العالم الروائي لخالد خليفة في مرآة النقد || (مديح الكراهية-لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة -لم يصل عليهم أحد) نموذجا/

إياس اليوسف

لايستطيع المهتم بالأدب الروائي ونقده أن يثق كثيرا بما يسمى نقدا أدبيا في عالمنا العربي.
ولاسيما الملخصات التي يكتبها صحفيون غير مختصين بالأدب أوروائيون يتسلون بكتابة ما يظنونه نقداأدبيا ،فتراهم بعيدين عن الحقيقة عاطفيين مجاملين مهادنين مسالمين يكتفون بتلخيص النص الروائي ومناقشة بعض أفكاره وكيل المدائح التي تصل إلى حد النفاق لكاتب الرواية متجنبين التورط في إثارة الأسئلة الحرجةالمشككة في الموضوع والأسلوب مسقطين من حساباتهم اﻹشارة إلى مواطن قوة النص أو ضعفه أومدى توظيف كاتبه لأحدث التقنيات الفنية الحديثة فيه  ، ومن ثم التساؤل
هل أضاف الروائي  إلى العالم الروائي الخاص به؟ أو للرواية العربية جديدا؟منذ ايام قليلة انتهيت من قراءه ثلاثة نصوص روائية للراحل خالد خليفه وهي (مديح   الكراهيه 2006-لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة 2013- ولم يصل عليهم احد 2019)،وقد كتبت الكثير من المقالات النقديةعن تلك الروايات خاصه على مواقع التواصل الاجتماعي ،وفي الصحف الورقيه والملاحظ وكما ذكرت في المقدمة بعدها عن الموضوعيه والعقلانيه والتقنية ،ويمكننا أن نسميها مراجعات أو تلخيصات أوآراء إيجابية لهذه الكتب .
إذ نجد في رواية مديح الكراهيه رؤيه وحيدة أو موضوعا واحدا وهو الكراهيه بين طائفتين مثل الأولى تنظيم الإخوان المسلمين وما قام به عناصره من أعمال قتل واغتيالات في مدينتي حلب وحماة في الثمانينيات ضد عناصر الطائفه الأخرى، أما الطائفة الثانيه فقد مثلها النظام بقياده قائد سرايا الدفاع أو الموت كما وصفته الرواية وما قام به من مذابح وحشيه راح ضحيتها عشرات الآلاف من الشعب السوري قتلاً واعتقالاً وتهجيراً وتدمير مدينة حماة على رؤوس سكانها وأحياء من مدينه حلب، والرواية حكاية تجربة الكفاح المسلح للإخوان المسلمين في سوريامكانها الرئيس (حلب) سردتها لنا شخصيه أنثوية عاشت منذ يفاعتها في بيت جدها لأمها ، مما أتاح للقارئ التعرف على سيرة حياة خالاتها وأخوالها وخادمهم الأعمى،  تلك الفتاه التي انتسبت إلى الجماعة عن طريق خالها بكر فقصت علينا سيرة حياتها داخل بيت العائله وفي المدرسة والجامعة وعلاقتها بنساء التنظيم قبل سجنها واعتقالها الذي دام سبع سنوات ونصف لتخرج بعدها من السجن ومن العائلة والمدينة تاركةوراءها ذكريات خالاتها وأخوتهم والخادم الأعمى وكراهيتها هاربة إلى لندن بعد أن تخرجت من جامعه حلب طبيبة بشرية لتعيش كما تريد هي لا كما يراد لها من العائلة، والتنظيم ،والسلطة.
لقد جاء سرد خالد خليفة للأحداث بصوت أنثوي فكانت ((الراويه تشرك جميع حواسها مكرستها للإصغاء إلى نبض الذاكره عن طريق المشاهد  والاسترجاعات والوقفات المنولوجيه التي تستوطن مخيلتها فتتحول الذاكره هنا من كونها انعكاسا للواقع الحالي إلى فضاء واسع متعدد الدلالات لقاء الزمن الماضي والزمن المعيش واستيعاب الزمن القادم الذي يخطط المبدع إيصال فكرته نحوه وخلق عالم جديد أو واقع أفضل)). ويمكننا ان ندرج هذه الرواية بما يسمى بروايه السيره الذاتية،  وقد تميز  الروائي في هذه الرواية بأن جعل الأنا الساردة هي أنا أنثوية نصا ووجودا وسردا فالنص يقوم على سرد سيرة فتاه من عائلة حلبيه وعلاقاتها مع الشخصيات الأخرى على مستوى العائله والمدرسة والجامعة  والتنظيم النسائي والسجينات، وبالتالي نجد أننا أمام نص أنثوي بامتياز رغم وجود الشخصيات الذكورية بكر ،عامر ،حسام، عبد الله ،رضوان.
لقد كانت الروايه مزيج من كراهية وخيبات ونضال ومقاومة وفقدان وعنف وخراب وقد تمكن الكاتب من رصد كل ذلك في شخصية الراوية من خلال التعبير عن إحساسها    بالمشكله بالغصة بالخذلان بالمحنة بالشعور العام بالأسى والحزن، وقارئ الرواية سيجد أن خليفه يدين بشدة ،بل يحمل مسؤولية ما جرى من أحداث دامية وخراب في مدينتي حلب وحماة وبقيه المدن لقائد سرايا الدفاع  آنذاك وهو رفعت الأسد الذي دفعته كراهيته للطائفة الأخرى إلى قتل عشرات الآلاف من عناصر التنظيم ومن المدنيين الأبرياء في محاوله لإبادة أكبر عدد منها،كما يتضح أن الراحل خليفة حمل التنظيم جزءا من مسؤولية ما حدث حين نقد فكر الجماعه المتطرف من خلال تعريته لهذا الفكر التكفيري الذي جعل من عناصر هذا التنظيم مشوهين نفسيا وجسديا وجاء كل ذلك من خلال سرد التداعيات للشخصيه الأنثوية الراوية و بيان تجربتها  مع تنظيم الإخوان المسلمين.
أمافي روايته لا سكاكين في مطابخ هذه المدينه يسرد لنا الروائي وبصوت راو وحيد علم كل شيء عن أسرته وأحداثها وهو أصغر فرد في عائلته الحلبية والمولود عشية انقلاب البعث سنة 1963 ،فاختصرت سيرته سيرة بلد عاش الخيبات والهزائم بدءا بتسلط القائد الخالد الذي يستهل خبر موته الرواية ولحين اشتعال النيران في جسد البلد المنكوب  .
الرواية تكرر مأساة الشعب في صور كان الكاتب قد رسمها لنا في روايته السابقة مديح الكراهيه من طغيان واستبداد وقمع على يدالنظام وكذلك تحميله مسؤولية ما حدث في الثمانينيات لقائد المظليين رفعت  شقيق الرئيس حافظ الأسد مسؤولية المذابح والفوضى التي عمت جميع أرجاء سوريا على أيدي كتائب المظليين والمظليات هذه المرة،  ويرى الناقد أحمد العربي في مقال  له عن الرواية: ((إنها لا تقترب بعمق لفعل النظام بحق الناس وحياتهم على كل المستويات إلا بشكل فرعي ويعدها نقطة ضعف الرواية)).
ركز الكاتب من خلال سيرة الراوي على حياة عائلة حلبية متهتكة أخلاقيا أفرادها مرضى نفسيا فاﻷم لا تريد تصديق خبر موت الرئيس رغم إعلانه رسميا في وسائل الإعلام، وهنا نجد الكاتب لم يبرر لنا ذلك ،ولكن القارئ يستنتج أن السبب هو الخوف الذي أصاب جميع السوريين جعلها عدم تصديق الخبر، ورغم أن الرواية صورت للقارئ أفعال المظليين بقياده رفعت الأسد شقيق الرئيس التي أذلوا وقمعوا ودجنوا   الناس في الثمانينيات ،رسم الكاتب في الروايه صورة سوسن ابنه العائله الحلبيه وكيف انتسبت إلى كتائب المظليات ورصد لنا سيرتها مع منذر مرافق رفعت الذي غدر بها وانتهك شرفها ولم يتزوجها وأصبحت شبه عاهرة بعد أن غادرت حلب إلى فرنسا فتحاول بعد ذلك التوبة باللجوء إلى الدين ثم تعود لتتحرر مجددا ولتذهب إلى مدرس الفرنسية جان في محاولة لإغوائه للزواج منها… ،كما يسرد لنا حياة الخال اللوطي نزار وحياة شقيقها رشيد الذي يظل بحالة بحث عن ذاته المفقودة فلما لم يجدها يشنق نفسه، وكل ذلك في إشارة لفعل السلطة الطاغية الذي جعل جميع الشخصيات غير متوازنة خائفة موؤدة الأحلام ترتمي في أحضان السلطة لهزم البطش المتعدد الوجوه، فإما الموت أو الجنون أو  السقوط التام في الرذيلة (سوسن -نزار)أو الانتحار(رشيد) .
وكما رأى فايز علام ومن خلال قراءتي للنص الروائي فإن الكاتب كرر الكثير من الأفكار مثل التأكيد على آثار الاستبداد ومصادرة الحريات …وعموما ومن خلال قراءتي للرواية فإن فكرة أو موضوع الروايةبكامله مكرر ويعد نسخة أخرى من روايته السابقة مديح الكراهية ولكنهاهنا جاءت مشوهة وضعيفة…ولا جديد فيها سوى تصوير العلاقات الجنسية بين منذر وجان وسوسن من جهة وبين  نزاراللوطي وعشاقه..من جهةأخرى.، فالكل في العائلة يعيش على هواه لا محرمات ولا ضوابط والجميع منفتح على ذاته وكأن كل فرد كون كامل منفصل عن الآخر يتقاطع معه ولا يندمج به مطلقا علاقته مع الآخرين مجرد أمر ملزم لا يدخل للعمق حتى بالحب والجنس والعيش المشترك كلهم يرى حياته بشكل مختلف وهناك دوما عدم يقين ولا راحةولا أمان والجميع ضحية الشروط الاجتماعية وأهمها السلطة الحاضره كالهواء والمؤلمة كالموت، نهايات الكل غير سارة كما ذكرنا، والوصم الاجتماعي لا يصل لذاتهم لكنهم مع ذلك يرتاحون ويرى البعض أن الرواية نوع من أدب الوجودية الذي يغير ذات   الفرد منفصلة عن ذوات الآخرين الاجتماعية، أما الناقد الجزائري محمد عبد اللطيف فقد قال عن الرواية في مقال له بعنوان ( رواية لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة….رواية العار) نشره في القدس العربي: ((بأنها لاتستحق كل هذا التبجيل المصطنع لرواية إيديولوجية كتبت بأسلوب ضعيف وسطحي مباشر…. وأن استقطابها للقراء العرب آنذاك واحتفاء الصحافة العربية بها كان لسببين أولهما:ما خلفته روايته السابقة مديح الكراهية من نقاش واسع ووصولها إلى قائمة البوكر،وثانيهما أنها الرواية المقبلة من سوريا الجريحة بحرب ضروس التي حولت حلب إلى مقبرة جماعية بسبب البراميل المتفجرة على رؤوس ساكنيها الآمنين.))
ومن المقالات النقدية التي فككت الرواية بحق أيضا هي قراءة أسماء عبد الله المنشورة بالإنكليزية وترجمها سوار مسنات على مدونة الأدب العربي إذ استطاعت الدخول إلى عمق شخصيات الرواية لتقف على أسباب أزمتها النفسية وبالتالي خوفها المستمر ونهاياتها التراجيدية متساءلة بأسى:(ماذا يحدث حين تستبدل تطلعاتنا لحياة سعيدة وأرستقراطية بالانحدار إلى براثن الفقر الجماعي ….حيث ذكريات تخنق الأحلام قبل أن تولد،وحيث الجمال والشباب يذويان ببطء حتى يتم هجرهما تماما)،ولم تذهب بعيدا كما فعل من كتب عن الرواية وادعى أنها كانت تتحدث عن تاريخ حلب في الثمانينيات…
الناقد عادل الأسطة تساءل مستنكرا من خلال مقال له بعنوان(( لاسكاكين في مطابخ … رواية الدكتاتور)): (لا أدري لماذا لم يسم خالد خليفة روايته العار؟…إن الرواية تحفل بهذا الدال….العار الذي  جلبه الدكتاتور لأمته وشعبه ).. ،
وممن نقد الرواية بسلبية مبتعدا عن المجاملات، الكاتب كمال ميرزا بمقاله المنشور بموقع عمون منذ شهر تقريبا قائلا عنها:
(ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺤﻔﺎﻭﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺣﻈﻴﺖ ﺑﻬﺎ “ﻣﺪﻳﺢ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ” ﻳﺒﺪﻭ  ﺃﻥّ ﻃﻤﻮﺡ ” ﺧﻠﻴﻔﺔ” ﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻳﺼﺒﻮ ﻧﺤﻮ “ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ “، ﻭﻫﺬﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻭ ﻳﺘﻄﻠّﺐ ﺗﻄﻮﻳﻊ ﻛﺘﺎﺑﺘﻪ ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﻪ ﻟﺘﻠﺒّﻲ ﺷﺮﻭﻁ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ !.
ﺇﻗﺤﺎﻡ “ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪ ﺍﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ” ﻭ “ﺍﻟﺸﺬﻭﺫ” ﻓﻲ ” ﻻ ﺳﻜﺎﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﺑﺦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ “، ﻭﺗﻮﻇﻴﻒ ﻭﺗﻌﺰﻳﺰ ” ﺍﻟﺼﻮﺭ ﺍﻟﻨﻤﻄﻴﺔ ” ﻭﺍﻟﻤﺨﻴﺎﻝ ﺍﻻﺳﺘﺸﺮﺍﻗﻲ ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﺗﺠﺎﻩ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﺪﻻ ﻣﻦ ﺗﻔﻜﻴﻜﻬﻤﺎ .. ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺟﺎﺀ ﻣﻘﺤﻤﺎ ﻭﻓﺠّﺎ ﻭﻣﻔﺘﻌﻼ ﻭﻫﺰﻳﻼ ﺑﻄﺮﻳﻘﺔ ﺃﺿﻌﻔﺖ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﻛﻜﻞ .!
” ﻻ ﺳﻜﺎﻛﻴﻦ ﻓﻲ ﻣﻄﺎﺑﺦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ” ﻫﻲ ﺍﻟﻨﺴﺨﺔ ﺍﻟﺒﺎﻫﺘﺔ ﻣﻦ ” ﻣﺪﻳﺢ ﺍﻟﻜﺮﺍﻫﻴﺔ”
ﻭﻗﺪ ﺗﻢ ﺗﺸﻮﻳﻬﻬﺎ ﻭ”ﺗﺤﻮﻳﻠﻬﺎ ” ‏(ﺑﻤﺎ ﺃﻧّﻨﺎ ﻓﻲ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﺘﺤﻮّﻝ ‏) ﻟﺘﻠﺒﻴﺔ ﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﺇﺑﺪﺍﻋﻴﺔ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ، ﺗﻌﻨﻲ ﺟﻤﻬﻮﺭﺍ ﻏﻴﺮ ﺳﻮﺭﻱ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﻋﺮﺑﻲ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ .!)  .
و في روايته الأخيرة لم يصل عليهم أحد 2019 التي أثارت ضجة كبيرة في اﻹعلام الورقي والإلكتروني، وعلى الرغم من ذلك لم أجد إلاالقليل من المقالات النقدية التي حللت الرواية بموضوعية، إذ كان الغالب على تلك الكتابات هو تلخيص النص ووصف الرواية بأنها تاريخية أرخت لحلب في فترة زمنية محددة دون اﻹشارة إلى خصائص النص الفنية أو التوقف عند أسلوب الكاتب في رسمه لشخصياته والسبل التي سلكها في رسمها ومعالجة موضوعه ،كما بالغ بعضها في الذهاب بعيدا بتأويل بعض رؤى الكاتب وتقويله ما لم يقله في عمله، مما جعل القارئ لتلك المقالات مشتت الذهن لايعرف حقيقة أفكار الكاتب ومدى دقة تلك التأويلات ، وما الذي يريد إيصاله الروائي للقارئ من أفكار في نصه..،
فالبعض رأى أن الرواية هي حكاية مظلمة المسيحيين الأرمن في عهد العثمانيين وسردمأساتهم وما حل بهم بعد المذبحة التي ارتكبت بحقهم سنة 1876، على يد العثمانيين ،وكذلك رسمه لصورة المسيحيين في حلب أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية(حين كان المسيحيون كمواطنين من الدرجة الثانية لايحق لهم السير على الرصيف، ويجب أن يهبطوا من الرصيف إذا صادفوا مسلما  وعليهم  أن يدفعوا الجزية..)،والبعض الآخر رأى أنها كانت إضاءة لصورة الأقلية المسيحية في حلب إرضاء للثقافة الغربية التي تريد دلائل للتأكيد على مظلوميتهم واضطهادهم من المسلمين العثمانيين الذين قتلوا وشردوا الآلاف منهم  في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ( 1951-1880) ولإثبات وقوع المذبحة التي ارتكبوها بحقهم في تلك الفترة… ،ومنهم الناقد حسين طرقجي الذي تساءل في مقال  له بعنوان (في رواية لم يصل عليهم أحد سقط خالد خليفة ولم يسم عليه أحد):(متى كانت حلب بمثل هذا الظلم غير المتسامح، والحقيقة أنني وجدت مبرر هذه الضغينة في آخر صفحتين من الكتاب عندما وجه الكاتب عرفانه بالجميل لجامعات غربية قدمت له منحا ليكتب في أحضانها فصولا من الرواية..) ملمحا إلى أن الكاتب قدم صورة للمسيحيين ومعاناتهم مع الغالبية المسلمة في حلب في زمن محدد إرضاء لجهات معينة.
أما الذين عدوا الرواية تأريخا لحلب في الفترة الزمنية الممتدة من 1880 وحتى عام 1951فنلاحظ أنه ومن خلال سرده لحياة أربعة أجيال عاصرت معظم شخصياتها جزءا من حكم العثمانيين لسوريا فقد بالغوا في  ذلك الأمر، فالنص الروائي هنا ربما حكى بصورة غير مباشرة ومن خلال الأحداث عن بعض أفعال العثمانيين في حلب وبعض البلدان وبلسان شخصيات مسيحية خلال زمن معين ، لكن مجمل الأحداث السياسية والاجتماعية التي جرت زمن السرد لاتشكل تأريخا لحلب،إذ يلاحظ القارئ أن ما يشغل الكاتب هو سير حياة شخصيات الرواية وتقلباتها الاجتماعية والنفسية، ولاسيما شخصيات عائلتي أحمد البيازيدي وعارف الشيخ موسى وما تفرع عنهما من أولاد وأحفاد، والمتعمق في قراءة النص سيلاحظ أن أهم حدثين فيه هما للمذبحة التي جرت للأرمن ولطوفان نهر الفرات الذي أغرق بعض قرى حلب وسكانها وانعكاسهما على الواقع الاجتماعي والاقتصادي لشخصيات الرواية ،بل وتأثيرهما على تشكيل شخصية كل فرد من أفراد تلك العائلتين ولاسيما في تحولاتها من حياة الترف والمجون واللذة إلى حياة التقشف والزهد والعفاف والألم،وكل ذلك نتيجة هذين الحدثين المأساويين،ولاشك أن الكاتب أطر نصه بإطار التاريخ المرتبط بالسلطة السياسية الحاكمة آنذاك،وإن كان لامفر من إطلاق صفة التاريخية على الرواية فلا بأس  بالقول أنه أرخ لمدينة حلب في زمن الحدثين البارزين اللذين أشرناإليهما في السطور السابقة وأن سرده كان لحياة عائلتين ومن العسف أن يعمم الكاتب ما ارتكبتاه من أخطاء على جميع العائلات في حلب إذ ليس الجميع متهتك وفاجر وتائب في النهاية كأفراد هاتين العائلتين، ومن السذاجة  اعتبارهما أنموذجا للحياة الاجتماعية الحلبية في تلك الفترة الزمنية،كتصويره لحياة حنا وزكريا  وميشيل وعازار ونساء العائلة بأنهم مستهترين بالعادات والتقاليد، ومجان، وطالبي لذة رغم وجود صفات إنسانية إيجابية في شخصياتهم.
وقد أخطأ من قال أن الرواية كانت إسقاطا على الواقع السوري المعاصر الذي عانى ولايزال من تبعات القتل والدمار والاعتقال والتهجير، وأرى أنه لاتوجد أية صلة بين النص وتبعات الثورة السورية سنة 2012 التي لاتزال قائمة حتى يومنا، وأن الكاتب حين كتب نصه لم يكن في ذهنه هذا الأمر.

وأتفق مع رأي الناقد خالد ديوب حين قال عن الرواية:( حاولت أن تكون واقغية عبر تدوينها  لجزء من مذكرات حنا، ونص للقاص والصحفي جنيد خليفة،
وهنا لابد من اﻹشارة إلى أن الكاتب كرر أسلوب سرده في رواياته الثلاث ففي الأولى والثانية كان الراوي فرد من أفراد العائلة. ..يحكي كل منهما حكاية عائلته،أما في الثالثة فقد كان السرد لسير عائلتين عاشتا حدثين مأساويين…وكما كرر في الأسلوب نلاحظ أنه كرر موضوعاته ولاسيما في مديح الكراهية ،وفي لاسكاكين في مطابخ هذه المدينة، حيث الحديث عن السلطة ومآلات فعلها على الشعب السوري هو ذاته في الرواية الثانية التي جاءت نسخة أخرى عن مديح الكراهية ولكنها مشوهة وضعيفة ولاترقى لمستوى النسخة الأصلية.
لقد كتب الكثيرون عن هذه الروايات (كما ذكرت)   وترجمت إلى بعض اللغات الأجنبية وحازت عاى جوائز وحظيت باهتمام غربي ، ومن خلال قراءتي لمعظم المقالات التي تناولت هذه الروايات فقد تبين لي أن جلها قد ابتعد عن الحقيقة في تأويلات رؤى الكاتب الفكرية والسياسية وشطت في تحليلاتها الفنية فكانت مرايا عكس بعضها عالمه الروائي الحقيقي
،والبعض الآخر لم يعكس سوى صورة مزيفة لهذا  العالم الروائي. ويبقى خالد خليفة كشخص عاش ومات في سورية وعانى ما عاناه أي فرد من قمع وظلم واستبداد وألم وعلينا أن ننصفه من القول بأنه قد كان سطحيا في تفكيك آلية حكم النظام السوري، وربما كان  هذا  الحكم صحيح، لكن علينا أن نكون منصفين ونقول بأن الرجل عاش في دمشق ولم يغادرها فأراد أن يكون مسه لفعل النظام في كتاباته مسا خفيفا اتقاء لوحشيته وهمجيته …
رحم الله خالد خليفة الذي قال كلمته ورحل ..، أما الصامتون فلعنة الله والشعب عليهم.

تعليق واحد

  1. قراءة نقدية أدبية موضوعية للكاتب الروائي الراحل “خالد خليفة” الله يرحمه ويغفر له ويجعل مثواه الفردوس الأعلى ، لقد نقل واقع استبداد نظام طاغية الشام الأب والابن بشفافية وواقعية وإن كانت بشكل موارب ليمس النظام عن بعد قليلاٍ ولكنه كان واضحاً وخاصة بالروايتين “لا سكاكين في مطابخ ” و “مديح الكراهيه 2006”

زر الذهاب إلى الأعلى