القانون يعتبر سابقة خطيرة على صعيد العالم، حيث لم يقدم سوى النظام السوري على مصادرة الأملاك الشخصية، بل استباحتها بشكل كامل والتصرف بها كما يحلو له”.
وأضاف: “ولكن هذا التصرف ليس مستغربا على نظام مافياوي سبق له استباح حياة الناس ودمر مدنا وقرى وبلدات بأكملها”.
وشدد على أن “هذا القانون يعتبر أخطر من القانون رقم 10 الذي صدر في العام 2018”.
وكان النظام السوري قد أصدر قانون ملكية جديد في 2 أبريل من ذلك العام يحمل رقم 10، ويقضي بجواز إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر في المناطق التي دمرتها الحرب.
وقال المحامي والناشط السوري نبيل الحلبي في حديث سابق لـ”موقع الحرة” إن هذا القانون أصدر بذريعة إعمار المدن التي دمرت بشكل كامل، ويمهل اللاجئ السوري في الخارج 30 يوما لإثبات ملكيته للعقارات، وفي حال عدم استطاعته سيتم سحب ملكية العقار منه”.
ونبه الحلبي إلى أن الإشكال في ذلك القانون، هو صدوره في الوقت الذي يتواجد فيه ملايين السوريين في الخارج، مشيرا إلى أن القانون يهدف إلى حرمان اللاجئ السوري من عقاره.
وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” الحقوقية، وقتها، في بيانٍ إن القانون سيحرم سوريين كثرا من العودة إلى عقاراتهم لتقديم مستندات الملكية، مشيرة إلى افتقار نحو 70 في المئة من اللاجئين إلى وثائق التعريف الأساسية.
وأما قرنفل، فيرى أن القانون الجديد أشد خطورة، موضحا: “عندما قيمنا القانون رقم 10 قلنا إنه أحد (الأدوات القانونية) لاستباحة أموال السوريين ومحاولة حرمانهم من فرص العودة إلى بلدهم، ولكن المرسومم الجديد هو شرعنة حقيقية وقوننة لعملية النهب المنظم لممتلكات السوريين، وخاصة لمن غادر القطر أو لديه موقف مناهض للسلطة”.
وتابع: “هذا القانون فيه تجاوز على الدستور السوري الذي يضمن حقوق الناس في ملكيتهم، وبل يناقض قوانين أخرى لايزال معمول بها”.
“ذريعة الإرهاب”
ويرى حقوقيون أن القانون الجديد قد يجعل الكثير من السوريين عرضة لمصادرة أملاكهم الشخصية، ومن ثم استثمارها من جهات أخرى، بسبب وجود مراسيم تبيح لحكومة النظام مصادرة عقارات وأراض ومصالح صناعية وتجارية في حال جرى إدانة أصحاب بـ”الإرهاب”.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، قد أوضحت في بيان بتاريخ 16 يوليو من العام 2016 “أن الحكومة السورية تعاقب أسرا بأكملها مرتبطة بأشخاص مدرجين تعسفا على لائحة (إرهابيين مزعومين)، وذلك عبر تجميد أموال تلك العائلات المنقولة وغير المنقولة”.
وأوضحت المنظمة الحقوقية أنها “وثّقت استخدام السلطات السورية لغة فضفاضة في قانون مكافحة الإرهاب لتجريم تقديم المساعدات الإنسانية، أوالاعتراض السلمي أو توثيق انتهاكات إنسانية”.
ونبهت إلى أن المرسوم 63 يعطي “السلطة لوزارة المالية لتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة للأشخاص بانتظار التحقيق في جرائمهم كمشتبه في أنهم إرهابيون بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2012”.
وفي نفس السياق يرى الناشط الحقوقي، غزوان قرنفل، أن النظام قادر على توجيه تهم الإرهاب بسهولة لأي شخص حتى “لو كتب بضع كلمات في منصات التواصل الاجتماعي”، على حد تعبيره.
وزاد: “على سبيل المثال أنا كمعارض كنت ضد استخدام السلاح ومع سلمية الثورة، ومع ذلك جرى مصادرة أملاكي فقط لأنني كتبت بضع مقالات أو لأنني عبرت عن آرائي بشكل سلمي في لقاءات تلفزيونية”.
وقد أكد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن ما ورد آنفا، بقوله لموقع “الحرة”: “لقد جرت مصادرة ممتلكات من صدرت بحقهم أحكام تتعلق بالإرهاب في وقت سابق بشكل مباشر وغير مباشر ومن قبل ضباط متنفذين في النظام السوري”.
“فتش عن إيران”
وبشأن المستفيد من صدور قانون استثمار الأملاك المصادرة، يرى الإعلامي المتخصص في الشؤون السورية، نضال معلوف إن إيران هي سوف تكون المستفيد الأكبر.
وقال في قناته على موقع يوتيوب، الأحد: “ما لفت نظري أن القانون قد أعطى صلاحيات لشخص واحد هو رئيس الوزراء (بصفته الاعتبارية) ما يجعله يتحكم في عشرات آلاف ممتلكات السوريين، وذلك يمكنه من نقل ملكية أو إعطاء صلاحيات الاستثمار لأي جهة”.
وتابع: “منصب رئيس الوزراء هو في الوقت الحالي بيد إيران، وهذا يعني أنه جرى منح ممثل طهران الصلاحيات الكاملة لفعل ما يريد بتلك الثروات، وهذا أمر شديد الغرابة، لأن كل ذلك سوف يتم بقرار منفرد دون أن تكون هناك جهة مسؤولة عن محاسبة ذلك الشخص”.
وعلى نفس المنوال، أكد رامي عبد الرحمن، أن “إيران تتغلغل في النسيج الاجتماعي السوري وتشتري الأراضي والعقارات منذ ما قبل الأزمة”، لافتا إلى “عملية شراءالأراضي والعقارات قد تزايدت وتيرتها خلال فترة الثورة السورية”.
ويتفق مع ما سبق مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، موضحا: “ما يجري هو عملية استباحة كاملة للبلاد، والمستفيد بشكل أساسي هو النظام الإيراني الذي يتحكم بمفاصل حكومة دمشق الحالية”.
وزاد: “عبر هكذا قوانين فإن طهران تسعى إلى تحصيل الأموال التي يدين بها نظام الأسد لها، وباعتبار أن الأخير غير قادر على سدادها، فيبدو أن السيطرة على أصول الدولة وممتلكات السوريين الشخصية هي السبيل الأوحد لكي تسترد إيران ما تظن أنه حقها”.
ورأى عبد الغني أن كل ذلك يجري برضا بشار الأسد الذي لا يهمه سوى الحفاظ على كرسيه وسلطته الغاشمة، وفق وصفه.
وفي حين يعتقد عبد الغني أنه لا يوجد حاليا طريقة لإيقاف “التغول الإيراني”، قال عبد الرحمن إن “تصحيح الأوضاع سوف يأخذ وقتا طويلا عبر سن عدة قوانين تشريعية من (الحكومة الانتقالية) لإعادة الحقوق إلى أصحابها.. كما أن من هاجروا لن يعودوا بالوقت القريب”.
المصدر: الحرة نت
إقرار مشروع قانون يتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم يستهدف عشرات ومئات آلاف الممتلكات من أراض ومبان ومصالح تجارية وصناعية تعود ملكيتها لمعارضي نظام بشار الأسد ، إنها “سابقة خطيرة” تخالف كل الشرائع والقوانين الدولية ، إنه نظام ديكتاتوري مستبد يعيش على نهب الوطن لزيادة ارصدته وتمويل من يحميه كقوى احتلال .